"من التعقل أن لا أمنع ابني بل أشاركه في مضمونه" *كما لا نحادث الغرباء في واقع حياتنا, فكذلك الحال مع غرباء العالم الافتراضي قلما ترى يد أحد المراهقين خالية من هاتفٍ محمول يقلبه وينظر فيه طوال الوقت, أويقلب حساباته من "الإيميل" ثم "فيس بوك"، و"تويتر"، و"انستجرام"، و"يوتيوب"، وغيرها. كانت حملات التوعية في البداية مركزة على قطاع طلاب المرحلة الثانوية, كما كان لآباء وأمهات نصيبٌ من ذلك حيث اعلنت مديريات التعليم في مناطق مختلفة عن إقامة سلسلة محاضرات لتوعية ألاولياء في معرفة طرق حماية أطفالهم من مخاطر الشبكة العنكبوتية . كان المحاضر مهتمٌ بموضوع المراهقون وشبكات التواصل الاجتماعي , وأنه يتواصل مع المراهقين من جهة, والمربين من جهة أخرى للسماع منهم وتحليل ما يحدث أولًا بأول, ثم تقديم النصائح للطرفين على حد سواء. استعرض المحاضر نماذج وعينات من تصرفات وأقوال المراهقين على الشبكة, بعضها جاء بها من صفحات "فيس بوك", ومعظمها من "تويتر", وأيضًا من غيرهما. وباختصار فإن كل ما عرضه كان مخيفًا ومفزعًا إلى حد جعل الآباء يُطلقون صيحات الاستنكار والدهشة والغضب . * احذر نشر معلوماتك الخاصة بدأ المحاضر باستعراض حادثة شهيرة وقعت الصيف الماضي ؛ حين قامت الجماهير المشجعة للفريق المحلي بالتنفيس عن غضبها وإحباطها جراء خسارة فريقهم بأعمال شغبٍ وتكسيرٍ وسرقات وإشعال نارٍ، واستمر ذلك لساعاتٍ في أرجاء مختلفة من قلب المدينة, وقد تم القبض على معظمهم أو استدعائهم للتحقيق . فهذه فتاة حمقاء تصرح بأنها حصلت على أغراضٍ من محل شهير بعدما اقتحمته مع الجموع, وهذا مراهق أرعن أخذ يستعرض صورته وفي يده العصا وهو يكسر ويحطم مما كان دليلًا دامغًا بحقه, والخطورة ليست هنا فقط، وإنما في المستقبل الذي ينتظر هؤلاء الشباب, إذ يكفي وضع اسم أحدهم في محرك البحث الشهير "جوجل" لتظهر كل معلوماته وتاريخه وربما صورته في أعمال الشغب . فتاة أخرى كانت تنشر صورها باستمرار وهي خلف المقعد تتعلم القيادة وبلغ بها الحماس أن صممت صفحة لها يشترك فيها مَن رغب, وما هي إلا أيام قليلة حتى لَقِيَت حتفها في حادثٍ شنيع, وفوق صدمة والديها وألمهما لفقدها, فقد فوجئا بصفحتها على "الفيس بوك" وقد تجاوز عدد معجبيها الآلاف, رغبةً وفضولًا في معرفة تفاصيل الحادث, وفوق ذلك تناقل وعلق أعضاء الصفحة على صورها الشخصية بما سبب مزيدًا من الألم لذويها. ومن الصادم أن بعض المراهقين ينشر بسذاجة معلوماتٍ قد تضره أو تضر والديه دون قصد, فهذا صبيٌ في السابعة عشر يضع صورة لأول مخالفة مرورية تلقاها بعد حصوله على رخصة القيادة في برنامج "انستجرام" والمخالفة تحوي بياناته كاملة؛ اسمه واسم أبيه, وعنوان إقامته مفصلًا, ورقم جواله, والصورة شوهدت من قبل مئات الأشخاص, وقد نسي صاحبنا أنه يتحرك في الموقع تحت اسمٍ مستعار! أما الأمر الكارثي والمؤلم الذي يفعله هؤلاء المراهقون بحق بعضهم فهو التهكم والسخرية واللمز والكذب والتشهير بأحدهم بعلمه أو دون علمه, أو الافتراء عليه, أو تلفيق تهمة له عن طريق الشبكة فقد اكتشف أحد دارسي علم الاجتماع والمهتمين بهذه القضية مؤخرًا وجود موقع أنشأه أحدهم في ثانويته وقام بنشره في أوساط الطلبة؛ وفكرة الموقع تقوم على أن يضع كل من رغب من المسجلين بالموقع صورة صديقٍ أو صديقة له من الثانوية (ولا يشترط علم صاحب الصورة بما يحدث)، ثم تبدأ التعليقات تظهر تباعًا على كل صورة, ولمزيدٍ من التشويه والتشهير بصاحب الصورة فقد تُتبع بأعمال سخرية ببرنامج "فوتوشوب" أو غيره, و في الغالب لا يدرك هؤلاء المراهقون المؤذون ولا أهلوهم ما قد يُحدِق بهم من مسؤوليات قانونية أو أخلاقية جراء مساهمتهم في النشر! * ما العمل كمربٍّ ؟! هل من التعقل أن أقوم كمربٍّ بمنع كل وسائل التواصل الاجتماعي عن أبني أم أشاركه فيها بحيث أكون أنا من ضمن أصدقائه؟ أم أحدثه عن خطرها كما تحدثنا سابقًا؟ أجاب المحاضر عن هذا السؤال ساخرًا بأن مراهقي هذه الأيام قد بلغوا من الدهاء مبلغًا عظيمًا مما يجعل أمر التحكم والسيطرة أمرًا لا يمكن حدوثه بسهولة؛ فهذه فتاة فرض عليها أهلُها عدم فتح حسابٍ على "الفيس بوك" أو حتى عدم اقتناء هاتف أو غير ذلك، ببساطة طلبت الفتاة من صديقتها أن تفتح لها حسابًا باسمها، وصارت تملي عليها ما تقول وما تضع في حسابها خلال التقائهما بالثانوية , ثم استطاعت جلب هاتفٍ نقَّال دون علم أهلها, وهذا فتى أوجد لنفسه حسابات خاصة تجمعه مع أبيه وأمه, وله حسابات أخرى غير ظاهرة يخلو فيها مع أصدقائه حيث يخلو له الجو ليفعل ما يريد.! أن النصيحة الذهبية والأهم التي وُجهت للآباء لتخطي هذا التحدي هو مقدار متانة العلاقة بين الطفل وبين أسرته, فكلما تلقى من والديه حبًّا واهتمامًا وتوجيهًا ومشاركة وتفهمًا لمشاعره من سنوات عمره الأولى؛ كلما قل تأثير الأخطار المحيطة به ومن ضمنها الإنترنت, وكلما أوجدت مساحات في يومك مع طفلك المراهق تجمعك به بعيدًا عن الإنترنت ورسائل الجوال، وكانت هذه الأوقات مليئة بالحب والتوجيه والمزاح والموعظة وغيرها؛ كلما سهُل عليك مساعدته في معرفة مسؤولياته تجاه العالم الافتراضي وغير الافتراضي. * احذروا تطاير شرارة النار: كلمة حق أسجلها - وأنا أم لثلاثة أطفال مرُّوا بمراحل ومدارس ابتدائية في مناطق مختلفة - أن الأطفال في مدارسهم الابتدائية قلما تجد أحدًا منهم يحمل هاتفًا نقَّالًا, ونادرًا جدًّا أن يأتي من أحدهم ذِكرٌ لأحد مواقع التواصل الاجتماعي, وإنما تبدأ هذه الصعوبات ويحصل كل هذا التحدي الخطير حول مخاطر الشبكة حينما يبدأ الأولاد والبنات الذهاب للثانوية.ما أراه من حالٍ مؤلم ومقلق لكثيرٍ من أطفال العالم العربي يقتنون أحدث الأجهزة مع رقابة خفيفة أو منعدمة. فكيف يكون حالهم حينما يكبرون قليلًا أو تتفتح أعينهم على عالم الإنترنت الواسع؟! شرارة هذه النار إن لم تكن قد تطايرت ووصلت لكم فاعتبروا بحقائق هذا المقال وقصصه، فهي صرخة نذير، والسعيد من وُعظ بغيره. * راقب سلوك طفلك : صمام الأمان في تربية طفلٍ صالح ناضج قادرٍ على التعامل بمسؤولية مع العالم سواء الواقعي أو الافتراضي هو علاقة صحية وسليمة تجمعه مع والديه, وثقة تُبنى من سنوات عمره الأولى تمكنه من اللجوء لهما والسماع منهما والامتثال لتوجيهاتهما . ومدى عمق ومتانة هذه الثقة إنما يقاس بمدى قرب الطفل من والديه, وبقدر ما يخبر به ويفصح لهما من مشاكله وأسراره, وبناء هذه الثقة هي مهارة على الوالدين تعلمها وإيجادها في البيت منذ السنوات الأولى من عمر هذا الطفل. - عليك أيها المربي أن تتعلم وتطور مهاراتك عن الإنترنت وعالمه الواسع وما يحصل فيه أولًا بأول, فحتى إن لم يكن في بيتك جهاز أو اتصال بالشبكة فإن ابنك لن يعدم طريقة في استخدامه؛ إما عن طريق مقهى, أو صديق أو يلجأ لاستخدامه في مدرسته مع رفاقه. علم طفلك مهارة النقد البنَّاء, الذي يرى الجوانب الإيجابية والسلبية معًا, ولا يكون موجهًا بداية للأشخاص وإنما للآراء والتصرفات, والذي مبعثه العين الناقدة لا النفس الحاقدة! - ضع قوانين وشروطًا وجزاءاتٍ بينك وبين طفلك, وذلك بأن تجلسا معًا لوضع "ميثاق" للاستخدام الآمن للشبكة العنكبوتية, وتحددا معًا ساعاتٍ معينة في اليوم, أو ماهية المواقع المسموحة وغير المسموحة للزيارة, ومن حقك أن تحصل مثلًا على أرقام الحسابات والمرور التي يستخدمها ابنك, واطلب من الشركة المزودة لك بالإنترنت تشغيل خاصية حجب بعض المواقع السيئة إن كان لديها. بعض المواقع تشترط سنًّا معينًا ليتمكن طفلك من بناء حسابٍ فيها, فلا تتجاوز هذا الشرط, كمثال: موقع "فيس بوك" لا يُعطي خيار التسجيل للأطفال الذين هم دون الثالثة عشر, فلا تكذب أو تسمح لطفلك أن يكذب في عمره من أجل الحصول على حساب. - لا تسمح لطفلك مطلقًا أن يُدخل لغرفته جهاز الحاسوب, أو هاتفه الشخصي, بل اتفق معه على مكانٍ مخصص يضعه فيه حال انتهائه منه. - راقب سلوك طفلك أمامك أو على الشبكة؛ فقد يعاني اضطهادًا أو ابتزازًا من زملائه، ومن علامات ذلك: تغير في تصرفاته أو مزاجه, عدم رغبته في الحديث عن أنشطته على الشبكة, ضعف ثقته بنفسه, زهده في مقابلة أصدقائه أو حضور التجمعات في المدرسة أو خارجها. تيقظ! فقد يكون ابنك ممارسًا لاضطهاد أطفالٍ آخرين, ومن علامات ذلك: إدمان على استخدام الإنترنت لساعات وساعات, غضب وانزعاج شديد إن لَمَس جهازَه أو جوالَه شخصٌ آخر, استخدام حسابات مختلفة وتحت أسماء مختلفة في الموقع الواحد, غضب جانح ومزاج متقلب مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء. * لا تصدق كل ما تقرأ : فكِّر جيدًا في الأمور التي ستقوم بنشرها في حسابك، وهل ستكون راضيًا إن اطلع عليها والداك أو حتى مديرك في عملك المستقبلي؟ تذكر أن أي شيء تضعه سيبقى في تاريخك الشخصي. احتفظ بمعلوماتك الشخصية لنفسك قدر الإمكان مثل: صورك، عنوان إقامتك ورقم هاتفك، واسم مدرستك، وغيرها من الأمور, فهي طريق سهل لوصول اللصوص وأصحاب النوايا السيئة إليك. ليس كل ما يُنشر بالضرورة يكون صحيحًا, فلا تصدق كل ما تقرأ من معلومات خصوصًا إن كانت متعلقة بأشخاص؛ تعرفهم أو لا تعرفهم. لا تطلع أي شخص مهما كان قريبًا منك على رقم المرور لأي حسابٍ لك عدا والديك, وقم بتغييره من حينٍ لآخر. كما أننا لا نحادث الغرباء في واقع حياتنا اليومي, فكذلك الحال أيضًا مع غرباء العالم الافتراضي؛ لا تقبل صداقة مَن لا تعرف, وإن رغبت أن تقابل شخصًا تعرفت عليه عن طريق الإنترنت فلا تفعل ذلك دون إخطار والديك. كل شخص له حسابٌ في أية جهة هو شخصٌ له حرمته, فلا تشارك زميلًا لك في سخريته من زميلٍ آخر, ولا تشارك صورة أحدٍ ما دون علمه, ولا تشجع أصدقاءك في سلوكهم الخاطئ على الشبكة, ولا تدخل في نقاشات أو تعليقات تؤذي مشاعر الغير, وكن مواطنًا "إلكترونيًّا" صالحًا! تذكر أن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي هي جزء من الحياة, وليست الحياة كلها, فلا تصرف وقتك كله وأنت تحدق النظر بالجهاز؛ بل اجعل لك متعة في الحياة اليومية بعيدًا عن عالم الإنترنت.