هل يمكن لحزب بوزن جبهة التحرير الوطني أن يدخل في انسداد أشبه بنفق مظلم مع أن ما يحمله من ارث تاريخي وماض نضالي لأجيال كاملة يفرض أن يكون في وضع أفضل لا مجال فيه للخصومات والصراعات التي لا تستند لقضايا تستحق ذلك.. يطرح هذا التساؤل في ضوء ما جرى مؤخرا على خلفية انتخاب أمين عام جديد لحزب لم يتوقف عن إثارة تساؤلات بشان موقعه على الساحة الحزبية والسياسية خاصة منذ أن دخلت البلاد عهد التعددية.. لقد اختلطت الأمور داخل الحزب العتيد بفعل العلاقة العضوية مع السلطة تارة وارتكازه على الموروث التاريخي تارة أخرى، وقد قطع مراحل ذات مدلول خارج تلك العلاقة مما جعله يحافظ على خصوصيته كحزب جواري لا يمكن تجاهله أو القفز عليه خاصة إذا ما تخلص من الشوائب والمعوقات التي لطالما التصقت به.. ولا يزال "الافلان" يعاني (جدلية سلطة الحزب وحزب السلطة) خاصة بعد أن أعاد مراجعة كثير من المواقف ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي منذ انطلاق الإصلاحات ويزيد انزواء مع انخراطه في صراع أشبه بحرب الإخوة الأعداء. وكان يمكن تفهم ما يجري لو كان الصراع يتعلق بخيارات وأفكار وبرامج وتوجهات. ان البلاد وفي ضوء ما يجري إقليميا ودوليا لا تحتمل أن تنزلق الطبقة الحزبية إلى خلافات تهدد الاستقرار السياسي بل يتطلب الواجب والالتزام الانخراط في ديناميكية تعزيز وتعميق الاستقرار من خلال معالجة المسائل ذات الطابع الداخلي للأحزاب ضمن الأطر الشرعية. ليست هي المرة الأولى التي تمر فيها الافلان بأزمة تتعلق بتولي القيادة، بل حدثت في الماضي أزمات كانت تعالج بعيدا عن الشارع وبحس عال من الممارسة. لقد كان حينذاك جيل يتحمل المسؤولية دون الزج بالقواعد في مشاكل تنظيمية وبعيدا عن إثارة الرأي العام. وبالطبع عندما تدخل الأحزاب الوطنية في مشاكل أقرب للصراع على ريع سياسي أو مراكز نفوذ معينة بينما يفرز المحيط الإقليمي خاصة المجاور تحديات تحمل تهديدات، تحاول بعض التشكيلات الحزبية المغامرة ملء الفراغ بطرح تصورات ومشاريع لا يمكن للرأي العام هضمها متطلعا لأفق أكثر وضوحا وطمأنينة لا مجال فيه للرقص على الحبال أو محاولة الالتفاف على الواقع الذي يتطلب اليوم أكثر من أي وقت مضى تجنيد كافة الطاقات الوطنية والمحلية لرفع التحديات المصيرية. إنها تحديات مافتئت تلوح من بعيد تدفعها العولمة التي يصيغها ويقودها النظام العالمي الجديد بكل ما يحمله من تهديد للسيادة الوطنية للدول الناشئة مثل الجزائر التي ما أن تخلصت من آفة الإرهاب بعد أن قاومته بفضل تلاحم الإرادة الشعبية مع المؤسسات الدستورية للدولة، وتخلصت من أزمة المديونية الخارجية وتعطل وتيرة التنمية بفضل الضخ الهائل لاستثمارات عمومية على مدى أكثر من عشريتين حتى دخلت في مواجهة مع الفساد المالي والاقتصادي الذي لا مجال لطمس آثاره أو القفز على تداعياته. وقد أعلنت الدولة بشكل واضح أن لا هوادة في مكافحة ظاهرة الفساد وان القانون سيطال كل من تورط في المساس بالمال العام.