احتضن قصر المعارض بالمدينة الجديدة بوهران أول أمس ندوة أدبية حول " الرواية الجزائرية "،وذلك في إطار فعاليات المعرض الوطني ال17 للكتاب الذي نظم من طرف النقابة الوطنية لناشري الكتاب تحت الرعاية السامية لمعالي وزير الثقافة ووالي ولاية وهران،الندوة التي نشطها كل من الدكتور" بشير بويجرة "،الأستاذ و الأديب " محمد داود " والكاتب " محمد مفلاح "عالجت الكثير من النقاط المبهمة التي شغلت الفئة المثقفة والقارئ الجزائري على وجه الخصوص،حيث أماط هؤلاء اللثام عن مسارات الرواية الجزائرية وتطورها عبر الزمن،وما محلها من الإعراب في المشهد الروائي العالمي،كما سلطوا الضوء على ميزان النقد فيها وتأثيرها في المجتمع الجزائري. الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية بداية الندوة كانت مع الأديب " محمد داود " الذي تحدث في مداخلته عن " الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية "وذلك من منطلق استراتيجيات الأدباء في التعامل مع الحقول الأدبية،حيث قال إن الأديب فاهم اجتماعي يريد أن يكون له جمهور وشهرة ، والأدب الجزائري في بداياته أي خلال سنوات العشرينيات والثلاثينيات عرف ظهور بعض الأسماء الأدبية على غرار " ولد الشيخ محمد " و" شكري خوجة "،لتبرز خلال سنوات الخمسينيات وبالتحديد بعد أحداث 8 ماي 1945 أسماء روائية أخرى شكلت قطيعة مع الخطاب الاستعماري من بينهم "محمد ديب"،"كاتب ياسين "،"مولود فرعون"،و" مولود معمري "،- مضيفا " محمد داود" – في مداخلته أنه بعد الاستقلال وعلى مستويات عدة تم إبعاد هؤلاء الأدباء الذين يكتبون بالفرنسية وذلك من خلال تهميشهم و تقزيمهم لأسباب سياسية عدة، حيث كانت هناك رغبة واضحة في تعويض الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية إلى الرواية المكتوبة باللغة العربية، لكن هذا لم يتحقق لأسباب موضوعية جمة،وفي سنوات التسعينيات وفي ظل العشرية السوداء – قال الكاتب – إن الكثير من الأدباء اضطروا إلى الهجرة إلى الخارج،مما جعل الكتابة في متناول الجميع بتشجيع ودعم من دور النشر الفرنسية حتى بالنسبة لأولئك الذين لا علاقة لهم بالأدب والكتابة الروائية لاسيما منهم الصحفيين،في حين أن مجلة " ألجيري ليتيراتور أكسيون "ساعدت هي الأخرى على إبراز أسماء كثيرة من بينهم "ياسمينة خضرة "الذي كتب عن الإرهاب في روايته " بما تحمل الذئاب "،لينخرط بعدها في الأحداث الدولية من خلال كتابته عن المناطق التي شهدت العنف و الأحداث الدامية تماما كما في روايته " سنونوات بغداد "،وهو ما ضاعف في نجوميته،رغم أن الشهرة بطبيعة الحال لا تعني تماما أن الكاتب متميز ويكتب بشكل جيد - حسبما أكده " داود " الذي تحدث أيضا في مداخلته عن الأديب الجزائري " بوعلام صنصال "معتبرا إياه من أهم الأسماء الروائية التي حققت نجاحا على الصعيد الدولي،حيث قال إنه يختلف في استراتيجيته تماما عن "ياسمينة خضرة "،فهو الذي كتب أول رواية له "حلف البرابر " التي نشرها في بداية سنة 2000، ونالت شهرة واسعة في تلك الفترة كما أفتكت العديد من الجوائز العالمية،لكن الرواية التي أثارت جدلا كبيرا هي " قرية الألماني " التي أماط فيها اللثام عن تاريخ الثورة وما يحدث في فرنسا أي أنها عالجت الفضاء الجزائري والفرنسي معا،ليختم " محمد داود "حديثه خلال الندوة بنتيجة حتمية تفيد بأن الأدب الجزائري المكتوب بفرنسا له نفس الاستراتيجية للأدباء الذين يكتبون بهذه اللغة ،مهما كانت أجناسهم وانتماءاتهم،فالفرنسية ليست مقتصرة بحت على الجزائريين. أسماء روائية تحت الضوء أما الكاتب " محمد مفلاح " فقد تحدث في مداخلته عن "راهن الرواية الجزائرية مؤكدا أنها نشأت في فضاءات فرنكفونية بحت، ذاكرا بذلك الأسماء المؤثرة التي برزت في تلك الفترة وهم "مولود فرعون "،" كاتب ياسين"، "مولود معمري" ،" مالك حداد "وغيرهم، مضيفا أن هذا الجيل تحدث عن هموم الشعب و نضالاته معتمدين في ذلك على المدرستين التقليدية والكلاسيكية،أما بعد الاستقلال – يقول مفلاح – ظهرت أسماء أخرى مثل " عبد الحميد بن هدوقة"،"رشيد بوجدرة"،و" الطاهر وطار"المعروف بكتاباته الجريئة، إضافة إلى"عبد المالك مرتاض" و"محمد العالي عرعار"،ليبحر بعدها " مفلاح "بالحضور إلى سنوات السبعينيات التي عرفت تألق جيل آخر لا يزال ينتج لحد الساعة منهم " واسيني الأعرج "، "أمين الزاوي"،" الجيلالي خلاص"،"أحلام مستغانمي" ،"عز الدين جلاوجي"،"بشير مفتي "،"فضيلة الفاروق"،و"محمد ساري"وغيرهم،أما سنوات الثمانينات والتسعينيات ظهرت أسماء قدمت أعمالا روائية بطريقة حديثة اعتمدت أكثر في ترويج أعمالها الروائية على الإعلام والتواصل مع الجمهور عن طريق أساليب جديدة في الرواية الجزائرية،ويتعلق الأمر بكل من " سمير قسيمي"،" اسماعيل يبرير"، "جميلة طلباوي"،" زهرة ديب"،"سعيد خطيبي"،و" محمد جعفر"...الخ،وفي ذات السياق قال " مفلاح "في مداخلته إنه في المدة الأخيرة أصبح بعض الروائيون الجزائريون يركزون بشكل كبير على" الجنس" مثل" بوجدرة " الزاوي"،"سمير قسيمي"،في محاولة منهم لكسر الطابوه،ومن أجل تحقيق استراتيجية واضحة لجلب القارئ ولفت انتباهه،وهذا عكس الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية التي تركز أكثر على القضايا العامة مثل الثورة التحريرية والمقاومات. البعد الاستراتيجي المتغافل عنه من جهته تحدث الدكتور" بشير يويجرة " في مداخلته عن " البعد الاستراتيجي المتغافل عنه للنص الروائي"،حيث قال إنه يؤمن بأن هذا النص في حد ذاته متميز عن كل الخطابات ،كونه يحمل بعدا استراتيجيا سواء في مجال الإبداع الروائي أو من خلال التلقي أو رسالة النص،كما طرح فكرة أخرى حول الذات الجزائرية التي تقف موقفا غير مستقيم في مواجهة الأدب،وهو موقف ربما يحمل نوعا من الخوف وعدم الاطمئنان،لذلك ينبغي التجاوب مع النص الإبداعي،مضيفا أنه في جمالياتنا هناك مجموعة من التناقضات حول التاريخ الرسمي للأمة الجزائرية والجانب المخيالي في الجزائر،فلسنا مرتاحين للأدب في حد ذاته لأننا نؤمن بالحقيقة التاريخية مقابل إضعاف الجانب المخيالي في النص الروائي- على حد تعبيره -،كما قال إن الرواية يجب أن تكون موازية للتاريخ،كونها إنتاج سوسيولوجي فكري فني، تعبر عن واقع اجتماعي وأفكار ورؤى،وهذه العناصر ملمة في بناء إستراتيجية النص الروائي،لكن للأسف نحن متغافلون غير مقدرين لأهمية النص الروائي و لإستراتيجيته،وهذا التغافل يمس الكثير من المثقفين الذين لا يهتمون ولا يعتنون بهذه النص –على حد قوله - كما قال " بويجرة " في مداخلته إن النص الروائي هو الخطاب الوحيد الحقيقي المعبر عن السيرورة الاجتماعية في تلقائيتها كما أنه يعبر عن الحوار و إرجاع الأمور كما هي اجتماعيا .