* فرنسا استعملت غازا محظورا وموهت الجريمة بالتفجير * أسرى جزائريون مربوطون لقياس نتائج التجربة البشعة * «سي بوسيف» «سي عثمان» الحاج بن علا والرفقاء مروا من هنا ... «أمزيرية» إسم حيّرنا وبعث فينا فضول البحث ونحن بصدد استطلاع منطقة تفوح بعطر الثورة التحريرية المباركة رائحة البارود ومسك الشهداء. «أمزيرية» هذا الجبل الشامخ بوقار قلعة من قلاع الجهاد ومعقل من معاقل الصمود وعرين استراتيجي لأسود نوفمبر ، لا يمكن بل يستحيل أن يكون أسمه مرادفا «للميزيرية» قلنا في أنفسنا ... فطبيعة الأرض من هنا تعطي الانطباع للزائر بل اليقين أن هذه البقعة المترامية إنما كانت موطن خير وفير قبل أن تطأها أقدام فرنسا وجحافل الأقدام السوداء الهاربة من مجاعة و «ميزيرية» القارة العجوز بأسرها. «آمزير» هو أصل كلمة «أمزيرية» كما علمناه فيما بعد من بعض العجائز العارفات باللغة الأمازيغية ... و«أمزير» إسم نبتة معروفة لدى قبائل الأمازيع بشمال افريقيا نبتة مداوية للأسقام ومسكنة للآلام و «أمزيرية» - ونترك هنا الأمر للمختصين - (وفي تخميننا البسيط المتواضع) إنما عرفت بهذا الإسم لثرائها بمثل هذه النبتة الطبية والكثير من الأعشاب التي كان يستعملها أجدادنا وجداتنا في التداوي والعديد بل أكثرها يحمل تسميات أمازيغية. «أمزيرية» لا يمكن أن تكون إلا إسما أصيلا ! (قلنا في أنفسنا ثانية) وغصنا مرة أخرى في معاجم اللغة العربية فوقعنا على كلمة مَزَرَ وتعني شرب جرعة قليلة من اللبن ثم على كلمة مزَّرَ بمعنى ملأ القربة وكلمة أَمزَر (مفرد) أمازر وهو الرجل الظريف كريم الأصل شديد القلب ... من أخيار الناس وأفاضلهم ... واحدة من اثنتين (استنتجنا دون الخوض في علم الانتروبولوجيا أو الاتنوغرافيا ...) واحدة من اثنتين هي اذن أصل «أمزيرية» أو إن شئنا كلتاهما نبتة طبية طيبة ورجل أصيل... وأما الموقع الجغرافي ل «أمزيرية» فعلى مرمى حجر من الضفة الأخرى (الغربية) لوادي تافنة بضع كيلومترات قبل مصبه بالبحر الأبيض المتوسط على رمال شاطئ «رشڤون» وغير بعيد عن هنين هذا المرفأ القديم أو بالتحديد الاقليمي الحالي على الحدود بين ولايتي عين تموشنت وتلمسان ، بين ولهاصة شرقا وسيدي ورياش غربا بين بني صاف على يمينك والرمشي على يسارك وأما جنوبا فكتلة جبل مديونة جزءا من سلسلة الأطلس التلي وامتداد لجبال عصفور غرب هذه الجزائر هذا البلد الحبيب الثمين يحفظه رب العالمين. في بيت الحاجة فاطنة بوعناني ببني صاف التي تحتفظ بذاكرتها في سن ما بعد الثمانين والتي سيرد ذكرها في موضع موال بهذا الاستطلاع التلقائي بلا مواعيد ولا «رسميات» التقينا بالحاج الحاج اعمر أحمد من أبناء المنطقة من مواليد 1933 يعرف «أمزيرية» شبرا شبرا منذ الصبا ومنذ الشباب والذي عاش نوفمبر 1954 في سن العشرين وانخرط في حرب التحرير وجيش التحرير الوطني من البداية عضو اتصال زاد شوقنا وفضولنا ونحن نتناول القهوة و «المبسس» مع هذا المجاهد وتعجلنا التنقل الى «أمزيرية» لسبر أسرار «الجبل» الذي يحتفظ في صمت بالعديد من الأحداث والوقائع والحقائق التي تحتاج الى المزيد من الاهتمام والتوثيق والتأريخ من قبل المؤرخين فمهمتنا اعلامية صرفة أولا وقبل كل شيء... الحاج اعمر أحمد ومن البداية أسر لنا جازما قاطعا أن «أمزيرية» هي أول مركز قيادي لجيش التحرير الوطني على تراب الولاية الخامسة التاريخية وأن أمزيرية شهدت جريمة حرب بشعة وجريمة ضد الانسانية في حق 7 رجال من خيرة الاستشهاديين أيام الثورة التحريرية... * مدرسة الشهيد الحاج عبد الرحمان نقطة الاشارة استعجلنا صاحبنا ودليلنا الحاج اعمر احمد واستسمحناه بمرافقتنا الى «أمزيرية» التي وصلنا اليها بعد الظهيرة ... على سفح الجبل مدرسة ابتدائية تتوسط مجموعة من الدواوير المترائية من كل الجهات طرقنا الباب ففتح معلم شاب يدعى مسعود عبدالقادر لمّا علم بمرادنا ... ساحة فسيحة تلامذة يمرحون بأمان تحت أنظار معلمتين اخريين وأمامنا مباشرة نصب تذكاري يحمل إسم المدرسة التابعة لدوار سيدي دحمان والتي تحمل اسم الشهيد الحاج عبد الرحمان عبد الرحمان... واقرأوا معنا ما كتب محفورا على النصب التذكاري ... «تمثل هذه الصورة جبل امزيرية الذي يقع في الجهة الشمالية من المدرسة حيث يعتبر أول مركز قيادي للولاية الخامسة التاريخية بقيادة السي بوسيف واسمه الحقيقي بوعرفة محمد برفقة العقيد بن حدو وبوحجر (السي عثمان) - النقيب الزاوي سعيد (السي مرباح) - الملازم الثاني عباس الهواري - الرائد محمد فرطاس - الرائد الحاج بن علا - قاعدة التكوين والتدريب كان يضم أول نواة لجيش التحرير الوطني ويضم جميع أقسام الولاية الخامسة التاريخية السنة 1956». تماما مثلما كان المجاهد الحاج اعمر أحمد يصر عليه منذ بداية اللقاء هو والعديد من المجاهدين حفظهم الله أمثال سي بوزيان بلغراس . وبهذا الموقع التاريخي استرسل دليلنا بالمنطقة الحاج أعمر أحمد يمدنا بما احتفظ به في عمق ذاكرته مرددا اسم السي بوسيف الذي أوفده جيش التحرير الوطني لتنظيم صفوف الثورة بهذه الربوع «رجل حكيم وهادئ قد يكون من منطقة قسنطينة من الشرق الجزائري كان يقول (باهي باهي) وقد تمكن من تكوين الخلايا الأولى بالمنطقة خلايا التجنيد والاتصال والتموين وخلايا الدعم والاسناد» السي بوسيف الذي أسس قبل ذلك هنا المنطقة الثالثة للولاية الخامسة التاريخية رفقة شنوف عبد القادر وسي قويدر بلغراس (بنمري) والطاهر بلغراس (رئيس أول خلية اتصال) وسي مرباح وبن شويرف محمد. وحسب محدثنا ومرافقنا دائما فإن جيش التحرير الوطني والبطل بوعرفة محمد تحديدا إنما وقع اختياره للمنطقة لتضاريسها وموقعها الاستراتيجي الذي يمكن من التحضير للمعارك ولأمانها لأن امزيرية كانت تضم دوارا يتشكل من 10 بطون دوار الغرارسة وفي وسطه مسجد صغير كان يستقطب حفظه القرآن الكريم وطلبة الفقه والسنة النبوية الشريفة .وهي الأطلال التي وقفنا عليها والتقطتها عدسة زميلتنا نادية. الحاج أعمر أحمد ونحن نسير في رحاب أمزيرية حدثنا أيضا عن البطل سي قويدر بلغراس المدعو بنمري بصفته مؤسس خلية الاتصال الأولى وعن مهتمه هو في نقل استشهاديي جيش التحرير عبر الأحواش والكانيات (المخابئ) الثمانية التي كانت منتشرة بالمنطقة المحيطة بمغارة امزيرية الرئيسية والتي كانت تضم أول مركز قيادي لجيش التحرير قبل نقل الى عين يوسف قرب تلمسان في أوج لهيب الحرب مع العدو ... ثم يحبس الحاج أعمر أحمد الدمع لمّا يشرع في الحديث عن ظروف استشهاد والده سي عبد القادر في 1958 حين انفضح سر إحدى الكانيات وأقدمت فرنسا على تحطيمها وتحطيم الاستعمار لبيتهم في اعتداء جبان على دوار أولاد بن حدو انتقاما من الثورة ... يوميات مريرة وعصبية من سنين الجمر والكفاح المسلح ضد الغزاة لا يمكن أن تسعه أوراقنا في عجل ونحن نؤدي مهمتنا الاعلامية في الوصف والاستقصاء تاركين المجال لأهل الاختصاص من الرسميين والمؤرخين... نترك لهم النفي أو التأكيد وكشف سر النصب التذكاري الجاثم داخل المدرسة بل والفصل نهائيا - والحديث كثير اليوم عن كتابة التاريخ - في تحديد أو مركز قيادي لجيش التحرير بالولاية الخامسة التاريخية. * فرنسا فجرت المغارة وطمست آثار الجريمة بالغاز من جرائم فرنسا البشعة ضد الانسانية جرائم حرب جبانة مموهة لما عجزت عن مواجهة الثوار بالسلاح التقليدي ولجأت الى استعمال الأسلحة المحظورة بمقتضى اتفاقيات حظر الأسلحة ذات الدمار الشامل (جنيف 1945)غداة الحرب العالمية الأولى... فرنسا قتلت من بعيد بدون تماس مباشر أحرقت الأبرياء كما في محرقة النڤمارية و أولاد رياح قرب مستغانم مئات الجزائريين بدخان غريب داخل مغارة ودأبت على نفس الأسلوب كلما انقلبت عليها موازين الحرب على الأرض... فرنسا قتلت 7 استشهاديين داخل مغارة أمزيرية بالغاز يقول المجاهد حاج أعمر أحمد شهادة تقشعر لها أبدان كل البشر وكل جزائري موقن بعظمة ونبل وشرف الثورة الجزائرية وشرعيتها وعدالتها في تحرير الأرض المغتصبة منذ الغزو المشؤوم في 1830 ... «في تلك الليلة حاصر العدو المغارة أعلى جبل امزيرية وطوق المنطقة بإمدادات مكثفة من العسكر والعتاد بعد انكشاف أمرها ولجوء الشهداء السبعة اليها»... «أنا العبد الضعيف حضرت استشهاد 7 خاوة من أبطال الثورة وصانعيها بالمنطقة ... الاخوة ال الثلاثة بن سنوسي براهيم - المختار - عمارة - السي أمحمد سيدي عيسى (4) - السي احمد بلبشير (5) - السي أحمد قادة بن عبد الله (6) - الحاج أعمر أعمر (7)» بشجاعة يواصل الحاج أعمر أحمد الكلام قبل أن نلتحق بأعلى الجبل بموقع الجريمة ضد الانسانية «في تلك السنة 1957 تقريبا لأن جيش الاحتلال قبض علي في 1958 ، إلتهبت الثورة بكل الولايات التاريخية كما كان يرد إلينا من قيادة جيش التحرير الوطني وإخواننا المجاهدين وأنتم تعلمون حجم المعارك التاريخية عبر الوطن ... فرنسا قتلت الخاوة السبعة داخل المغارة وأنا شاهد أمام الله والعباد بما رأت عيني في تلك الليلة وأنا أشاهد (لا حول ولا قوة إلا بالله) العدو يقصف من بعيد المغارة بقنابل غازية ويترقب ردة فعل الخاوة من داخلها وقبل الهجوم فرنسا حاصرت الكاف وبعثت بأسير جزائري من اخواننا المجاهدين بالاستسلام وكان صوت الحاج أعمر يرجعه صدى الجبل يقسم بالله وبسب العدو ويتوعده بالانتقام من قبل جيش التحرير الزاحف على المنطقة ب 400 رجل وذلك في إطار الحرب النفسية والبسيكولوجية للتأثير على معنويات العدو من جهة والموت بعزة وبشرف الشهادة من جهة أخرى». تقدمنا سيرا على الأقدام رفقة الحاج أعمر أحمد باتجاه المغارة أعلى «أمزيرية» في جو مهيب لطفه من رحمة الله المناظر الطبيعية والهدوء المخيم على المكان ... «فرنسا قصفت الخاوة بالغاز داخل المغارة ثم عاودت بعث أسير آخر مربوطا بحبل حول القدمين الى فوهة المغارة للتأكد من الجريمة فعاد مغميا عليه وسحبته بالحبل قبل أن تقدم قوات العدو على تفجير المغارة بكمية هائلة من المتفجرات سمع دويها بكل أرجاء المنطقة صخرة عملاقة هوت من فوهة المغارة على انحذار 300 متر تقريبا والصخرة ما تزال قابعة الى اليوم على حافة الدرب الترابي المؤدي الى قمة الجبل تكاد تنطق شاهدة على محاولة العدو طمس آثار الجريمة. فرنسا لجأت الى التفجير من أجل تمويه الدمار الشامل بالغاز لأن الحاج أعمر أحمد هذا الشاهد المفتاح تابع من بعيد برعب الواقعة ... «بعد انسحاب جيش العدو وأسرعت الى أسفال المغارة أجساد الشهداء السبعة كانت مترامية ومنتفخة بشكل غريب أجساد الشهداء كانت عارية فقد تجردوا من ثيابهم داخل المغارة لسد المنافذ تفاديا لتسرب الغاز ولكن ... ثم شرعت في سحبهم واحدا واحدا (الله أكبر) قبل أن يلتحق بي أهل الدوار ودفناهم هناك تحت الكاف مباشرة وبقيت قبورهم بالمكان الى ما بعد الحريّة حيث تم نقل رفاتهم الطاهرة وإعادة دفنهم بداية السبعينيات بمقبرة الشهداء بالحناية من قبل الأسرة الثورية والسلطات المحلية آنذاك». * «بنمري» «سي بوعناني» «الحدبي» وفتيحة برطالي أسماء تحتفظ بها الذاكرة الثورية بالمنطقة التي شهدت ذات يوم من سنة 1956 حلول ضيف كريم أوفدته قيادة جيش التحرير الوطني لتنظيم صفوف الثورة بوعرفة محمد الذي اختار اسم «سي يوسف» تيمنا بالولي الصالح دفين منطقة بني صاف المحاذية... ولقب «السي» الذي كان متداولا بالمنطقة ومازال الى اليوم كان أشبه بالرتبة المميزة رمزا للتقوى والايمان ومرادفا للحكمة والوقار والثقة والأمانة التي مكنت من التهاب نار الثورة وتحقيق النصر المبين واسترداد بقوة السلاح والثبات ما اغتصب بالقوة والعدوان قبل أزيد من قرن ... * سي قويدر بلغراس : واسم الثورة بنمري أحد الذين اختارتهم القيادة العامة لجيش التحرير الوطني لقيادة الناحية الثالثة للولاية الخامسة التاريخية عند البداية مدني مثقف تكفل بأولى عمليات التحسيس والتجنيد رصدت فرنسا فيما بعد 3 ملايين فرنك فرنسي مقابل «رأسه المدبرة» وكتب الله له الحياة بعد الاستقلال ومات معلما عزيزا مكرما بين أهله في سنة 1986. * سي بوعناني عومار «أبَّا حمَد» : قابلناه وتحدثنا اليه ببني صاف واعتدر لنا لتقدمه في السن (85 سنة) بالتقريب وما علمناه منه (يتحدث بهدوء وبتواضع منقطع النظير) أنه كان مدربا لأولى قوافل المجاهدين بالمنطقة على حمل السلاح والقتال وأنه تنقل عبر العديد من مراكز التدريب بالولاية الخامسة التاريخية وأصيب في معركة قرب مدينة المحمدية بولاية معسكر «كنت غي مدرب» قال السي «عومار» عن هذه المهمة العظيمة ثقيلة الموازين ... * «سي الحدبي» : حدثنا عنه المجاهد الحاج أعمر أحمد والشهيد «سي الحدبي» عرف عنه في تلك الفترة التي اشتعلت فيها حرب التحرير على أنه قائد مجموعة الهندسة العسكرية المكلفة بحفر الكانيات رفقة مجموعة من المسبلين وفتح المعابر المؤدية الى المراكز القيادية. * فتيحة برطالي : واصلت الجهاد بعد استشهاد والدها سي برطالي الذي داهمت فرنسا بيته الذي كان يأوي المجاهدين وأحرقته مقيدا بسريره قبل تدمير المنزل ، فتيحة برطالي بشهادة الحاج أعمر أحمد أنها كانت تتكفل بتموين المجاهدين وغامرت يوما بسقي المجاهدين الذين تخندقوا بالمنطقة تحت حصار جيش العدو. * الأرض المحروقة والتهجير ورحلة الحاجة فاطنة ... بعدما انكشف أمر أول مركز لقيادة الولاية الخامسة التاريخية ونقله من قبل قيادة جيش التحرير الوطني الى منطقة عين يوسف أواخر 1956 وبعد الجريمة التي اقترفتها فرنسا في حق الشهداء السبعة شدد وكثف جيش الاحتلال من حصاره على المنطقة حيث أقدمت حجافل الظلم والطغيان بعد سنة من المضايقات والاعتقالات والتعذيب والاغتيالات في حق المدنيين تعقبا لأبطال الثورة في سنة 1957 وانتقاما لخسائر العسكر الفرنسي بلفيفه الأجنبي وأذنابه من الخونة و «البيّاعين» خلال المعارك التي دوت ربوع الجزائر أقدمت على انتهاج سياسة الحرق والتهجير ... «أمزيرية» ولأنها كانت تشكل النواة الأولى والقلب النابض للولاية الخامسة التاريخية رابط أهلها الى أن تم احراق ديارهم وتدميرها والحاجة فاطنة بوعناني من الشهود القلائل ممن كتب لهم الله الحياة الى اليوم روت لنا رحلتها في أكتوبر 1957 بعد تعرض بيتها للمضايقات لما شك العدو في أنها قد تكون زوجة البطل سي قويدر بلغراس (بنمري) لتشابه اسمها مع اسم زوجته لاسيما وأن زوجها كان متواجدا منذ مدة بأحد المستشفيات إثر مرض فقررت الفرار بجلدها وبشرفها وتركت دوار الغرارسة بموطنها «أمزيرية» وسارت على الأقدام تشد أطفالها الخمسة (ولدان و 3 بنات) الى الرمشي عبر الجبال والأحراش الى فدان الزيت ثم الزيتون فحجرة الڤط ولوزين الى أن وصلت الرمشي على بعد 45 كلم في مسار محفوف بالمخاطر ويعج بدوريات وحواجز العدو وعيون الخونة. الحاجة فاطنة بنت بوعناني روت لنا الرحلة بتفاصيلها بشجاعة بثقة وبثبات رغم بلوغها من العمر عتيّا أطال الله في عمرها وهي اليوم تحمد الله وتردد ما قاله البطل سي يوسف وهو يوصي أهل المنطقة بحفظ السر مفتاح النصر «إذا حفظتم سر الثورة ، فرنسا تخرج من أرضنا وأنتم «تعيشو و تشيشو» وتسكنوا العليّات وتسافرو في الطيارات ...« كلام لرفع الهمم وتعبئة الجزائريين وتجنيدهم ... ورحمة الله على شهدائنا الأخيار الأبرار... المجاهد القائد بلغراس عبد القادر المدعو بالنمري ولد بتاريخ 23 أفريل 1923 بولهاصة الغرابة ، إنخرط في صفوف جبهة التحرير الوطني سنة 1954 وقبلها عمل في الحركة السرية تحت اشراف الضابط سي بوسيف مسؤول المنطقة من بن وارسوس - ولهاصة مديونة وسقونة ثم الضابط مرباح ، عين في سنة 20/10/1955 كمرشد سياسي وعسكري بدوار الغرارسة مركز المزيرية كثكنة عسكرية لجيش التحرير الوطني رفقة عباس عثمان ، سي عمر ومرباح من أهم نشطائهم العسكرية تدريب الجنود جمع السلاح وإعطاء الخطط لإفشال كل محاولات الإستعمار وخاض عدة معارك مثل معركة المدادحة المشهورة ، معركة سيدي دحمان ، ولما كشف أمره بسبب النشاطات المكثفة التي كان يقوم بها سار محل بحث لتصفية جسده تزامن ذلك مع تعرضه لمرض عضال ألم بساقه وصل الى خد التعفن مما أدى الى إصدار أوامر تسلسلية من طرف قيادة الناحية الثانية (الولاية الرابعة) بوهران لتحويله الى المغرب لتلقي العلاج في سنة 1959 ثم عاد الى الوطن سنة 1961 لمواصلة نضاله الثوري.