بعد عشرية الدم والدموع والهاجش الذي خلفته تلك الفترة لدى نفوس العديد من الجزائريين وحالة الانطواء على الذات حيث لم يعد يرغب الواحد منا في كثرة التنقلات وقصد إعادة حبل المودة مابين أبناء الشعب الواحد وتمكينهم من التعارف فيما بينهم والتعرف على عادات وتقاليد كل جهة من مناطق الوطن الشاسعة جاءت فكرة إنشاء الاسابيع الثقافية مابين الولايات وتزامن تطبيقها مع فعاليات الجزائر عاصمة الثقافة العربية في سنة 2007 فكانت كل ولاية تقدم أسبوعها الثقافي بالعاصمة كمشاركة في العرس العربي وتواصلت هذه الاستعراضات بعد ذلك لتشمل جميع الولايات في شكل زيارات متبادلة وتم إنشاء هيئة خاصة تتكفل بتجسيد هذه التبادلات الثقافية سميت بمحافظة مهرجان الفنون والثقافات الشعبية له ممثل في كل ولاية وبدأت القوافل تجوب الولايات ضمن برنامج سنوي مسطر وعوض أن يتنقل المواطن إلى أماكن بعيدة قربت هذه الاسابيع الثقافية المسافات واختزلت الزمن ليتمكن هذا الاخير من الاطلاع ومعرفة ما تزخر به مناطق بعيدة في بلادنا من كنوز وموروث تاريخي وفني ومن إبداع متنوع فأصبح الوهراني يتعرف على الخنشلي والأدراري على عادات وتقاليد أهل تلمسان... الخ أسابيع دولية وأخرى محلية؟ تجربة الاسابيع الثقافية مابين الولايات سبقتها تجربة رائدة والمتعلقة بإقامة الأسابيع الثقافية الجزائرية في العديد من الدول الشقيقة والصديقة للتعريف بالتاريخ الجزائري وبمكونات ومقدمات شعبنا ونمط حياته الاجتماعية عادات وتقاليد أهلنا زخم فني وثراء إبداعي يبرز صورة جزائر المعجزات ومن هذه الاسابيع المقامة في العديد من الدول نذكر تنظيم الاسبوع الثقافي الجزائري في تونس وفي إيران، في قطر وفي المملكة العربية السعودية كما تقدم بلادنا ومن حين إلى آخر باستقبال بعثات أجنبية في شكل وفود ثقافية حيث احتضنت الاسابيع الثقافية بكل من دول الصين، السعودية، تونس، ليبيا، الكويت وكذلك تنظيم تظاهرة السنة الجزائرية بفرنسا الخ هذه التبادلات مكنت الشعوب المختلفة من التبادل والتواصل في مابينها ونقلت ثقافات سكان هذه الدول وولدت حركية جديدة وزرعت التعارف وشجعت على إقامة جسر للتبادل الثقافي المستمر وكذلك قدمت صور إيجابية عن بلادنا ومحت تلك الاحكام المسبقة وبددت الشكوك الكثيرة حول خطر زيارة الجزائر وبفضلها عادت الحركة السياحية الاجنبية الى مدننا الجنوبية بصفة خاصة. الباهية تعانق الأهڤار أقامت محافظة المهرجان المحلي للفنون والثقافات الشعبية بوهران سبعة عشر تبادلا في ما بينها وبين الولايات المختلفة واحتضنت العديد من هذه الولايات وتنقلت إلى جهات مختلفة ومن أهم هذه التظاهرات إقامة الأسبوع الثقافي لولاية وهران بتمنراست بعد رحلة برية عبر حافلات خاصة نقلت وفدا متنوعا متكونا من حوالي مائة فنان وبعد أكثر من 24 ساعة من السفر وقطعهم أكثر من ألفين وخمس مائة كلم برا وصلت القافلة الى عاصمة الأهڤار وفي 20 فبراير من السنة الجارية تم افتتاح فعاليات الأسبوع الثقافي بعد التحاق السيدة ربيعة موساوي محافظة المهرجان ومديرة الثقافة لولاية وهران وبحضور السلطات المحلية لولاية تمنراست وجمهور غفير جاء لاكتشاف الباهية وهران من خلال مختلف المعارض المقامة والاستمتاع بالاغنية الوهرانية بمختلف طبوعها فكانت الفرجة والمتعة، فرق القرقابو جابت مختلف شوارع تمنراست وصور لسيدي الهواري والطحطاحة وقصر الباي عرضت في أروقة دار الثقافة ولوحات متنوعة لعرس تقليدي وهراني وأكلات شعبية أبهرت الحاضرين وكذلك جناح للألبسة التقليدية وآخر للوحات التشكيلية التي تعبر عن رؤية فناني وهران إلى مدينتهم وترسم عشقهم الخرافي لها. بالاضافة الى الجناح الخاص بمسرح وهران وجلسة متميزة في خيمة »شڤراني« شاي وكعك وحلويات من الباهية. وفي الفترة المسائية أحيت الفرقة الموسيقية تحت قيادة الأستاذ باي بكاي ونخبة من فناني وهران من المحترفين والهواة حفل فني كبير حيث تألقت الفنانة حورية بابا والفنان سيد احمد ڤوطاي بإعادته لروائع الراحل أحمد وهبي. ومعهما قدم كل من الفنانين الشابين كسكاس الهواري ودوحه مختار باقة من ألبوماتهما الفنية كما تخلل الحفل فواصل شعرية من إلقاء الشاعر حسان فاطمي واخرى للفكاهة وتنوعت الأنشطة بين الطرب والمسرح حيث تم عرض مسرحية »التمثال الحي« وكذلك الإنشاد الديني حيث أتحفت فرقة روابي وهران جمهور تمنراست بأناشيد متنوعة صفق لها الحاضرون كثيرا وتم نقل فعاليات هذه التظاهرة عبر أمواج إذاعة الاهقار الجهوية أسبوع من النشاط والمرح وبعد جولة سياحية الى جبال الأهڤار ومعالم تمنراست الأثرية عادت القافلة الى الباهية رغم طول المسافة والتعب والإرهاق الا أن حلاوة الرحلة والمغامرة جعلت الجميع يتحدث عن إكتشافه لمنطقة جميلة ببلادنا ظلت الى أمد قريب معزولة ثقافيا. الطارف، تيبازة وسعيدة في وهران إستقبلت وهران العديد من الوفود القادمة من ولايات مختلفة وكان آخرها وفد الذي مثل تيبازة في أسبوعها الثقافي بالباهية في الفترة ما بين 22 و26 نوفمبر المنصرم حيث قدمت محافظة مهرجان تيبازة للفنون والثقافات الشعبية برنامج ثري شمل العروض الفنية، غناء عصري من تقديم الجمعية الثقافية الهلالية لمدينة فوكة وحفل أندلسي وشعبي مع جمعية البشطارزية لمدينة القليعة وفواصل شعرية مع الأستاذ عبد العزيز عبياني وفي المعارض تم فتح أجنحة للفنون التشكيلية والصناعات التقليدية الخزف والفخار، الطرز والخياطة معرض البيت التقليدي ومسرحيات للأطفال بعنوان تاج الفنون واخرى للكبار تحت عنوان »زعيم النش« ومحاضرة حول مدينة شرشال واخرى حول التراث الثقافي والمادي واللامادي للمنطقة. كما قامت ولاية سعيدة في فترة سابقة بإقامة أسبوعها الثقافي المميز وبعدها ولاية الطارف التي قدمت بوفد كبير ومتنوع وقدمت عروضا فنية إستقطبت عدد كبير من سكان الباهية كل هذه الوفود الزائرة لوهران وقبل مغادرتها للولاية تقوم بزيارة سياحية لإكتشاف معالم الباهية وتاريخها ولأخذ الصور التذكارية في كل من سيدي الهواري، ساحة أول نوفمبر، سانتا كروز وغيرها من المناطق الجميلة التي تزخر بها عاصمة الغرب الجزائري. دعوة مفتوحة للجماهير رغم كل الإمكانيات التي توفرها السلطات الوصية والإهتمام الكبير لدى القائمين على هذه التظاهرات والفرحة التي لا توصف للمشاركين في هذه القوافل الثقافية الا أن ما يمكن ملاحظته وفي شتى الولايات هو الإقبال المتوسط للمواطنين للإستمتاع بهذه اللوحات الجميلة والنادرة أحيانا وماعدا حفلي الافتتاح والإختتام هناك أنشطة عديدة تبرمج ولا تحظى بالعدد المرغوب من المشاهدين. إن الأسابيع الثقافية فكرة رائدة وعلى المسؤولين والقائمين عليها عدم نسيان الجانب الإعلامي والتواصلي وأن تركز محافظات هذه المهرجانات على الدور الكبير للإعلام بمختلف أنواعه وخاصة الجواري منه كالمحطات الاذاعية المحلية والجرائد الجوارية وأن تعمل على استقطاب أكبر عدد من المواطنين وأن لا تقتصر إقامة المعارض والحفلات على عواصمالولايات دون غيرها من الدوائر والبلديات الأسابيع الثقافية فرصة للإستمتاع والفرجة وهذه دعوة مفتوحة للجماهير لإستغلال إقامة هذه التظاهرات للتقرب أكبر من أماكن تنظيمها والتعرف عن قرب عن موروثنا التاريخي والفني والثقافي والجزائر كبيرة بشعبها وجميلة بمناظرها الخلابة وتقوية بتنوع وثراء ثقافاتها وعادات تقاليد أهلها في مختلف المناطق.