يشغل حاليا وباء أنفلونزا الخنازير الرأي العام الجزائري تماما مثل الرأي العام العالمي، خاصة وأن حالات المرض في ازدياد، والناس في ترقب عما يمكن أن يحصل في فترة العودة الى المدارس والجامعات، ودخول فصلي الخريف والشتاء، لكن الملاحظ حسب ذوي الاختصاص، ان كثيرا من الناس لا يعون حقيقة ما تعنيه الوقاية من المرض من اهمية، ولا يأخذون تدابير الوقاية بجدية كافية تمنع عنهم المرض، هذا ما وصلنا إليه كنتيجة في استطلاع للرأي بالوسط الشعبي والطبي بمجتمعنا. اتضح ل"المساء" خلال جولة استطلاعية في الشارع الجزائري، أن الكثيرين يتابعون باهتمام الأخبار المتعلقة بفيروس أنفلونزا الخنازير، وأنهم يعيشون حالة ترقب خشية أن يصلهم الفيروس الذي أصاب العشرات من الجزائريين منذ الصائفة الماضية.. كما تسبب في وفاة المئات عبر المعمورة. وأظهرت أجوبة مستجوبينا تسرب الخوف إلى نفوس البعض الآخر، خاصة وأن منهم من يعتقد أن الأمر يتعلق بمرض غير قابل للعلاج.
علم مسبق بالوباء وانعدام الأخذ بالأسباب لم نجد صعوبة كبيرة في جس نبض الشارع الجزائري حول فيروس انفلونزا الخنازير، بحيث ابدى المستجوبون اطلاعا مسبقا بالمرض وكيفية انتقاله وطرق الوقاية منه، غير أن المعرفة هذه لم تجعل الكثيرين منهم يحتاط أو يأخذ بالاسباب حتى لا يصاب، بل سيطرت لدى البعض منهم فكرة "كل شيء مكتوب من عند ربي" او فكرة مشابهة "مكاتيب الله" او "الساتر ربي". أحد المواطنين قال انه على علم بوباء انفلونزا الخنازير، هذا الذي ارعب العالم بداية الصيف الماضي، ولكنه يرى نفسه بعيدا كل البعد عنه، وأضاف يقول لم نصادف منذ الإعلان عن ظهور اول حالة مصابة بالداء في الجزائر، أية اعلانات تحسيسية تُعلم المواطنين بالوباء وكيفية الوقاية منه، كل ما اعرفه عن الوباء استقيته من الفضائيات او من الجرائد المحلية". من جهة اخرى، يشير مواطن آخر، الى انعدام الثقافة الصحية بمجتمعنا وطغيان ثقافة "تخطي راسي"، وهو ما لمسه في محيطه حول فيروس "أتش1أن 1". واضاف أن الخوف من الامراض مشروع، ولكن تقابل ذلك التخوف رغبة كبيرة في التعرف على المرض وكيفية تفاديه بالوقاية، وذلك الذي لم يلمسه المتحدث لدى الجزائريين بداية بنفسه، حيث يقول » نحن الجزائريون نستصغر دائما من شأن الكثير من الاشياء ومثالنا هنا، وباء انفلونزا الخنازير، الذي يهدد العالم بكارثة صحية كما تتداوله قنوات الإعلام المختلفة ولكننا نلاحظ يوميا استهتار الناس بموضوع النظافة وتفادي التجمعات البشرية، واذا مرض احدهم يردد كلمة "كاتبة" أي هذا مقدر من عند الله، لذلك فإننا نزيد احيانا الطين بلة، يكفي فقط إلقاء نظرة على طرق الوقاية من المرض لنعرف أن النظافة الشخصية اهم عامل لإنقاص خطر العدوى، وهو بالذات ما يتجاهله الكثيرون«. كذلك كانت إجابة مواطن آخر تدور حول محور النظافة، اذ كشف لنا انه لا يخاف اطلاقا من عدوى انفلونزا الخنازير لانه يحافظ على النظافة التي هي اساس ديننا الحنيف. ورغم أن اجوبة محدثينا اظهرت أن الجزائريين على علم مسبق بوباء أنفلونزا الخنازير، إلا أن تعاملهم مع المعلومات حول الوباء متفاوتة، فبالرغم من أن طرق انتقال عدوى فيروس "أش1ان1" تشبه الأنفلونزا العادية، الا أن بعض المواطنين وصل بهم الامر الى الإحجام عن التبرع بالدم او حتى اجراء تحاليل دم.
تخوف لدى السلك شبه الطبي تقول عاملة بشبه الطبي بأحد مستشفيات العاصمة، انها اعلنت حالة الطوارئ منذ الإعلان عن اول حالة اصابة بالفيروس "اتش1ان1" في الجزائر، واشارت الى أن عملها المباشر مع المرضى وبمخبر تحاليل الدم يجعلها عرضة لاحتمال الاصابة بالعدوى. وتؤكد انها تحمل معها كمامة وتتحاشى الاقتراب من أي مريض او زميل مصاب بزكام، كما انها قللت كثيرا من تنقلاتها بين المصالح الطبية بالمستشفى. وهذا صيدلي يعمل بالقرب من أحد مستشفيات العاصمة سالناه في الموضوع، فقال: "طبعا اخاف من الوباء فالداخل الى المستشفى والخارج منه يقصدني واحتمال الإصابة بالعدوى مضاعف في هذه الحال. وبالرغم من اننا نلقح انفسنا من الانفلونزا الموسمية الا أن خطر الاصابة يبقى قائما". كذلك اظهر ممرض آخر تخوفه من خطر الإصابة بالعدوى، ويرى أن تسجيل حالة اصابة واحدة بأكبر مستشفيات العاصمة يعني احتمال اصابة الالاف. » المواطن عندنا تنقصه الثقافة الصحية الصحيحة، فالمصاب مثلا بمرض معد من حقه الحصول على العلاج في منزله دون التنقل شخصيا او قصد مقر عمله وامكانية نقل العدوى إلى الآخرين، لذلك فإننا نتخوف من خطر اصابة واحدة بالفيروس حتى ينتشر كالبرق في كامل المستشفى«. اما اخصائي في امراض الانف الاذن والحنجرة، فلم يبد أي تخوف من عدوى الفيروس حتى مع ازدياد حالات العدوى بالجزائر، اذ قال لنا أن "الامر يتعلق بتهويل اعلامي لا غير، فالإعلام هو من أحدث التأويلات، صحيح أن هناك وباء يهدد الناس بالعدوى ولكن تبقى الوقاية دائما خير علاج، وما يتطلب التلقيح هي الانفلونزا الموسمية، ما عدا ذلك فإن التأويلات ستجعل المواطنين يحجمون عن تلقي العلاجات، وهذا ما يجعلنا امام مخاطر صحية اخرى نحن في غنى عنها«.
صعوبة نقل العينات إلى مركز المراقبة كشف الدكتور فوزي درار، رئيس المخبر الوطني لمراقبة الأنفلونزا، ل "المساء"، أن الجزائر مستعدة لمواجهة المرحلة الأولى من انتشار أنفلونزا الخنازير، حيث قامت بتكوين خلية أزمة وسطرت مخططا وطنيا تسلمه كل المديرين الولائيين، كما تم وضع لجان مراقبة في المطارات والموانئ، بالإضافة إلى اختيار مستشفيات نموذجية. وأبدى تخوّفه من انتشار داء أنفلونزا الخنازير في الجزائر خلال فصل الخريف الجاري، بسبب تنقل الجزائريين إلى بلدان أخرى في فصل الصيف لقضاء العطلة، مما يمكن أن يجعلهم في احتكاك مع مصابين من دول أخرى. وقال أن تأخر وصول مرض أنفلونزا الخنازير إلى الجزائر مرده أن الجزائريين قليلو التنقل إلى البلدان الأخرى، خاصة تلك التي ظهر فيها المرض بقوة. وعن المشاكل التي تواجه المخبر الوطني للمراقبة، قال أن أكبر عائق هو صعوبة نقل العينات من مختلف أنحاء الوطن نحو معهد باستور لإجراء التحاليل والتعرف على المرض بسرعة، خاصة في ظل غياب أطباء ومخابر في عدد من ولايات الوطن. وفيما يخص اللقاح الخاص بالأنفلونزا العادية، فإن الجزائر دأبت على استيراد حوالي مليوني جرعة سنويا، غير أنها هذه المرة قلصت طلبها إلى حوالي 1 مليون و550 ألف جرعة، بسبب انشغال معظم المخابر بصنع اللقاح الخاص بفيروس "أش1 أن1"، واكدت الدكتورة سامية عمراني رئيسة برنامج مكافحة انتشار أنفلونزا الخنازير على مستوى الوزارة، أنه تم مضاعفة عدد المراكز المرجعية الى 110، إضافة الى وضع أكثر من 30 مركز مراقبة في عدة ولايات، تتمثل مهمتها الأساسية في كشف حالات جديدة من الإصابة بأنفلونزا الخنازير وارسال عينات منها الى معهد باستور بالعاصمة بغرض فحصها. وأشارت الى أن مكافحة انتشار الفيروس بالجزائر قد دخل مرحلته الثانية مع حلول فصل الخريف وبعده فصل الشتاء الذي يشهد انتشارا واسعا للزكام العادي، وصدور تحذيرات من المنظمة العالمية للصحة بضرورة الرفع من اجراءات الحيطة مخافة انتشار أنفلونزا الخنازير في هذا الموسم بالذات لتوفر الظروف المناخية المناسبة لذلك.
الحالة الوبائية في الجزائر ما تزال مستقرة وقال الدكتور اسماعيل مصباح من لجنة متابعة انتشار وباء انفلونزا الخنازير على مستوى المركز المرجعي الهادي فليسي (القطار)، في دردشة مع "المساء"، ان الحالة الوبائية في الجزائر تبقى لحد الساعة مستقرة ولكن هذا لا يعني انها قد تبقى كذلك وانما هناك امكانية تحولها الى حالة وبائية في أية لحظة، خاصة في الموسم الخريفي الشتوي، وكذا الدخول المدرسي والجامعي. وأشار المتحدث الى ان كل الحالات المسجلة في الجزائر مستوردة، اذ كلها لمسافرين دخلوا ارض الوطن وهم يحملون الفيروس، مع الاشارة الى ان كل الحالات التي تم احصاؤها الى غاية اليوم والتي بلغت 48 حالة قد خضعت للاستشفاء لمدة 7 ايام بالمراكز المرجعية، فيما تراوحت نسبة علاج الحالات المصابة خارج الاستشفاء بين 2 و10 ? من عدد الحالات. ولفت الدكتور مصباح الى خصوصية فيروس "أتش1ان1 "، ولخصها في الانتشار السريع للعدوى، خاصة في التجمعات البشرية كالمدارس والجامعات والاحياء الشعبية. مركزا على جانب الوقاية التي تعتبر هنا اهم لقاح مضاد للإصابة بالفيروس، بل اعتبرها بمثابة الحصن المنيع ضد الفيروس. وتعتبر الإصابة بأنفلونزا الخنازير اول وباء في القرن الواحد والعشرين ذي خصوصية، من منطلق انها جاءت خارج الموسم المعروف للإصابة بالانفلونزا رغم ذلك عرفت تطورا سريعا عبر العالم في الثلاثة اشهر الاولى للإصابة وخلفت ضحايا بالآلاف. وظهرت اول حالة في الجزائر في 20 جوان 2009 وبقي انتشار الوباء في الوطن ضئيلا ولكن التخوف يبقى في اوجه مع دخول موسم الانفلونزا العادية في الخريف والشتاء من كل عام. وهنا تظهر الحاجة الى اللقاح ضد الانفلونزا العادية » الذي له دواعيه وإيجابياته على الصحة العمومية، وكلما حمينا أنفسنا من هذه الانفلونزا ربحنا الوقاية من انفلونزات اخرى بمعنى الوقاية من منابع عدوى اخرى« يقول الدكتور مصباح. مضيفا انه ولحد الآن تم التوصل إلى عدة لقاحات ضد انفلونزا الخنازير، فبالولايات المتحدةالامريكية تم اكتشاف 4 لقاحات وهناك 2 في اوروبا وغيرها من دول العالم » وهي في الاصل كلها لقاحات ضد الانفلونزا الموسمية تم تطويرها، ولا ندري هل ستستمر عدوى "الخنازير" لسنة او لسنتين او ربما اكثر«.