لمس الجسد والتصفير والمعاكسات الكلامية والنظرة الفاحصة للجسم، تلفظ بألفاظ ذات إيحاء جنسي، والملاحقة والترصد، بالإضافة إلى المعاكسات الهاتفية وعبر الأنترنت، كلها أشكال للتحرش الممارس من طرف الرجال وأحيانا النساء، من أصحاب المسؤولية والسلطة، ضد نساء عازبات كنّ أو متزوجات أو مطلقات أو أرامل. هذه السلوكات كثيرا ما تتكرر في مواقع العمل، إذ يعتبر المدير أو الشخص المسؤول، أن كل النساء اللائي يعملن لديه أو معه "حريمه وجواريه". في هذا الإطار، نظمت "الخبر" ندوة استضافت ناشطات في ميدان حماية حقوق المرأة، وجهت خلالها الدعوة إلى إدراج مواد رادعة جديدة في قانون العقوبات لحماية العاملات من التحرش وضمان حقوقهن. التشريعات المجرّمة للتحرش غير كافية فراغ قانوني تدفع ثمنه المرأة لا أحد ينكر انتشار الكثير من سلوكات التحرش الجنسي بالعاملات في أماكن العمل والتلاميذ بالمؤسسات التعليمية وبسائقات السيارات على الطرقات، رغم ما تخلفه هذه التصرفات من آثار سلبية عميقة ومخيفة على نفسية ضحاياها الذين أصبحوا يخافون على أنفسهم وعلى فلذات أكبادهم. لكن ما سر تزايد هذا الانحلال الخلقي الذي مسّ شرائح عريضة من مجتمعنا؟ طالبت السيدة سمية صالحي، رئيسة اللجنة الوطنية للنساء العاملات ورئيسة جمعية ”تحرر المرأة”، بضرورة توسيع المادة 341 مكرر التي تجرّم التحرش الجنسي لتشمل التحرش النفسي وهو أقسى صيغ التحرش، إذ من شأنه أن يؤدي بالضحية إلى الانهيار العصبي والإصابة بأمراض أخرى، كما طالبت بضرورة حماية الشهود وإعطاء ضمانات لمن يجرؤ على التبليغ عن الحالات. من جانبها، قالت المحامية مونية مسلم إنهم كانوا حريصين على رفع شكاوى للقضاء لحالات تعرضت فيها نسوة لتحرش جنسي في مجال العمل ”رغم علمنا بعدم وجود قانون يجرّم الفعل. كانت أول قضية رافعنا فيها في 2001 تخص طالبة من البليدة، تحرش بها أستاذها الجامعي، حيث رفعنا القضية على أساس اعتداء وفي إطار وضع المجرم أمام صورته”. في السياق ذاته، أوضحت صالحي قائلة بأن إصدار تلك المادة كان بمثابة ثورة، كونها كسرت إجماعا اجتماعيا كان يحوم حول هذه القضية المسكوت عنها. وعن الفئات النسوية المتحرش بهن أكدت صالحي أن كلهن معنيات، بدءا من المرأة الإطار إلى عاملة النظافة دون استثناء والمتزوجة التي التحقت بالمطلقة والأرملة اللتين تعتبران ”مباحتان”، كما أن كل الفئات العمرية مستهدفة ”حتى أن بعض العجائز لم يسلمن!”. انهيارات عصبية وأمراض جلدية وتحدثت المشاركات في الندوة عن الآثار التي يتركها التحرش، إذ أشارت صالحي إلى تسجيل حالات كثيرة لنسوة وقعن ضحايا لتلك المساومات، وتعرضن إضافة إلى ذلك إلى ضغوط كبيرة و«تحرش نفسي” رهيب بل وبلغ الأمر حد إصابتهن بانهيارات عصبية، إلى جانب ظهور بعض الأمراض عندهن مثل فقدان الشهية العصبي وداء الصدفية المزمن. وفي هذا الصدد، دعت المتحدثة إلى ضرورة قيام المشرع الجزائري بالاجتهاد من أجل توسيع المادة 341 مكرر من قانون العقوبات التي تجرّم التحرش، حتى يصبح الأمر كفيلا بتوسيع نطاق إثبات وقوع التحرش. كما طالبت صالحي بحماية الشهود لأنهم قد يتعرضون لضغوط، مشيرة إلى أن اللجنة الوطنية للنساء العاملات راسلت وزير العدل تطالبه فيها بضرورة حماية الشاهد وتوسيع أدلة الإثبات. عقود العمل وسيلة للمساومة ولا يتوقف الأمر عند العاملات المثبتات في العمل، حيث يمتد، حسب المشاركات في الندوة، إلى الفتيات اللواتي يضعن أقدامهن لأول مرة في سوق العمل، بواسطة عقود ما قبل التشغيل، فكثيرة هي الحالات التي تتحدث عن نفسها، وتذهب ضحيتها خريجات حديثا من الجامعة، إذ منهن من يرضخن للضغوط والابتزاز مقابل منصب العمل ولو بأجر زهيد، ومنهن من يفضلن العودة إلى المنزل والمكوث فيه تفاديا للانضمام إلى قائمة الضحايا. ”دنيا” طلّقت الخوف وفجّرت القضية أمام العدالة اختلطت مشاعر الحزن بالفرح عند هذه السيدة التي سنسميها ”دنيا”، لتدلي بشهادتها في ندوة ”الخبر” حول تعرضها للتحرش الجنسي من قبل مسؤولها في مؤسسة عمومية كبيرة. كانت دنيا تبكي تارة وتبتسم تارة أخرى، وهي تعيد سرد تفاصيل ما حدث لها مع مسؤول بلغ من الكبر عتيا، حيث كان يقول لها أشياء تخدش الحياء ويتحرش بها دون مراعاة لكرامتها ولمشاعرها، خاصة أنها امرأة متزوجة وأم لأطفال وزوجها زميلها في العمل. تقول دنيا التي بدت متأثرة جدا: ”لم يخطر ببالي يوما أن أجد نفسي أمام العدالة، وفي قضية تحرش جنسي، فقد تحملت مسؤولية ما سينجر عن ذلك لأن هذا النوع من الجرائم يتطلب الإثبات”. وفي تفاصيل ما تعرضت له قالت: ”مسؤولي تحرش بي وبزميلاتي منذ ثلاث سنوات، وكانت هناك محاولات من المدير العام لحل المشكل داخل المؤسسة، ولكن دون جدوى. وفي آخر لقاء لنا مع المدير العام، قررت وزميلة لي رفع شكوى ضده أمام العدالة، خاصة بعد أن تضامن معنا بعض الزميلات والزملاء الذين كانوا شهودا استندت إليهم المحكمة لإدانة المتحرش بستة أشهر حبسا غير نافذ”. وبحكم أن دنيا سيدة متزوجة، كان يمكن أن يخلق لها ما تعرضت له مشاكل مع شريك حياتها، إلا أنه ساندها ووقف إلى جانبها ”لحد الآن لم أتحدث مع زوجي حول تعرضي للتحرش الجنسي، ولم يكن على علم بالشكوى التي رفعتها إلا عندما اقترب موعد جلسة المحاكمة، وجدت صعوبة في إخباره بالأمر في البداية، خاصة أنه زميلي في العمل، غير أنه تقبل الأمر”، تقول وهي تكفكف دموعها. وتشير دنيا إلى أن الكثير من زميلاتها طردن من المؤسسة من قبل المدير العام الذي كان يتحرش بهن، وقد تمكّن من ذلك كونهن مرتبطات بعقود عمل مع المؤسسة. وفي ردها على سؤال حول ما إذا كانت معاقبة الفاعل قد أراحتها، ردت مبتسمة: ”المهم أن جميع من كانوا يساندون المدير أو ”المتحرش”، أدركوا جيدا أنني وزميلتي فعلا ضحايا ولم نجاريه في فعلته”. دنيا وبعد ما حدث لها، أصبحت تعاني نفسيا وجسديا، حيث قالت إنها فقدت الشهية والكثير من وزنها، لكن رفعها لشكوى، كما قالت، من شأنه أن يعطي الشجاعة للواتي يعانيين من الظاهرة للجوء إلى العدالة. وبالنسبة إليها، فقد تعرضت لعقوبة معنوية ومادية، فهي تلتحق بمقر عملها لكن دون ممارسة أي نشاط، رغم وعود المدير العام بتسوية وضعيتها. محافظ الشرطة بن معوش غنية ست نساء ضحايا منذ بداية 2013 كشفت محافظ الشرطة بمكتب حماية الطفولة وجنوح الأحداث، بن معوش غنية، خلال الندوة، أن المديرية العامة للأمن الوطني أحصت 2082 امرأة راحت ضحية مختلف أشكال العنف منذ بداية السنة، 6 حالات تتعلق بالتحرش الجنسي على المستوى الوطني، بينما سجلت العام الماضي تعرض 43 امرأة للتحرش الجنسي، من بين 8748 امرأة ضحية عنف. وقالت بن معوش إن الأرقام تبقى بعيدة عن الواقع، لأن الكثير من النساء لا يبلّغن عن هذه الممارسات لخجلهن ولخوفهن من المتابعات القضائية، خاصة أن أدلة الإثبات في هذا النوع من الجرائم تقع على عاتق الضحية، وقد تكون أدلة ضعيفة. كما أن الكثير من النساء اللواتي يودعن شكاوى، يتنازلن عنها في آخر المطاف، بسبب الضغوط التي يمارسها عليهن رب العمل أو العائلة. ودعت ممثلة المديرية العامة للأمن الوطني إلى أن تكون هناك حماية أكثر للمرأة الجزائرية، كما أشارت، في نفس السياق، إلى الحملات التحسيسية والمحاضرات التي تنظمها الشرطة في الجامعات حول العنف ضد المرأة، مع الحرص على تكوين إطارات من العنصر النسوي ليكن في استقبال النساء ضحايا التحرش الجنسي في مقرات الشرطة عبر الوطن. النفسانية سميرة فكراش ضحية التحرش متهمة في نظر المجتمع أكدت مديرة مركز البحوث والتطبيقات النفسانية والأمينة الوطنية بالمرصد الجزائري للمرأة، سميرة فكراش، أن المتحرش جنسيا يكون في الغالب يعاني من اضطراب نفسي، وهو شخص مُجرد من صفة الإنسانية والقيم الاجتماعية، كما أنه يسلك هذا السلوك ليغطي على عقد موجودة في داخله ويبحث كيف ينتقم من الآخر. والمتحرش، تضيف المختصة النفسانية، غالبا ما يكون متزوجا وأبا لأسرة وله مكانة في المجتمع، أما في حال ما إذا اكتشف أمره، فهو يمارس سلطته على الضحية من خلال حرمانها من الراتب أو فسخ عقد العمل. وعن المعاناة النفسية للمتحرش بها، أردفت محدثتنا قائلة: ”إن معاناتها تكون كبيرة، فهي تصبح جانية عوض ضحية، بسبب نظرة المجتمع إليها، حيث يلومها لأنها خرجت للعمل، وهو ما يجعلها تفقد الثقة وتحتقر نفسها”. ويضاف إلى كل هذه المعاناة النفسية، تعرضها لأمراض مزمنة، على غرار ارتفاع الضغط الدموي، السكري، اضطرابات المعدة، إضافة إلى الصداع، وقد تتطور حالتها إلى الاكتئاب والخوف من الأماكن المغلقة والواسعة. وأمام هذه الوضعية، تقول المختصة إنه يجب على العائلة والمختص النفساني والزملاء في العمل أن يساعدوها على استعادة الثقة، وعلى العدالة أن تنصفها بمعاقبة الفاعل. القانونية مونية مسلم سي عامر إثبات جرائم التحرش أكبر عائق يعد إثبات جرائم التحرش الجنسي أصعب عائق أمام الضحية، بسبب عقلية المجتمع الجزائري الذي يرمي باللوم في الغالب على المتحرش بها، في ظل الفراغ القانوني الذي يميّز قانون العقوبات وبالضبط المادة 341 مكرر، حسب ما جاء في مداخلة المحامية مونية مسلم سي عامر التي طالبت بتعديلها وتوسيعها لتكون أريح للضحايا. وأبرزت المحامية أن الفاعل يبحث دائما عن الانفراد بالضحية حتى لا يترك أي أثر وراءه. وكانت أول قضية جرت تفاصيلها سنة 2001، تتعلق بطالبة جامعية تحرش بها أستاذها في جامعة البليدة، ورغم أنه لم يكن هناك نص قانوني يجرم التحرش الجنسي آنذاك، إلا أنه تم رفع شكوى أمام القضاء. وتتراوح عقوبة المتحرش بين شهرين إلى عام حبسا نافذا. رئيسة الجمعة الوطنية ”نساء في شدة” حتى الرجال يتعرضون للتحرش قالت رئيسة الجمعية الوطنية ل”نساء في شدة”، السيدة بلعلى مريم، إن ظاهرة التحرش الجنسي لا تقتصر على النساء فقط، بل هناك رجال يتحرش بهم في مقرات العمل، وهي حالات نادرة جدا. وروت بلعلى بهذا الخصوص قصة مهندس كان يعمل في مؤسسة تديرها سيدة كانت تتحرش به، واضطر إلى تقديم استقالته بسبب ذلك. من جانب آخر، كشفت بلعلى أن مركز الإصغاء الخاص بالجمعية الكائن مقره بالعاصمة، يستقبل الكثير من الحالات للنساء ضحايا التحرش، وهي الظاهرة التي لا يترك وراءها الفاعل أي أثر مما يصعب إثباتها أمام العدالة، وتصبح الضحية مذنبة لأن رب العمل قد يفضحها، وهو حال موظفة كانت تعمل بمؤسسة بترولية في الجنوب، تحرش بها مسؤولها وطلب منها التزام الصمت لأن وقوع القضية تزامن مع الاعتداء الإرهابي بتيڤنتورين، فبعد أن لجأت إلى العدالة فقدت عملها وسمعتها، ثم استنجدت بالجمعية التي راسلت بدورها جميع الجهات بما في ذلك الشركة الأم بالجزائر، غير أن الموظفة تم تحويلها إلى شركة أجنبية أخرى، هذه الأخيرة حاولت أن تعرف سبب التحويل، قبل أن تؤسس لها نقيب للمحامين للدفاع عنها، لكن القضية لم تأخذ مجراها القضائي لأن الضحية لا تملك إلا تصريحاتها وليس لديها أي دليل أو شاهد، كما أن كل زميل تطلب منه أن يقف إلى جانبها يرفض، بحجة أنه قد يفقد منصب عمله بسبب ذلك.