سوريا الصامدة... سوريا الواقفة على رجليها، تدرك أيّما إدراك أن طيّ صفحة الأحزان، دموع الثكالى و آلام عائلات الشهداء الذين سقطوا فداء و قربانا لأرض الشام المبارك، لا يمكن أن يكون إلا باتباع الحلول و الأساليب السلمية، لذلك عملت دمشق و منذ اندلاع فتيل الحرب الأهلية على إيجاد مخارج و مقترحات قدمتها في شكل مبادرات سياسية، أثبتت من خلالها وجود مؤشرات و نوايا حسنة على قبولها مسعى الحوار الجاد و البناء الذي من شأنه إنهاء مظاهر العنف اللذي خرب الديار، دمر الاقتصاد، و استهدف الآلاف من الأبرياء السوريين، الذين راحوا ضحية صراع دموي، تدخلت فيه العديد من الدول و موّلته الكثير من المحاور، ليتحول في الأخير إلى " حرب بالوكالة " استخدمت فيه أسلحة و عتاد عسكري أحرق الحرث و النسل... اليوم الأخير من الزيارة كان مكثفا و مرهقا، بسبب درجة الحرارة المرتفعة التي فاقت ال 42 درجة على دمشق و ريفها الشاسع، حيث كان لنا لقاء هاما بوزير المصالحة الوطنية الدكتور علي حيدر، الذي وجدناه ينتظرنا في مكتبه، و كلّه أمل و استعداد كي يستمع إلينا و يستفيد من تجربتنا الرائدة في ما يتعلق بميثاق السلم و المصالحة الوطنية الذي تبناه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في 2005، و كان من أهم نتائجه إنهاء حمام الدم و العنف الذي شهدته الجزائر في التسعينيات، اللقاء الذي جمعنا بمعالي الوزير المصالحة السوري دام ساعتين، حيث استعرض فيه أعضاء الوفد لاسيما الذين يقطنون بالولايات التي تأثروا فيها بالإرهاب، همجية هذه الظاهرة، و ما خلّفته من آثار الدمار و التخريب على منشأتنا و هياكلنا القاعدية، مما دفع بالمسؤول الحكومي السوري إلى تسجيل الكثير من النقاط الإيجابية في هذا المسعى للاستفادة منه و العمل على تطبيقه بما يتناسب و والوضع الحالي في بلده، مؤكدا أن دمشق تدرك مدى خطورة الاعتماد على سياسة الكل الأمني التي لا تزيد الأمور إلا تأزما و تعقيدا... فاستمرار الحرب لسنوات أخرى - حسبه - من شأنه إضعاف الدولة، تهديدها بالانفجار و حتى بمخاطر الانقسام، لذلك قال ذات المتحدث ، " إنه يجب تفعيل الآليات القانونية التي تسمح بتعزيز مسار التصالح و التآخي بين أفراد الشعب السوري، لاسيما بعدما عملت بعض الأطراف الغربية و حتى العربية على تسميم و تلغيم مجريات الصراع و تعميق الخلافات بين الإخوة الأعداء"، و حذر علي حيدر من خطورة " إسقاط سوريا الدولة و المؤسسات، و تكسير مشروع المقاومة في المنطقة" ، مضيفا " أن إنشاء وزارة تعنى بالمصالحة الوطنية يؤكد وجود رغبة حقيقية من قبل المسؤولين في دمشق، لفتح سبل القنوات السياسية و الأطر القانونية التي من شأنها إسكات لغة السلاح و العنف في البلاد، مؤكدا أن همجية الإرهاب في سوريا لم تفرق بين كبير و لا صغير، شيخ أو كهل، فتاة يافع أو عجوز، بل أن الجماعات المسلحة قامت حتى باغتيال ابنه لدفعه إلى الاستقالة و الانشقاق عن النظام، و لكنه أكد أنه سيبقى في منصبه إلى حين الخروج بحل للأزمة السورية المشتعلة، و أن الذي يخشى التهديدات و الإغراءات الأطراف - كما قال - لا يستحق أن بالوطني و المحب لبلده و شعبه. تعاون برلماني عربي ... إلى متى؟ متى يتم تفعيل التعاون البرلماني العربي؟ ، و لماذا أضحى نواب الشعب في العالم العربي لا يجتمعون؟ و إذا اجتمعوا لا يتفقون؟، و كيف يتم إحياء التعاون بين مختلف برلمانات العرب لرأب الصدع الذي بات يهدد شعوبنا في المنطقة التي سئمت مظاهر الانقسام و التململ الذي أصاب الخطاب السياسي العربي، كل هذه النقاط بحثها رئيس مجلس الشعب السوري الدكتور محمد جهاد اللحام، مع الوفد الجزائري، حيث وجه بالمناسبة نداء للبرلمانيين الجزائريين لتعزيز عرى التعاون البيني مع نظرائهم السوريين، مشيدا بالموقف الرسمي الجزائري، الذي تعامل حسبه " مع الأزمة السورية بحكمة و روية، مما يؤكد المسار القومي و النهج المقاوماتي لبلد المليون و نصف المليون شهيد، الذي يرفض و لا يزال كل مخططات إذلال و استعباد شعوب المنطقة العربية"، ما شد انتباهي و نحن نستمع لكلمة رئيس البرلمان السوري، انتقاده الشديد لما سماه " ضعف النظام العربي و تهلهله في معالجة مختلف القضايا العربية المصيرية، و سعيه إلى فرض و تنفيذ إملاءات الدول الغربية الكبرى، التي تسعى إلى تنفيذ مخطط " سايكس بيكو " جديد في المنطقة"، داعيا إلى إصلاح جامعة الدول العربية التي فقدت - حسبه - مبررات وجودها، لاسيما فيما يتعلق بمعاجتها للأزمة في سوريا، "حيث جمدت عضويتها، و لم تكلف نفسها عناء إدانة الهجمات الإرهابية التي استهدفت الأبرياء هناك". كما دعانا رئيس مجلس الشعب السوري في الأخيرإلى مشاهدة فيلم وثائقي من تصوير بعض القنوات الفضائية الأمريكية عن أعمال جماعات جبهة النصرة التابعة للقاعدة، و ما ارتكبته من جرائم مروعة أبكت بعض أعضاء الوفد كتصوير مشاهد قطع رؤوس بعض السوريين في حلب باسم شريعة الله و سنته في الأرض، تجريب المواد الكيماوية على بعض الأرانب بهدف استعمالها في حربهم ضد الجيش السوري، محاربتهم أنصار الطائفة العلوية و الزواج بالفتيات السوريات في إطار ما بات يعرف بجهاد المناكحة إلخ، و هو ما استنكره الأستاذ الجامعي كبير محمد من قسم علم الاجتماع و الفلسفة، واصفا إياه الأمر بالفكر التكفيري المنبوذ الذي يجب محاربته بلا هوادة، تماما مثلما قامت به الجزائر في السابق... علماء و طلبة في قلب موجة العنف آخر محطة من محطات الزيارة التي قمنا بها إلى العاصمة السورية دمشق، كانت مع رئيس جامعة دمشق الدكتور عامر مارديني، الذي خصنا باستقبال حار و متميز، رفقة بعض عمداء الكليات، الذين أجمعوا كلهم على أن الحرب الكونية التي تستهدف سوريا هذه الأيام الهدف الخفي منها هو تحطيم قاعدتها العلمية النوعية التي استطاعت مأسستها طيلة عقود، حيث كشف لنا رئيس الجامعة أن الجماعات التكفيرية قامت، بضرب أكبر علماء الأمة السورية و طلبتها النجباء، على غرار قتل أئمة المساجد و مشايخها الكبار، اغتيال أكبر عدد ممكن من الأساتذة الجامعيين الذين تمكنوا من تنوير العقل السوري و تطويره، و استهداف حتى الطلبة النجباء المتخرجين من الجامعات تمام مثلما حدث مؤخرا في حلب، مشيرا إلى أن جميع العلوم في جامعة دمشق تدرس بالعربية، و هو ما وصفه بالتحدي الحقيقي الذي أزعج الغرب و أقلقهم، مما دفعهم إلى التخطيط لضرب كوادر سوريا الجامعية، ليتم في الأخير تكريم الوفد الشعبي الجزائري ب " درع جامعة " دمشق تسلمه رئيس الوفد الدكتور عبد المجيد حامدي، كعربون صداقة و وفاء بين الشعبين الحزائري و السوري... لا جهة سياسية و لا هم يحزنون هكذا كانت زيارتنا إلى العاصمة السورية دمشق، حيث حاولنا قدر المستطاع الوقوف دون انحياز على حقيقة ما يجري في سوريا، و تأكدنا من خلال كلام العديد من المسؤولين، رجال الدين، الإعلاميين، نواب مجلس الشعب السوري ... إلخ الذين كان لنا شرف الالتقاء بهم أن دمشق باتت اليوم تواجه مؤامرة كونية، الهدف منها حسب ما جاء في تصريحاتهم النيل من المشروع القومي العروبي لسوريا، علما أن الوفد الشعبي الجزائري الذي سافر إلى سوريا لم يكن يمثل أي جهة سياسية أو حتى حزبية، بل تنقل إلى هناك عملا بمبدأ، أولا تعزيز و تقوية وشائج الأخوة و الصداقة التي تجمع الشعبين الجزائري و السوري، الالتزام بمبدأ نقل ما شهدناه في دمشق إلى الرأي العام الوطني دون تحرييف و لا تزييف، حتى يدرك أبناء جلدتنا ما يجري هناك، و لا يقعوا ضحية لبعض وسائل الإعلام الأجنبية التي صورت سوريا على أنها كابول أو دمشقستان جديدة. هذه مسؤولية تاريخية و دينية نقلناها بصدق و أمانة من أرض الشام المبارك، بعيدا عن التضخيم الدعائي المنبوذ.