العودة إلى تاريخ جريدة، هو بالضرورة عودة إلى الجهد الاستثنائي الذي خزنته جريدة ما، في رحلتها الشاقة والصعبة، جهد يتأسس على تضحيات غير مرئية لمجموعة من الأسماء لم تبق اليوم إلا أصداءها والقليل ممن يعرفها، يمر صباحا على الكشك، ويأخذ جريدته في حركة آلية غير مدرك لهذا الماضي الثقيل الذي تتبطنه الجريدة. هناك حركة متماوجة شهدتها الجمهورية عبر السنوات منذ تأسيسها، كما كل الجرائد، تخطتها بشجاعة قبل أن تصل إلينا. بعد الاستقلال مباشرة، بالضبط في شهر نوفمبر 1963 خسرت الجريدة شخصية إعلامية في مديرها الأول جميل بن ديمراد الذي تم تحويله إلى العاصمة لترأس جريدة الشعب " Le peuple " بساحة موريس أودان ، إذ كانت أكبر جريدة وطنية في حاجة إلى شخصية إعلامية فاعلة لتحريكها وتطويرها نحو حرفية حقيقية، ووُضِع في مكانه، على رأس الجمهورية السيد عثمان عبد الحق، الذي عُرفَ بجديته، وصرامته أيضا، وارتباطه الكبير بمدينة وهران التي شكلت بالنسبة له المدينةالجزائرية المرجع، الأمر الذي قاده لاحقا إلى دهاليز البلدية ليصبح منتخبا فيها ولم يكن الأمر غريبا ، فقد درج الأمر بوصفه حالة عادية. حدث الشيء نفسه مع مدير ليكو دوران" " Pierre Laffont الذي كان نائبا أيضا في سنة 1958. هذه القرابة الاجتماعية جعلت الجمهورية أكثر إصغاء لمعضلات المواطن الاجتماعية، بحرفية سمحت للجريدة بأن تحتل موقعا إعلاميا مرموقا في الجزائر، جعلها واحدة من أهم الجرائد الوطنية الناطقة باللغة الفرنسية التي كانت لغة الإطارات وقتها وسلك الإدارة والتعليم، الأكثر إقبالا على الجريدة من حيث المقروئية، كان من نتائج ذلك، إصدار عدد يوم 31 أكتوبر 1964 بإخراج متطوّر، وتوزيع متنوع للصفحات والأخبار. وأكثر تهوية أيضا. نتج عن ذلك، رفع السحب ليحاذي ال 70 ألف نسخة يوميّا، فأصبحت الجريدة أكثر انفتاحا واتساعا وأيضا ترسخا في الوضع السياسي الوطني بمناسبة الذكرى الخامسة للتصحيح الثوري (انقلاب وزير الدفاع وقتها الهواري بومدين ضد أول رئيس للجزائر المستقلة(، وهي تسمية الانقلابات العربية بما في ذلك انقلاب الضباط الأحرار؟ في فترة جمال عبد الناصر في مصر. أصدرت الجمهورية، بالألوان، لأول مرة في تاريخها، يوم 19 جوان 1970 عددها المميز لتثبيت هذا اليوم في الذاكرة،. تمّ هذا المنبر، من الناحية التقنية على الأقل، بالإستعانة بمطبعة الجيش الوطني الشعبي التي كانت تملك الوسائل، وانطلاقا من هذا التاريخ عادت الجريدة إلى الحجم الكبير، وكتبت شعارها بالأزرق الذي رافقها حتى اليوم تعبيرا عن الطبيعة البحرية والمتوسطية لوهران بالخصوص بعد تولّي السيد رزوق بشير الذي كان رئيس تحرير سابق، إدارة المؤسسة في نهاية السبعينات. اختار بدوره عملية التدرج الإيجابي لجعل الجريدة صوتا حيا ومميزا، معتمدا في ذلك على الخبرات التقنية والتكوينية العالمية بالخصوص في الجانب الإخراجي، فاستحدث قسما للإخراج، وتكفّل مختصون من البرازيل وكوبا وشيلي بوضع تصاميم حديثة للجريدة ونقل التجربة الإعلامية من بلدان أمريكا اللاّتينية إلى الجزائر، وتكوين مخرجين بالجريدة تمكنوا بسرعة من تطوير الشكل بإدخال قواعد مرنة منها تغيير البنط في كتابة العناوين الرئيسية، واختيار الصور الملائمة وتوسيع حجمها أو تصغيره بحسب الحاجة الصحفية، والتحكّم في مساحات الصفحة، الأمر الذي جعل الجريدة تحتل المرتبة الأولى وطنيا في مجال الإخراج وحتى في المادة الإعلامية الوطنية المختارة التي اتسمت بالشجاعة النقدية لأول مرة، بالخصوص اختيار الجزائر لسياسة التصنيع، على حساب الزراعة، التي لم تكن دائما صائبة، وجعلت من الثورة الزراعية قوقعة فارغة، ارتبطت الجريدة بكل هذه التحولات وبالآلية الاجتماعية والسياسية في كافة تلوناتها، مما جعلها جريدة شعبية بامتياز، فانعكس ذلك إيجابا على رواج الصحيفة، فكانت هذه الفترة فعلا من أفضل المراحل التي مرت بها "لاريبوبليك" حتى تربّعت على عرش الصحف الوطنية وحققت مداخيل هامة من المبيعات وخدمات السحب وعائدات الإشهار التي أصبحت مهمة لضمان حياة أية جريدة من الجرائد والتقليل من الاعتماد الكلي على خزينة الدولة ماليا. وقد أشاد يومها، وزير الثقافة والإعلام، السيد الصديق بن يحيى، معتبرا إياها جريدة المجتمع الجزائري الجديد والناهض وصوت مثقفيه وطبقاته العمالية والفلاحية الفقيرة، الجمهورية كانت بعملها الميداني تستجيب لسلسلة كبيرة من الحاجيات، ومن المفيد أيضا أن نقول أن الجمهورية كغيرها من الجرائر الوطنية كانت تتلون بتحولات المجتمع وقناعات وزير الإعلام الذي كان يترك آثاره الإيديولوجية على الجريدة سواء في فترة حاج حمو محمد أو الصديق بن يحيى أو طالب الإبراهيمي أو غيرهم. فقد تأرجحت الجمهورية بين السياسي والاجتماعي والثقافي بمنظور وطني عام أو اشتراكي أو ديني أيضا،وفي خضم التغيرات والرغبة الكبيرة لتطوير وسائل الإعلام، والخلافات السياسية أيضا على هرم الدولة، تم تعيين، في نهاية مارس 1974، السيد السايح الهواري، مديرا جديدا للمؤسسة وذلك في مهمّة خاصّة للإستفادة من خبرته في تنظيم الشؤون الإدارية باعتباره إطارا ساميا بوزارة الثقافة والإعلام وشغل بها منصب الأمين العام لعدة سنوات. في مدّة وجيزة، تمّ إصلاح وترقية العمل الإداري بما يتلاءم وطبيعة المؤسسة والمصاعب التي كانت تواجهها البلاد وقتها إذ وجدت نفسها في تجاذبات الحرب الباردة والخيارات الوطنية، مما انعكس سلبا على المؤسسة الإعلامية إذ أصبحت تابعة للمؤسسة السياسية وإمكانات المناورة الحرة، ضاقت. فكانت الرقابة واحدة من أهم سلبيات تلك الحقبة لكن ذلك لم يمنع الصحفيين في أن يكونوا حاضرين بنضالاتهم وجهودهم وقدراتهم على التآلف مع الأوضاع وإيجاد السبل التعبيرية الممكنة. وكان واحدا من الموضوعات الحيوية والخطيرة في الجريدة هو تعريب الجمهورية. لكن تلك مسألة أخرى في حياة الجريدة أكثر تعقيدا وصعوبة تحتاج إلى وقفة موضوعية.