بسم اللّه الرّحمن الرّحيم والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدّين أيّتها السيدات الفضليات، أيّها السادة الأفاضل، تكمن غاية إقامة مراسم افتتاح السنة القضائية في الوقوف المنتظم على حصيلة إنجازات منظومة العدالة، وما بتت فيه من قضايا وما أصدرته من أحكام، كما تكمن أيضا في تحيين مسلك تقويم الأداء القضائي، بما يجعله يستجيب لتطلعات المواطنات والمواطنين، الذين ينتظرون من المنظومة القضائية تحسين ما تقدّمه من خدمات والارتقاء بما تصدره من أحكام. وإدراكًا منّا لأهمية رسالة القضاء في بسط سيادة القانون، وصون كرامة الإنسان وحرمة حقوقه وحرياته، فإنّنا اعتنينا، منذ البداية، بالقانون والقضاء معًا، وحرصنا دوما على إحلالهما الصدارة في مسار الإصلاحات، بوصفهما الأساس في بناء صرح الدولة، وإرساء الديمقراطية، وإقامة الحكامة الرشيدة. ومن هذا المنظور، أعدنا النّظر في عُدّتنا التشريعية بما يعكس مُثُلنا الوطنية، وبما يتساوق مع القيم الإنسانية، وينسجم مع التزامنا بالمواثيق الدولية. وما كان لنا أن نعيد صياغة العدّة التشريعية، وما تكرّسه من حقوق وحريات، دون دعمنا للقضاء، بتعزيز سلطته، ومضاعفة موارده البشرية، في كل التخصصات، بعد تمكينها من التكوين القاعدي، والتكوين التخصّصي داخل الوطن وخارجه، في مختلف فروع القانون والمهارات المطلوبة في إدارة دواليب قطاع العدالة. وحرصنا، من جهة أخرى، على تمكين القطاع من الوسائل الكفيلة بالارتقاء بالمؤسسة القضائية إلى المستوى المأمول في الإضطلاع بمسؤولياتها كاملة، وتزامن مع هذا تسريع وتيرة تنصيب المحاكم الإدارية. أيّتها السيدات الفضليات، أيّها السادة الأفاضل، يأتي لقاؤنا هذا في سياق نسعى فيه إلى تثبيت الديناميكية الإصلاحية التي باشرناها، استكمالا لبناء صرح الديمقراطية في بلادنا، وتجاوبا مع طموحات شعبنا. إن إعطاءنا الأولوية لقطاع العدالة، لم يأت للرّفع من قدرات القضاء للمساهمة في المجهود الوطني الرّامي إلى تهذيب الحياة العامّة ومحاربة الإجرام والفساد والآفات الإجتماعية فحسب، بل كان دافعه الحرص على جعل المؤسسة القضائية تقوم بالدور المناط بها في مجتمع، هو في تطور مستمر. مشاريع قانونية ذات صلة بالحقوق المدنية والسياسية أيّتها السيدات الفضليات، أيّها السادة الأفاضل، على ضوء المشاورات حول الإصلاحات السياسية، التي تم إجراؤها مؤخرا مع الأحزاب والشخصيات الوطنية وممثلي المجتمع المدني، تسنّى لنا وضع مشاريع النصوص القانونية، ذات الصلة بممارسة الحقوق المدنية وبالحياة السياسية، على نحو يعزّز الديمقراطية ويوسع مشاركة المواطنين والمواطنات في العمل السياسي. نحن مقبلون على استحقاقات سياسية هامّة، تفتح الباب على آفاق تسودها ديمقراطية متكاملة العناصر، تكون هي السبيل إلى إعادة بناء ثقة المواطن في الهيئات النيابية على اختلاف مستوياتها. وستضطلع المنظومة القضائية بدور هام في الوصول، بهذا المسعى الإصلاحي الشامل، إلى غايته المنشودة. فالجميع سيخضع لرقابة القضاء، ويذعن لقراراته، في كلّ ما له صلة بالاستحقاقات الوطنية، أو بممارسة حقّ من الحقوق السياسية، أو غيرها. وليست الإدارة معفاة من هذه الرّقابة ومن الالتزام بتنفيذ ما يصدره القضاء من أحكام. فجميع الحقوق والحريات والسلطات والصلاحيات ستمارس في ظلّ احترام القانون، وتحت رقابة القضاء. وما من شك في أن جدوى الإعتماد على القضاة في مراقبة الانتخابات، ستثبتها الاستحقاقات المقبلة، فيكون ذلك تكريسا لدورهم في تجذير الديمقراطية والشفافية والتنافس الحر النزيه بين مختلف القوى السياسية، وبرهانا على نجاح إصلاح العدالة في تحقيق ما رسم له من أهداف، وعلى رأسها استعادة المواطنين بصفة عامة، والمتقاضين بوجه أخص، لثقتهم في منظومتنا القضائية، هذه المنظومة التي باتت تملك ما تملك من الكفاءة ونجاعة الأداء، بفضل الجهود المتواصلة التي تبذلها أسرة القضاء برمّتها. الإصلاحات لبناء دولة متينة أيّتها السيدات الفضليات، أيّها السادة الأفاضل، لقد كان طموحنا وسيظل هو نشر العدل في المجتمع، والارتقاء بنوعية العلاقة بين القضاء والمتقاضين، بما يسهم في رأب ما كان من تصدّع في الثقة بين الشعب ومؤسساته، بما يوفر شروط العودة إلى حياة عادية وآمنة، ويكفل للبلاد التقدم في سيرها نحو استكمال الإصلاحات على أسس متينة، تستجيب للمعايير المتعارف عليها في بناء الدولة الحديثة. وإلى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية، تشكل السلطة القضائية جزءا من سلطة الدولة. فهي، من ثمة، مؤتمنة على تطبيق الدستور وقوانين الجمهورية، وحماية حقوق الإنسان، وضمان أمن الناس وسلامة ممتلكاتهم. ذلكم ما يضاعف أهمية مواصلة مسار تحسين أداء العدالة في تعاطيها مع القضايا المرفوعة إليها، وفي تعاملها مع المتقاضين. وحاصل ذلك يظل مرهونا بسلوك القضاة وتجردهم، والتزامهم بأخلاقيات المهنة وأعرافها، وحرصهم على الصالح العام، وجودة أدائهم من حيث نزاهة الأحكام، وسرعة النطق بها من دون إخلال بما يقتضيه القانون. إن ذلك يوجب على القاضي حفظ الأمانة، وصون الثقة وتطبيق القانون بكل نزاهة واستقلالية، والحرص على النجاعة في الأداء، دون مراعاة أيّ اعتبار، إلاّ ما ينص عليه القانون ويمليه عليه ضميره. أيّتها السيدات الفضليات، أيّها السادة الأفاضل، إنّه لمن الإنصاف اليوم أن نعرب عن تثميننا لجهود كافة أسرة القضاء، وتقديرنا لأثرها في تحسين إقامة العدل في بلادنا بما يلبي تطلع للإنصاف والمساواة أمام القانون. كما لا يفوتني، توجيه الثناء إلى جميع من ساهم فيما تم تنفيذه من مراحل مسار الإصلاحات، على مستوى قطاع العدالة وغيره من القطاعات. فلهؤلاء جميعا يعود الفضل في تحويل الرؤى والطموحات إلى واقع نلمسه، وإلى إنجازات ترسخ دعائم دولة عصرية، لا سلطان فيها لغير القانون. أسأل اللّه، العليّ القدير، العون والتّوفيق للجميع في هذا المسعى وأعلن، على بركته تعالى، افتتاح السنة القضائية 2011 2012. والسّلام عليكم ورحمة اللّه تعالى وبركاته.