أقدمت أكثر من 400 عائلة بالبلديات والمناطق النائية بولاية البيض على النزوح إلى دائرة بوقطب، هربا من الفقر والحرمان والنسيان والجفاف الذي طالها وهجّرها من مناطقها بحثا عن حياة أفضل، خيم مصنوعة من الصّوف وأخرى من البلاستيك، أصبحت على شكل محتشدات، حطّ أصحابها الرحل بمدخل عاصمة الدائرة بوقطب وعلى بعد كيلوم ترين من المحيط العمراني، مما شوّه مخرج المدينة في إتجاه عاصمة الولاية البيض. لا دخل ولا مال فلم نجد ما نسدد به، رمقنا في البلديات التي كنا نقطن بها والتي تعد مسقط رأسنا لأن الجفاف والتصحر وغلاء المواد العلفية عوامل أتت على قطعان الماشية التي نملكها فلم نجد سوى الهجرة نحو بلدية بوقطب لعلّنا نحظى بفرص استرزاق جديدة، بحكم الخصوصية الرعوية لهذه المنطقة الشاسعة، كانت هذه عبارات مشحونة بالحسرة تقاطعت فيها أحاديث المواطنين الذين تنقلت إليهم »الجمهورية« في المحتدشات التي يقيمون بها على بعد كيلومترين شرق بدية بوقطب بمحاذاة الطريق الوطني رقم 6 في إتجاه مقر الولاية. خيم وحظائر حديدية تنامت كالفطريات بهذه الجهة، أصحابها مواطنون قدموا بكل ما يملكون من البلديات المجاورة: الرقاصة، الشقيق، توسمولين، بعدما ضاقت بهم سبل العيش في هذه المناطق المعزولة فلم يجدوا كما قالوا سوى الهجرة لتأمين اللقمة لأطفالهم رغم المشاكل والصعوبات التي تلاحقهم والمتاعب والإنشغالات من الماء الى الإنارة إلى ظروف تمدرس أطفالهم وحتى الصحة خاصة في مثل هذه الأيام، حيث البرودة والثلوج وأحيانا الزوابع الرملية التي لايمكن وصفها عند إحتياجها للمنطقة، وهنا يجب تصورّ حالة هؤلاء على الصورة التي يكونون عليها في هذه اللحظات التي قد تدوم يوما أحيانا إن لم نقل أياما متتالية، وصولا إلى نشاطهم الذي ينحصر في التربية الحيوانية مقابل أجرة زهيدة لا تتجاوز في أحسن الحالات ال 6000 دج شهريا والأدهى من ذلك أن الراتب الشهري يحدد بعدد الرؤوس من الماشية، لكن رغم قلّتها، كما يقولون إلاّ أنها أفضل بكثير من الوضعية التي كانوا يعيشونها في البلديات التي هاجروها والتي لايغري البقاء فيها بأي مستقبل قد يمسح مظاهر البؤس والشقاء التي ترسم معالمها في كل شيء ما من شأنه إمتصاص الأفواج المتدفقة على سوق الشغل، وبالرغم من هذا كله إلاّ أن هؤلاء يمتازون بالكرم وحسن الضيافة وهذا ما لمسناه أثناء تنقلنا بينهم فكلّما اقتربت من أحد منهم إلاّ وعرض عليك الوجبة الغذائية أو الشاي وبكلمات (مرحبا وألف مرحبة هيّا للخيمة« وآخر شيء وقفنا عليه شرب الشاي وطبق من الرفيس الوجبة التي تشتهر بصنعها تلك العائلات. * ظاهرة فرضت وجودها هذا ولم يتردد منتخبوون بالمجلس البلدي لوبقطب في وصف هذا النزوح الفوضوي بالظاهرة التي فرضت وجودها بشكل لافت للإنتباه ومنذ مدة زمنية طويلة ما أستدعى للتفكير الجدي في وضعية أصحابها الذين سيتم ترحيلهم إلى سكنات ريفية بالقرب من قرية سيد الحاج بحوص التي ستتدعم بهياكل ومرافق جديدة تخصّ متطلبات التسمين إلى جانب وجود المدرسة وقاعة العلاج ووسائل النقل المتنوعة. كلها متطلبات تضمن استقرار هؤلاء النازحين الذين يتجاوز عددهم ال 400 عائلة يبقى أن نشير أنه سبق للسلطات الولائية أن اقترحت عليهم بناء سكنات ريفية لهم بالبلديات التي هاجروها إلاّ أنهم رفضوا ذلك وفي سياق متصل أكد رئيس البلدية أن المجلس وفر النقل المدرسي لأطفال هذه العائلات التي سيتم التكفل بها قريبا. إلا أن الواقع عكس ذلك فالأطفال يذهبون إلى المدارس مشيا على الأقدام أما السكنات الريفية كما قيل لقد سبق وأن وعد بها مسؤولون سابقون مروا بهذه البلدية. الزرايب أو المحتشدات كما يسميها سكان مدينة بوقطب أجمع الكثير ممن إلتقينا بهم وحاورناهم بعين المكان على أنها ظاهرة تسيء للمدينة وتشوهها من جهة ومن جهة أخرى فإن المتسبب فيها هو الجفاف الذي حتم على ساكنيها اللجوء اليها قادمين من بلديات الشڤيڤ، الرقاصة و توسمولين دفعهم لذلك الفقر وفناء ما يملكون من ماشية أبادها العطش عن بكرة أبيها إلا أن ما استطاع أن يتوافق عليه الكل ولكن بوجهات نظر مختلفة ومتباينة أما من تسبب في تفاقمها وتجدرها هم سكان بوڤطب أنفسهم خاصة الموالين منهم والذين استغلوا النازحين الجدد للإشراف على مواشيهم مقابل أجر زهيد في الغالب مما ساهم في تزايد أعدادهم بحثا عن لقمة العيش. السيّد نائب رئيس المجلس الشعبي البلدي لحمر قادة أشار إلى الوضع بوضوح مؤكدا ان سكان الزرايب لايعانون من مشكل الفقر أو قلة الدّخل، فالموالون المحليون وفروا لهم الشغل وهم بالمقابل انعشوا تربية الماشية بالمدينة، وفي سؤال لنا عن تزايديهم من سنة إلى أخرى بل من شهر إلى آخر وهل يسبب ذلك مشاكل للبلدية؟ أجاب أن الوضعية لا يمكن التحكم فيها لطبيعة المكان وغياب آلية لمراقبتهم وبعبارة واضحة لايمكن ترحيلهم الى أماكن إقامتهم الأصلية لأنهم يرفضون ذلك بعدما وجدوا بالمكان طريقة للحصول على لقمة العيش دون النظر الى الإعتبارات الأخرى المرتبطة بظروف عيشهم، يجب التفكير في كيفية تنظيم عيشهم وكذا ممارستهم لتربية الماشية للقضاء على الظاهرة التي وان كانت لها سلبيات فلها جانب ايجابي كذلك فإذا علمنا أن المدينة تتوفر على سوق للماشية يعد من بين الأهم والأكبر ليس على مستوى الولاية فحسب بل على مستوى كامل الجهة الغربية والجنوبية للوطن وتتحصل البلدية من كرائه سنويا على 2.5 مليار سنتيم ليتضح لنا مدى الدور الذي أضحت تلعبه الزرايب في إنعاش عصب التجارة بالمدينة والولاية ككل. وأثناء تجوّلنا بالمكان لفت إنتباهنا تواجد أطفال في سن التمدرس يرعون قطعانا من الماشية من بينهم محمد شاب لم يتعد السادسة عشر من العمر وجدناه يحرس زريبتين مخصصتين لتربية الماشية وتسمينها بالمكان وشدّ إنتباهنا أنه كان يقرأ احدى الجرائد الوطنية وصرح لنا أنه إنقطع عن الدراسة منذ أن انتقلت عائلته الى بوقطب قادمة من بلدية الشقيق منذ خمس سنوات رغم أنه كان من أنجب التلاميذ ولايزال يحب الدارسة ومتحسر لمغادرته مقاعدها، مضيفا أن الجفاف أتى على ما يملكون من ماشية والزوابع الرملية التي تجتاح المنطقة »الشقيق« نغصت معيشتهم وقبرت منزلهم. محمد اليوم يقوم رفقة والده بالعمل لدى الموالين ببلدية بوقطب بالاشراف على خمسة زرائب في كل واحدة. * مهنة تذر الأرباح الكثيرة 20 إلى 50 شاة بأجر يقدر ب 2000 دج للزربية الواحدة في الشهر، حيث يتكفل بحراسة وإطعام الماشية وتقديمها للسوق الأسبوعية للماشية للبيع. أحد الموالين أكد أن تجارته عرفت الإزدهار بفعل سكان الزرايب، موضحا أنه يشغل أربعة منهم براتب يتراوح مابين 2000 دج و3000دج للشهر مضيفا أنه تخلص من الرعي والبحث عن الكلأ بالصحاري بفضلهم وبات لا يكلف نفسه سوى بتقديم العلف للراعي على مسافة 5 كلم بدل 100 و200 كلم في السابق وإنتظار جني الأرباح يوم السوق منتخب آخر ببلدية بوقطب ورئيس الفرع البلدي لقرية سيدي الحاج بحوص، أشار إلى أن ظاهرة إستغلال النازحين في تربية الماشية لم تعد مقتصرة على الموالين بل حتى على الكثير من الموظفين بالمدينة وبمختلف القطاعات اتجهوا اليها نظرا للأرباح الكثيرة التي تدرها الحرفة خاصة بمواسم الصيف والأعياد. علما أن السوق الأسبوعية للماشية بالمدينة يدخلها أسبوعيا أكثر من 10 آلاف رأس من الماشية. وأضاف أن تربية الماشية التي لايستطيع الموظف ممارستها داخل مسكنه وسط المدينة نظرا للقوانين المانعة لذلك، لذا يلجأ إليهم كل راغب في تحصيل مداخيل اضافية من الموظفين، ويختلف تعامل الموظفين معهم عن الموالين فبعض الموظفين في الغالب يقاسمونهم الأرباح هذا وإذا كان تواجد الزرايب منطق فرضته الظروف الطبيعية وتمّ استغلاله من طرف البوڤطبيين فإنّ مصالح البلدية ولمعالجة الوضع باشرت وبالتنسيق مع السلطات الولائية جملة من الإجراءات على المديين القريب والمتوسط. السيد نائد رئيس البلدية أشار أن البلدية ومن أجل ضمان التمدرس لأطفال الزرايب خصّصت حافلة للنقل المدرسي تقطع أكثر من 15 كلم لإحضار التلاميذ الى المدرسة واعادتهم كما أنها ولصعوبة مسالك المكان قامت بتهيئة طريق للوصول اليهم على مسافة خمسة كلم. أما المدى المتوسط فإن مصالح البلدية قامت بتسجيلهم على مستوى الفرع البلدي لقرية سيدي الحاج بحوص القريبة منهم وهم يملكون بطاقات اقامة وبطاقات انتخاب بها وأضحوا بذلك من سكان بوقطب لذا لا يمكن ترحيلهم كما يطالب بذلك البعض اضافة الى قيامها بإنجاز أكثر من 100 وحدة سكنية لهم بالقرية وأخرى بحصة 50 سكنا في طور الإنجاز وكذا 20 محلا مهنيا وملعبا جواريا والأهم من ذلك إنجاز خزان مائي يسع 75 مترا مكعبا للشرب هو في طور الخدمة حسب محدثنا هذا دون إغفال انجاز بئرين لشرب الماشية بالمكان، فالحل حسب المتحدث هو الإسراع في تجسيد الإقتراح الذي تقدمت به السلطات المحلية وباشراف السيد والي الولاية السابق شخصيا وذلك بإنجاز المجمع السكني الإقتصادي لهم بالقرية والقاضي ببناء سكنات لهم وكذا انجاز مستودعات كبيرة للتسمين للخروج من الطابع البدوي التقليدي الذي شوّه المدينة ويؤثر على سلامة وصحة السكان. المشروع الذي هو قيد الدراسة وينعكس ايجابا على مدينة بوقطب التي باتت تنبض باقتصاد واعد وفعّال أساسية تربية الماشية والتي إن أعطيت لها العناية اللازمة ستكون مدينة اقتصادية واعدة على المستوى الوطني وممّا يدعم الطرح السالف الذكر هو برمجة السلطات الولائية وبموافقة وزارة الفلاحة لمشروع إنجاز مركب رعوي فلاحي بالمدينة لانتاج اللحوم المجمدة والجلود والصوف والذي حددت له أرضية الإنجاز على مساحة 40 هكتارا والغلاف المالي اللازم وتمّ رصده ويرتقب الإنطلاقة فيه قريبا من قبل شركة أجنبية حسب مصادرنا.