دخلت الجزائر في التحضير للانتخابات التشريعية المسبقة التي أعلن عنها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون فور حل البرلمان ، و هو الاستحقاق الذي سيُنظّم في أقل من ثلاثة أشهر ، و استهلالا للموعد يواصل رئيس الجمهورية استقبال الأحزاب الجزائرية في حوار مفتوح مع جميع الفعاليات في البلاد ضمن نقاش هادف إلى ضرورة جعل هذا الاستحقاق ذا نوعية و مختلفا عن المواعيد السابقة التي لقيت انتقادا لاذعا من طرف الجميع لما أحيط بها من ظروف لا تمتّ بصلة لمعالم الديمقراطية و التشاركية السياسية التي جنح إليها الشعب الجزائري و نزل إلى الشوارع مطالبا بها. حسم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في شأن القادم من الحياة السياسية و عناصر تشكّلها الجديدة من خلال قراره ، حل البرلمان ما يعني استدعاء مبكرا لانتخابات تشريعية مسبقة ، لم يعد يفصل الجزائريين عنها سوى أقل من تسعين يوما ، و هي الانتخابات التي ستعطي للزخم السياسي بوادر مشهد مختلف ، يختبر الأحزاب الجزائرية و مدى قدرتها على بلورة برنامج انتخابي يلغي نهائيا لغة الخشب و الوعود الكاذبة ، و تلك الخيالية التي لا يصدقها حتّى واضعوها ، كما أنّ هذه الانتخابات تضع ذات الأحزاب على محك المصداقية و استعادة الثقة الشعبية التي أكّد الخروج العفوي للحراك في 2019 أنّ ذات المصداقية و الثقة بين النخبة السياسية و الطبقة الشعبية كان قد أكل عليها زمن و شرب ، و الدليل الرفض القاطع لوجود أحزاب في خضم الحراك و ما لقيه قادتها من رفض من طرف الشباب ، الأمر الذي جعل هذه الأحزاب تتفرّج من بعيد ، رغم محاولاتها النطّ على المطالب و المكاسب و أيضا البحث المضني عن موطن قدم داخل المسيرات السلمية ، و نجدها اليوم تحاول ترقيع نفسها من أجل دخول الاستحقاق و هو الاستحقاق الذي ستكشف فيه كلّ أوراقها و تظهر مدى جرأتها على رأب الصدع . خاصية الموعد التشريعي و المحلي يميّز الأجندة السياسية للأحزاب بالتباين نظرا لاختلاف البنية و القاعدة و أيضا ما تحضّر له في الكواليس باعتبار هذه الأحزاب تعود من بعيد بعد أن ركنها الحراك في زاوية معيّنة ، فهي اليوم تبحث أوّلا عن التواجد في الساحة و منه إلى فرض برنامجها الانتخابي الذي تحتّم عليها الظروف تغييره تماما و ليس إعادة صياغته . معلوم أنّ الانتخابات المقبلة تشدّ إليها الاهتمام لعدّة أسباب أوّلها تعدّ الأولى في ظل إصلاحات سياسية مسّت روح النظم المسيّرة للبلاد ألا و هو الدستور الذي و إن ظلّ يتغيّر مع صعود كل رئيس ، فإنّ تعديله هذه المرّة مسّ عمقه من خلال مواد صريحة قلّصت صلاحيات الرئيس و أنهت تلاعب المال بالسياسة و الوصول إلى مقاعد الحياة التشريعية أو المحلّية بقدر ما يدفع المترشح ، فهذا برلمان سيشرّع للشعب و يسنّ له قوانين تحكمه و بالتالي المطلب الشعبي يؤكد دوما على العدل و العدالة الاجتماعية في التعامل مع مطالبه . و هذا امتحان للنخبة السياسية عموما و مدى تفاعلها مع الإصلاحات ، علما أنّ جل البرلمانيين كانوا سابقا يتلكئون بضبابية القوانين و عدم القدرة على تغييرها ، لتبقى الانتخابات التشريعية التي ستُعطي مجلس نواب جديد يفرز أول حكومة بالغة الأهمية و منتظرة ، ما سيدفع الأحزاب إلى التدقيق في برامجها الانتخابية ودقّة اختيار مرشّحيها وتشديد السلطات على نزاهة سيْر العملية الانتخابية وتحفيز المواطن على تحمُّل مسؤوليته، إن كان بالمشاركة بعملية الاقتراع أو ممارسة هذا الحق بكل مسؤولية . و معلوم أنّ ثمّة أحزاب قد أكدت لرئيس الجمهورية الرئيس تبون صعوبة تنظيم الاستحقاقين (الانتخابات التشريعية والمحلية) في يوم واحد من الناحية التطبيقية ، لاسيما ما تعلق بعملية الفرز التي يمكن أن تستغرق وقتا طويلا، وهو ما قد يمس ب«مصداقية العملية الانتخابية ويؤثر في كسب ثقة المواطن إلّا أن الرئيس تبون أكد أن الفصل في قرار تنظيم هذين الموعدين الانتخابيين سيتم وفقا لاتجاه رأي الأغلبية من التشكيلات السياسية. إن تفاعل هذه الحوافز والعوامل ستُساهم في انتخاب برلمان، ذي مصداقية يلعب الدور المرسوم له حسب الدستور الجديد، إن كان في مُراقبة السلطة التنفيذية أو في سَنِّ القوانين. أوضح في ذات السياق أن الرئيس تبون أكد أن الفصل في قرار تنظيم هذين الموعدين الانتخابيين «سيتم وفقا لاتجاه رأي الأغلبية من التشكيلات السياسية».