بعد مرور 50 عاما على الجريمة التي ارتكبتها منظمة الجيش السري (الفرنسية) بوهران بتفجير سيارة مفخخة بساحة "الطحطاحة" يوم 28 فيفري 1962 لا تزال تلك المشاهد المأسوية راسخة في ذهن شاهد العيان السيد حميد بن علو حيث لا تكاد صور أشلاء الجثث وأنين الجرحى ورائحة الموت التي أطبقت على المكان تفارق ذاكرته. وقد شهد هذا اليوم من شهر رمضان حلقة أخرى من الأعمال الإجرامية لتلك المنظمة التي إستهدفت الساحة العمومية "الطحطاحة" القلب النابض لحي المدينةالجديدة الذي كان يقطنه الجزائريون أنذاك في وقت كانت فيه الأحياء السكنية المخصصة للأوروبيين محظورة غالبا على الوهرانيين. وقد سبق هذا التفجير عدة إعتداءات إرهابية نفذها طيلة أشهر مجرمو منظمة الجيش السري بتطبيقهم لسياسة الأرض المحروقة مخلفة القتل والدمار لتزداد تلك الممارسات بشاعة مع إقتراب موعد التوقيع على إتفاقيات إفيان والإعلان بالتالي عن وقف إطلاق النار. بقي حميد صامتا لبرهة من الزمن محاولا إخفاء دمعة خانت برودة دمه قبل أن يشير الى أن صور أشلاء جثث الضحايا التي جمع البعض منها بيديه لم تفارقه أبدا. وقد كان تخطيط المنظمة الإرهابية جهنميا من أجل سقوط أكبر عدد من الضحايا حيث أوقف عناصرها السيارة المفخخة ساعتين قبل الإفطار قرب محل عمي بولحية أحد المحلات الشهيرة لبيع "الزلابية" بوهران والذي اعتاد عشرات الصائمين الإقبال عليه يوميا. ويردف حميد قائلا "كنت في السابعة عشر من العمر..." غير أنه لم يستطع إكمال الجملة فصار صمته أكثر تعبيرا من الكلمات. وقد عايش حميد بن علو أحداث مأسوية طيلة قرابة سنتين منذ بداية عمليات منظمة الجيش السري بوهران في أوت 1961 وقد أدت به هذه الوضعية إلى التنقل رفقة عائلته الى حي "عربي" بحثا عن الأمان. وحسب المؤرخ المختص في تاريخ مدينة وهران خلال الفترة الإستعمارية السيد صادق بن قادة فان عملية "الطحطاحة" قد خلفت 23 قتيلا وفق سجلات الحالة المدنية مضيفا أن "العديد من الضحايا لم يتم إدراجهم في تلك السجلات". ومن جهته أشار الشاهد حميد بن علو الى وجود عدد كبير من الجثث والأشلاء المتناثرة في الساحة مفيدا أنه جرى الحديث أنذاك عن 75 قتيلا. ولم تمح السنين التي مضت تساؤلا لا يزال يحير حميد حول كيفية دخول السيارة المفخخة إلى "الطحطاحة" مع العلم أن الموقع محاط بالأسلاك الشائكة مع وجود سوى منفذين تحت حراسة الشرطة الفرنسية مضيفا أنه قد قدمت لإرهابيي "منظمة الجيش السري" تسهيلات لتنفيذ جريمتهم أو حتى بتواطؤ من أفراد الشرطة. ويظل النصب التذكاري الذي يتوسط ساحة "الطحطاحة" حاليا شاهدا على هذه الجريمة التي ارتكبتها منظمة الجيش السري رغم أنه لا يثير انتباه الكثير من الشباب حيث لا يعلم أغلبهم بتلك المأساة التي وقعت قبل 50 سنة خلت.