يوم من أيام مارس الجميلة. أشتهي دائما عندما أنتهي من الكتابة أو من دروس الجامعة، أن أمشي في شوارع وهران. أشتهي هذا الشهر الذي يحمل معه أشهى قصص الحب. كنت مكلفا من طرف رئيس التحرير في جريدة الجمهورية بتغطية محاضرتي الدكتور عبد المالك مرتاض والحبيب السائح الأولى، في مقر الحزب، بوسط وهران. الحبيب كان جديدا على الجامعة وسعيدا بهذا الحدث. في الصباح الباكر، قبل النزول إلى الجامعة مررت على الجريدة واتفقت مع قسم التحرير على التغطية حتى لا تعطى لغيري. فكلفني رئيس التحرير بهذه المهمة. ونزلت إلى الجامعة. هناك طلبت مني الصديقة زينب (زوجتي اليوم) والصديقة وشريكتي في قسم اللغة العربية، خديجة، أن تنزلا معي إلى أمسيتي الحبيب السائح والدكتور عبد الملك مرتاض. وضعت أمامهما عناصر المشكلة. النشاط ليلي وستضطران إلى العودة إلى حي السانية الجامعي ليلا. ولا توجد باصات النقل في تلك الساعة. بدا الحزن واضحا على عيونهما، لكن لا حل. فقد بدأتا عيدهما، 8 مارس بشكل غير موفق. في حدود السادسة كنت داخل قاعة الحزب، في الطابق الثاني من البناية الجميلة والتي لايشم فيها إلا رائحة الكراسي والجلد والبلاستيك، أنتظر وصول صديقي محمد براندو الذي سيصبح لاحقا صحفيا محترفا في جريدة الجمهورية. كان الجو هادئا. الحضور لم يكن كثيفا ولكنه مقبول بالتوازي مع وقت النشاط. كنت داخل القاعة. بدأ السائح بشكر الدكتور عبد المالك مرتاض، أستاذنا في الأدب الشعبي، ثم قدم تجربته ومحاولاته القصصية الأولى وعلاقة ذلك بحياته ومسارات العائلة ووالده على وجه التحديد. وقبل ان يبدأ قراءة إحدى قصصه، وكنت قد انهمكت في آخذ كل الملاحظات الخاصة بالأمسية، التفت ورائي، وإذا بي أرى في نهاية القاعة، براندو برفقة زينب وخديجة، يستمعون بسكينة وحب إلى محاضرة السائح. نسيت المحاضرة وبدأت أفكر في العودة؟ مسؤولية كبيرة في الليل مع امرأتين في عالم كان يخيف كلما غربت الشمس. لا سيارات ولا باصات في الساعت الأولى من الليل. مع نهاية المحاضرة يكون كل شيء قد توقف. توجهت نحو براندو، بطيبته وابتسامته الطفولية المعتادة: ماذا فعلت يا محمد؟ هل تدرك حجم الخطر؟ أجاب بشيء من اللامبالاة. نرافقهما مشيا على الأقدام. اليوم يومهن وأحببن أن يحضرن شيئا يحسسهن بأن هذا اليوم لا يشبه بقية الأيام الأخرى. كنا قد خططنا أن نبيت أنا وبراندو في بيتهم في غامبيطا لأن حافلة الخط 7 بلاص دارم-الكميل تكون أيضا قد توقفت مع خروجنا من المحاضرة. أدركت بسرعة أنه كان علينا أن نتدبر الأمر. وهو ما حدث بالفعل. كان خط حافلة بلاص دارم-بولانجي في آخر رحلة له. ركبناها وكنا وحيدين. ثم نزلنا في حي بولانجي ومن هناك واصلنا السير على الأقدام. حوالي ثلاثة كيلومترات بين السكنات والأمكنة الخالية حتى وصلنا إلى السانية. من هناك بدا كل شيء خال كما في بدء الخليقة. عندما خرجنا من المدينة بقليل جاء شاب باتجاهي. كنت بالكاد أراه. وكان براندو يسبقني بقليل برفقة زينب. طلب مني كبريتا لإشعال سيجارته. قلت له لحظة. لا أدخن. فهمت قصده بسرعة. ناديت براندو ليتوقف. قلت له الشاب يريد أن يشعل سيجارة. أعطاه الكبريت. أشعل السيجارة. قلت لخديجة الحقي بزينب. الحي لم يعد بعيدا. هذا الشاب لم يعجبني. بينما وقفت بجانب براندو. وكان قد تجمع من حولنا ما لا يقل عن عشرة شبان. قال أحدهم أن إحدى البنتين شتمته. حاولنا أن نقنعه بأنه كان على خطأ. لكنه ظل مصرا ويريد أن ينتقم منها. كنت أيامها قد حصلت على الحزام البرتقالي في الكاراتي. وبدأت أرى في ذهني معركة لكنها في كل الأحوال لن تنتهي كما أفلام بروس لي. ستنتهي بقتلنا مهما كانت ضرباتنا موجهة وقاسية بالخصوص إذا ظل المعتدون موحدين. وكان يجب تخويفهم. نزعت حزامي الخشن ولوبته على يدي، محتفظا لقفله الحديدي حرا. كان وسيلتي الدفاعية وسلاحي. قلت لأحدهم الذي أصر على الانتقام أنه لن يمر نحو البنتين إلا على جثتي، بينما ظل براندو يعقلهم. قبل أن يصرخ: هذا اعتداء وتريدون الحرب إذن سنفتحها. ما حاببنش تحشمو. تعرفو دجانغو. حبيبي ودرت لاغريسيوو (الاعتداء) في غامبيطا وفي كل وهران. بصح هو رجل، عمره ولا اعتدى على امرأة؟ فجأة كأنه نطق بالكلمة السر. دجانغو. سأله أحدهم هل تعرفه شخصيا. وبدأ براندو يوصفه بما في ذلك ضربة السكين التي ختمت وجهه إلى الأبد. قبل أن يختم: دجانغو هو أخي الصغير. أمر الشاب المجموعة بالتراجع وانه أخطأ فينا. في تلك اللحظة جربت نحو زبنب وخديجة. وجدتهما مع شاب. كنت سأضربه وأمارس كل ما تعلمته في الفنون القتالية. واحد سهل. لم يكن مخيفا. وقبل أن استعمل حزامي ذي الرأس الحديدية الثقيلة. وقفت خديجة بيني وبينه. قالت في الوقت الذي كنتما تصدان المجموعة، رافقنا هو وحمانا من شابين كانا يريدان الاعتداء علينا، هربا نحو الحقول عندما رأياك قادما. قال الشاب أنا أشتغل في مطعم الجامعة. ورأيت البنتين سابقا في المطعم ولم أسمع منهما إلا الخير. عندما سمعت الشباب يدبرون حيلة الاعتداء ركضت لأطمئن البنتين وصممت أن أرافقهما حتى الحي الجامعي بسلام. شكرته واعتذرت منه على صراخي في وجهه. وصلنا إلى الحي الجامعي منهكين بينما لم تتوقف خديجة وزينب عن البكاء. عندما صعدت كل واحدة إلى غرفتها، غادرنا الحي الجامعي بعد أن تأكدنا نهائيا من سلامتهما وعدنا إلى السانية نبحث عن المعتدين بجنون. منطق غريب لكن هذا ما حدث. أحسينا بالحڤرة. وكأن حياتنا لم تكن تهم إلا قليلا. ألغينا فكرة الذهاب إلى غامبيطا. وتوففنا في الحي الجامعي لانسيب ENSEP الملتصق بالسانية، براندو كانت له غرفة جامعية هناك. سحبنا السخان. حضرنا شايا. دخنا سيجارتين بصمت. فقد كنا نرتعش من الداخل. نظرت إلى براندو طويلا، ثم قلت له: يا المهبوووول كدنا تفقد أبهى صديقتين ونحن معهما. نظر إلى كأس الشاي الساخن ثم إليّ، ثم انفجرنا ضحكا: عاااااش 8 مارس. عاااااش دجانغوووووو. ليس مزحة. محمد براندو الله يرحمه ويوسع عليه، كان حقيقة الأخ الأكبر لدجانغو لاغريسور.