مختص علم الاجتماع الحضري -التحرش مشكلة خطيرة تعمل على تشتيت الأسرة و المجتمع ككل. - تنشئة الفرد ومحيطه والابتعاد عن تعاليم الدين وعوامل أخرى ساهمت في انتشار هذه الظاهرة. حاورته،أورابح،سهيلة
تعد ظاهرة التحرش بجميع أنواعه مشكلة كبيرة على كافة المستويات والأصعدة, حيث انتشرت ببلادنا بمختلف مناطقه فنجدها بالمدن كما في الأرياف ولا تقتصر على فئة معينة من المجتمع،نعم إنها مشكلة بل جريمة مرفوضة دينيا وأخلاقيا كما يعاقب عليها القانون حسب درجاتها وهي الجريمة التي طفت بشكل بارز خلال السنوات الأخيرة,فالتحرش مهما كان شكله،لفظي أو جسدي وجنسي غير أنه في نهاية المطاف يخلف آثارا سلبية ليس على الفرد فحسب بل على المجتمع ككل،ولمعرفة رأي المختصين الاجتماعيين حول هذه الظاهرة حاورنا السيد ماحي محمد عباس أستاذ جامعي بجامعة إيسطو ،تخصص علم الاجتماع الحضري. ما هو رأيك في ظاهرة التحرش بمجتمعنا؟ أولا إن موضوع التحرش شائك وشاسع جدا. وهو فعل ورد فعل إنساني موجود منذ أن خلق الإنسان, رغم أنه يصب في خانة الفعل غير الإنساني والأخلاقي.وفي الحقيقة, أصبح التحرش ظاهرة منتشرة بشكل خطير, رغم وجودها سابقا بمجتمعنا بالنظر إلى تزايدها والإحصائيات المقدمة من طرف المصالح المعنية.حيث لا يقتصر الأمر على تحرش الرجل بالمرأة رغم أنه يبقى الشكل السائد بصفة أكبر, كون مجتمعنا لايزال ذكوريا ,إلى جانب تحرش الكبار بالأطفال والقصر والذي يعد أكثر الأنواع خطرا ووحشية, بعد التحرش بالجنس اللطيف, لكونه يستهدف فئة ساذجة و ضعيفة غير مكتملة عقليا وفزيولوجيا. وغالبا ما يكون بهدف تصفية حسابات أو لأغراض مادية أو إشباع غرائز جنسية . في حين يبقى تحرش النساء بالرجال حالات استثنائية لا يمكن تعميمها رغم ظهورها بشكل لافت مؤخرا. فالتحرش يمكن أن يكون لفظيا من خلال توجيه عبارات أو كلام أو نداءات تقلل من قيمة الشخص الآخر أو ذات إيحاء جنسي,النظر بشكل غير لائق إلى جسم شخص ما،كما نعتبر الملاحقة أو التتبع مشيا أو باستخدام سيارة بشكل متكرر أو لمرة واحدة،أو الانتظار خارج مكان العمل,المنزل وغيرها كلها تعتبر أنواعا مختلفة من التحرش والذي يصل إلى درجة الاغتصاب بوحشية أو متبوع بالاعتداء بالضرب العنيف. و ما هي أسباب انتشار التحرش في الفترة الأخيرة؟ هناك عدة عوامل أدت إلى تزايد هذه الآفة,طبيعة الفرد في مجتمعنا الذي عرف عدة مراحل ما بعد الاستقلال والتمدن ثم العشرية السوداء،إلى جانب التطور الذي جعل العالم قارة واحدة,ساهم بتزايد الضغوطات النفسية التي يعاني منها الشخص والذي غالبا ما يكون مكبوتا وكذا بعض العقليات التي لا تزال سائدة حيث تبيح للرجل كل شيء وتجعله قوة وبالتالي يمارس رجولته من منظوره من خلال التحرش بإحدى أفراد عائلته سواء زوجته,شقيقته,أو حتى ابنته أو صديقة,عاملة معه أو بفتيات لا علاقة لهن به إطلاقا,وهذا بهدف مقابل معين ،فيعطي لنفسه هذا الحق لمجرد أنه تربى على هذه السيطرة السلبية داخل أسرته أساسا،وبالتالي فإن الاضطرابات التي يعاني منها بعض الأشخاص,تولد ضعفا لديهم،ينعكس إما في شكل عدوان على النفس كالإدمان مثلا أو في شكل عدوان آخر وهو التحرش بالآخر . فالتنشئة والقيم التي تلقاها الفرد منذ طفولته وكذا المحيط الذي ترعرع فيه عامل مهم إلى جانب الابتعاد عن الوازع الديني وتعاليم ديننا لكلا الجنسين.كما أن انتشار التبرج بشكل رهيب في مجتمعنا الذي يعاني التحرش خصوصا عندما يقترن اللباس الفاضح بالصوت العالي والحركات والإيحاءات الجنسية لدى بعض النساء, في الوقت ذاته, فإن الكثير من الرجال غير ملتزمين دينيا أو أخلاقيا . فيجد الرجل نفسه أمام الكثير من الفتيات وما ترتدينه من ملابس فاضحه فتثار غريزته وتتحرك شهوته. ولا يمكن أن يكون هذا العامل , السبب الرئيسي, والدليل أن التحرش يمكن أن يحدث لنساء محتشمات وكما يمكن أن يكون المتحرش من أهل الدين وعليه لا يمكن تحديد عامل معين وأساسي في التحرش. إدمان الشباب أيضا على المؤثرات العقلية والمخدرات , و كذا التأثير السلبي لشبكة الانترنت ومواقع التواصل الإجتماعي,إلى جانب بعض الإعلام الفاسد وسوء التربية وانعدام الرقابة الأسرية وكذلك المؤسسة التعليمية التي يبقى دورها غير كاف في المجال التربوي , كلها عوامل ساهمت هي الأخرى بشكل ما في تفاقم هذه الآفة. أسباب اقتصادية أيضا يمكن أن تكون عاملا في زيادة التحرش.فحالة البطالة التي يعيشها الشباب أو حالة الترف التي يعيشها البعض منهم ,تسهاهم بشكل ما في انتشار هذه الظاهرة. ماهي الآثار التي يخلفها التحرش؟ آثار التحرش سلبية طبعا, ولكن تختلف حدتها حسب درجاته وأشكاله.فغالبا ما ينتج عن ذلك تشتت في الأسرة وعدم توازنها بشكل طبيعي.وإصابة الشخص المتحرَّش به بعقد وأزمات نفسية يمكن أن تؤثر عليه مدى الحياة. إلى جانب الآثار الجسدية. فالتحرش اللفظي مثلا رغم قساوته عند بعض الأفراد, لا تكون نتائجه وخيمة كالاغتصاب أو التحرش الجنسي والذي قد يغير مجرى حياة الفرد ككل, فيجعله منعزلا عن المجتمع ويعاني حالة من الإحباط وقد يصبح عدوانيا لاسيما وأن نظرة المجتمع عندنا للمتحرَّش به تكون قاسية أحيانا رغم المعاناة التي يعيشها أصلا خاصة عند المرأة. ما هي الحلول التي يمكنكم اقتراحها للحد من هذه الآفة؟ العمل على تقليص هذه الآفة يكون بجهود مختلف الفئات من السلطات المعنية, وكذا المجتمع المدني والجمعيات والإعلام التي تساهم في التوعية و التحسيس بمدى خطورة التحرش على الفرد وعلى المجتمع ككل.كما يكمن اعتبار العقوبات والإجراءات الردعية للشخص المتحرش غير كافية بالرغم من تطور القوانين في هذا الميدان, إلا أن طبيعة الإنسان تجعله دائما يبحث عن وسائل وطرق بديلة لتحقيق أغراضه المختلفة بأساليب متعددة للتحرش ليصل إلى درجة حماية نفسه من العقوبة. وعليه فلابد بتنسيق العمل للحد من هذه المشكلة.بداية من الأسرة التي تلعب دورا مهما في تقرير المصير السليم للفرد.فتواصل أفراد العائلة لاسيما الوالدين يساهم في تغيير الذهنيات السائدة والتي يجعل الرجل يسيطر بشكل سلبي وعنيف على الطرف الآخر. والمراقبة المستمرة وهنا نقصد الشارع إلى جانب المؤسسة التربوية التي تعمل على ترسيخ قيم الأخلاق لكلا الجنسين. نفس الشيء بالنسبة لفئة الأطفال التي تعتبر كما ذكرنا سابقا الأكثر تضررا لكونها تسقط ضحية ذئاب بشرية لأغراض مادية أو تحقيق غريزة جنسية من قبل أشخاص غير أسوياء في المجتمع. وعليه فإن هذه الفئة تحتاج إلى حماية أكثر من الأولياء وكذا المصالح المعنية الأمنية منها على الخصوص .وفي الأخير مهما تعددت أنواع التحرش واختلفت أهدافه يبقى سلوكا غير أخلاقي وغير مقبول دينيا و إنسانيا, وهذا بالنظر إلى نتائجه الخطيرة التي تؤثر على الفرد وعلى المجتمع ككل مما يفرض محاربة هذه الآفة بكل الطرق.