قضية فلسطين هي من أمَّهاتِ القضايا التي سكنتْ قلوبَ الغالبيةِ الساحقة من الجزائريين نسائِهم و رجالِهم على حدٍّ سواء منذ عقود، فلم يكن من الصدفة أن يَترُكَ الوليُّ الصالح و المجاهد سيدي بومدين شعيب بن الحسن الأندلسي التلمساني يده ، و قد بُترت في إحدى المعارك ضد الصليبيين لِتُدْفَنَ على مشارفِ القدس ، و يعودَ حيًا ليموت في أرض الجزائر حيث يوجد ضريحه الآن بتلمسان . و منذ النكبة عام 1948 و فلسطين تعيش في وجدان الجزائريين من جديد كجرحٍ ينزف باستمرار ، نجدهُ في تصريحات المسئولين و السياسيين و في خطاباتهم ، و نقرأهُ شعرًا و نثرًا في الأشعار و الروايات والملاحم الشعبية، و في المقالات الصحفية و الكتابات التاريخية، و نقرأهُ في الإبداعات المختلفة ، و نسمعه غناءً و موسيقىَ و نراه لوحات زيتية ،بل و نحسُّه في تأوُّهاتِ المواطن العادي الذي يقول لك كلما أحس بالوجع و الجرح الفلسطيني النازف فيه داخليا : آه لو كانت فلسطين متاخمة لبلدنا أو قريبةً منَّا. كثيرات هن بناتنا اللائي حمَلن اسم فلسطين، و كثيرٌ هم رجالنا من عشِق فلسطين كلٌ بطريقته الخاصة. واسيني الأعرج هذا الصديق اللطيف و الروائي الجزائري الأندلسي المنحدر من بلدة بوجنان بولاية تلمسان ، و هذا العاشق للحرف الجميل و الإبداع و المنحاز لفنِ الرواية على حساب أعلى المناصب التي تكون قد عرضت عليه ، هو واحدٌ من أبرز عُشّاقِ فلسطين ، بل هو عاشقُ فلسطين المتميز . كتب رواية سوناتا الأشباح عن فلسطين ، و فيها البطلة مي الرسامة الفلسطينية و فيها ابنها العازف البارع . و كتب عن فلسطين و عن العالم العربي عموما روايته الضخمة " رماد الشرق " التي خصص جزءً منها لفلسطين و للنكبة و لمعاناة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات ، و في رواية " سيدة المقام " كان بطلها طبيب من فلسطين . كما أن روايته الأخيرة الموسومة ب 2084 حكاية العربي الأخير، هي رسم تخيلي مفزع فيه الكثير من الإبداع لما سيكون عليه حال العرب في 2084، من خلال البطل آدم الذي يكون آخر إنسان عربي في الكون، و آخر عالم ذرة يعمل في أمريكا ، و يتم اختطافه و هو يضع أرجله في مطار باريس حيث يختفي للأبد، و باختطافه يندثر الجنس العربي و يختفي من على خارطة الأرض ، كما أن الرواية تتطرق للقضية الفلسطينية باعتبارها محورا رئيسيا لمختلف قضايا العرب و لمآسيهم . و لم يكتف واسيني بالكتابة عن فلسطين فقط ، كما يتاجر بها البعض الذين اتخذوا منها سجلا تجاريا و سياسيا للربح ،و لكن المبدع واسيني الأعرج خصص الريع المالي للعديد من أعماله الروائية للقضية الفلسطينية و من بينها روايات : سيرة المنتهى .. مملكة الفراشة .. 2084 حكاية العربي الأخير.. فقد وضع واسيني الدخل المالي لهذه الأعمال في صندوق دعم الحركة الأدبية داخل سجون الاحتلال ، و من خلال عائدات هذه الروايات و من بينها رواية " مملكة الفراشة " التي أعيد طبعها 15 مرة، تم التكفل بنشرِ أعمالِ و سِيَّر ثمانية كُتَّاب فلسطينيين يَقْبعون في سجون المحتل الصهيوني. في اللقاء الذي ضم الكاتب في متحف الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش العام الماضي برام الله صرح الدكتور واسيني أمام الحضور بقوله: إننا نفعل كل ما نستطيع من خلال وسيلتنا الوحيدة و هي الكتابة، ذلك أننا لا نملك الدبابات و لا الطائرات، و لكننا نمتلك الحرف و القلم الذي عليه أن ينطق الحقيقة، مؤكدا بأن ما قام به عندما أهدى ريع مبيعات بعض أعماله و منها سيرة المنتهى هي جانب رمزي فقط لنبين لهؤلاء الناس و المناضلين و الأسرى الفلسطينيين بأنهم ليسوا وحيدين ، فهل من العيب أن يقبل هذا المبدع أو غيره نشر و ترجمة بعض رواياته إلى لغات أخرى ليتقوقع فقط في لغته الأم . ؟. لقد كثر الافتراء على الكبار من بعض صغار النفوس و من قبل الساعين للإثارة و من الحاقدين على الإبداع الحقيقي الذي يتبنى أنبل القضايا الإنسانية العادلة ومن بينها قضية فلسطين ، كثر الافتراء من الفاشلين الذين لا تباع لهم إلا نسخات معدودات من مجرد طبعة واحدة من كتاب واحد وحيد ، فما بالكم بترجمته إلى لغات أخرى . لقد كان العرب عربا أقحاحا صحاحا عندما ترجموا من مختلف اللغات، و إلى مختلف اللغات الحية في العصور الذهبية للحضارة العربية الإسلامية ، ترجموا من اليونانية و الفارسية و ترجموا إليها و لم يقولوا إن الآخرين كانوا أعداء لنا' فلا يجب أن نترجم من لغاتهم و إلى لغاتهم . العدو الحقيقي هو التخلف و هو الأفكار المتطرفة المتزمتة بما فيها أفكار الصهاينة مغتصبي الأرض الفلسطينية الذين ينشرون بمختلف اللغات و يستخدمون كل الوسائل للنيل من القضية الفلسطينية و من قضايا العرب جميعا. لقد ترجم العرب قديما أمهات الكتب و المؤلفات و أخذوا منها العلوم و المعارف.. كانوا يأخذون بحديث النبي العربي ، وهو الأمي المبعوث رحمةً للعالمين عندما دعا المسلمين إلى تعلُّم لغات الغير ليأْتَمِنُوا شرهم ، و حَثَّهم على تعلُّم و أخذ العلم و المعارف و لو من الصين البعيدة و ذات اللغة الصعبة . لذلك فإنني أقول للدكتور واسيني الأعرج عاشق فلسطين و المتعبد في محراب الحرف و الإبداع مثلما قلته له في صفحتي على الفيسبوك .. يا صديقي الرائع: أكتب..ثم اكتب و دعهم يُخَربِشُون..أليست مهمتهم هي حبُّ الظهور و الخربشة و لو بالإساءة للكبار ؟.. هم فعلا هم لا يظهرون إلا في الظلام، لأن الضوء و النور يعمي أبصارهم التي لا ترى إلا في الظلام الدامس.. و هؤلاء للأسف هم ظلام القرن الواحد و العشرين !! أما أنت و أمثالك فأنتم نور هذا القرن بما تكتبون من جميل الحرف و قمة الإبداع.