أستعمل مجسمات وخامات من الطبيعة في لوحاتي أكد الفنان التشكيلي العصامي "محمد بن ديدة" أنه لا ينتمي إلى مدرسة تشكيلية محددة ، فالانتماء حاليا إلى المدارس أصبح موضة قديمة أو تفكير كلاسيكي ،مضيفا أنه ليس على الفنان في وقتنا الحالي أن يكون سرياليا مثلا أو تجريديا،أو واقعيا، بل يمكن أن يمزج كل هذه الفنون و يأخذ من جميع المدارس بدون استثناء، وبالتالي يتميز بأسلوبه الخاص، كما تحدث " بن ديدة " في حوار حصري للجمهورية عن فن " البريكولاج " الذي اختص فيه، وهو لون حديث وعصري غير رائج في مجتمعنا الجزائري – على حد تعبيره- ، وكشف عن سيميائيات و رموز لوحاته التي قدمها حول " الإشعاعات النووية " التي تعد قضية علمية وشائكة تحمل في لبها العديد من الدلالات التاريخية و العلمية وأيضا الفلسفية ،هذا إضافة إلى تصريحات أخرى تتابعونها في الحوار التالي : الجمهورية: في البداية حدثنا عن بدايتك الفنية وكيف ولجت عالم الفن التشكيلي ؟ بن ديدة: في الحقيقة، أنا فنان عصامي بالدرجة الأولى من ولاية تيارت ، عشقت الفن التشكيلي منذ الطفولة وهو ما دفعني لتلقي تكوينا أكاديميا يصقل موهبتي ويبرز قدراتي أكثر، لكن الأهم من ذلك أنني أملك ثقافة علمية ساعدتني أكثر على التميز في عالم الفن الجميل، إضافة إلى هذا فأنا عازف محترف على آلة غيتار، وموسيقي أكاديمي ،إضافة إلى أنني كاتب وروائي، لدي مجموعة من الروايات العلمية التي تندرج في إطار الأدب الخيالي، ستنشر قريبا بالمكتبات الجزائرية. الجمهورية: تخصصت في فن "البريكولاج " أو " الإلصاق" وهو فن فريد من نوعه وربما ليس رائجا بكثرة في مجتمعنا الجزائري ، فهل لك أن تعطينا لمحة بسيطة عن هذا اللون الفني؟ وما سبب اختيارك له بالذات ؟ بن ديدة: بالفعل، فن "البريكولاج " أو" الإلصاق" هو فن مميز وغير معروف بكثرة في بلادنا، فهو أحدث تقنية ربما في المشهد الفني العالمي لاسيما الأوروبي منه، من المعروف عنه أنه أسس له "بابلو بيكاسو"وتميز فيه الكثير من التشكيليين العالميين على غرار "جورج براك"، وعني أنا شخصيا فمنذ صغري أهتم بالقضايا العلمية لاسيما الفيزياء الذرية، بدليل المعرض الأخير الذي قدمته بالصالون الوطني للكتاب الذي احتضنته وهران يوم 13 فيفري الماضي ، وهو معرض تزامن مع تاريخ تفجير القنبلة النووية "اليربوع الأزرق" الذي قامت به فرنسا في صحراء الجزائر، وهي قضية علمية وشائكة تحمل في لبها دلالات تاريخية و علمية وأيضا فلسفية ، حيث تناولت في لوحاتي مدى تأثير الإشعاعات النووية على تركيبات جزيئات ال "دي أن أي " أي " الحمض النووي"، وكيف تؤثر على تكون السرطانات، حتى أنه ظهرت مجموعة من السرطانات الغير معروفة سابقا مثل سرطان العظام، إضافة إلى لوحات أخرى تجسد خلل الجينات في الكائنات الحية، ولا أخفيكم علما أنني اخترت هذه القضية بالذات نظرا لأهميتها، فعندما نرى تفجيرات "هيروشيما " التي إهتم بها الفنانون اليابانيون وحتى العالميون من انجلترا وروسيا ، وجسدوها على لوحاتهم بالرغم أن التفجير لم يتعد أكثر من 20 الكيلو طن من القوة التفجيرية، فلم لا نعطي حيزا كبيرا للتفجيرات التي قامت بها فرنسا في صحراء الجزائر بين التجارب الباطنية والجوية والتي لحقت حتى 400 كيلو طن يعني أضعافا مضاعفة، فالقوة التفجيرية لقنبلة "اليربوع الأزرق" وحدها وصلت إلى 70 كيلو طن،أي ثلاثة أضعافا أو ما يفوق تفجيرات "هيروشيما" . الجمهورية : كل فنان تشكيلي يحاول أن يقدم لمسته الخاصة في أعماله و لوحاته ، فما هو الأسلوب الذي يجعلك مميزا عن غيرك من الفنانين الآخرين ؟ بن ديدة : المميز في أسلوبي الفني الذي أقدمه مقارنة مع أساليب الفنانين الآخرين، هو أن هؤلاء في فن " الإلصاق " يستعملون قصاصات الجرائد،والمجلات والصور، ويلصقونها على اللوحة ، أما أنا فأستعمل مجسمات مختلفة، أقوم بإلصاقها بالإعتماد على تقنية البعد الثالث، كما أنني لا أكتفي باللوحة المجسدة على السطح، بل ألصق أيضا خامات من الطبيعة على غرار العظام الخاصة بالكائنات الحية،الصخور وغيرها ، أحاول فعلا أن أرتقي بهذا الفن الجميل من خلال القضايا العلمية، على غرار الأوروبيين الذين يجسدون قضاياهم من خلال الفن و الأدب،حتى وإن كانت قضايا بسيطة، في حين لازلنا نحن نتكلم نحن الجزائريون عن قضايانا في الدوائر المستديرة،مازلنا نناقش قضية "الإشعاعات النووية " مثلا بنوع من الكلاسيكية والبدائية، على الرغم من أنني لا أنتقد الموائد المستديرة ، لكن يجب الانفتاح على كل أساليب الطرح والتلقي وأيضا أسلوب يحمل بعدا سيميائيا ورمزيا وحتى فكريا .. الجمهورية : ما هي المدرسة التي تنتمي إليها؟ وما هي الألوان التي غالبا ما توظفها في لوحاتك الفنية ؟ بن ديدان : في الحقيقة لا أنتمي إلى مدرسة محددة ، فالانتماء حاليا إلى المدارس أصبح موضة قديمة أو تفكير كلاسيكي ، إذ لا يمكن القول أن الفنان يكون سريالي أو تجريدي،أو واقعي..الخ، لأنه يستطيع أن يمزج كل هذه الفنون لأن الفنان الحديث هو الفنان الذي يأخذ من كل المدارس التشكيلية بدون استثناء، أما الألوان التي أستخدمها في لوحاتي هي ألوان داكنة عموما . الجمهورية: ما هي أهم الصعوبات والعراقيل التي تواجهها في مسيرتك الفنية ؟ بن ديدة: في الحقيقة هناك صعوبات كثيرة تصادفني،لاسيما إذا تعلق الأمر بالمتلقي ، فمجتمعنا ثقافته محدودة نوعا ما، وأنا أجهل السبب، فأنا أفضل ألا يطلب المتأمل شرح اللوحات من الفنان، بل يبحث عن رمزيتها لوحده بهدف الاكتشاف ، فعندما أجسد شيفرة معينة في اللوحات، حبذا لو يقوم هذا الأخير بعملية البحث و الاستكشاف التي من شأنها أن تنمي الذهن، وتخرج المجتمع من الركود الفكري إلى الرقي، وهذا بالتحديد ما نلحظه في أوروبا ودول الشرق والصين واليابان وغيرها، أما العائق الثاني فهو الذي تخلقه الجهات المعنية والمختصة التي أهملت الفنان وتخلت عن مساعدته و الدفع بأعماله نحو النجاح، وهي مصطلحات ربما ألفها الذهن الجزائري،فالفنان التشكيلي إذا لم يفتح له المجال ويتلقى التشجيع يفشل بطبيعة الحال ويبقى منغلقا على نفسه ولوحاته لن ترى النور أبدا.