قال عن المسرح أنه الحياة وملاذه الوحيد منذ نعومة أظافره حلمه الكبيركان إعتلاء الخشبة والوقوف بشموخ أمام الجمهور ليفجر طاقاته الإبداعية ويكشف عن مكنوناته الداخلية التي حبست لسنوات في نفسية عاشق لم يطلب سوى الإلتفات له وإعطاءه فرصة أمام هذا الجمود الذي إتسمت به الحركة المسرحية بالجزائر، فلم يجد أمامه سوى قطاع التعليم ليبقى في لائحة الإحتياطين منتظرا بذلك فرصة للحصول على جسر حقيقي يمكنه من الوصول إلى أحلامه وبالفعل فقد فتحت بوابة الحظ أمام المبدع غربي خالد بولوجة معهد الفنون الدرامية ببرج الكيفان أين لمس نجاحه المنتظر وأدرك حينها أنه ولد ليكون ممثلا مسرحيا وأن الخشبة هي فضاؤه المناسب الذي خلق لأجله بعيدا عن كل الفنون الأخرى فمثل في العديد من المسرحيات وتألق بفنياته الراقية وتعبيراته المؤثرة التي لم يشهدها الجمهور الجزائري من قبل، حيث جسد دور الشرير ودور المظلوم ولم يستصعب يوما أي شخصية كانت تقدم له بالعكس إتسم بجديته المطلقة وحماسة الزائر فتغلغل إلى قلوب عشاق هذا الفن من الوهلة الأولى ليقرر بعدها توسيع فضاءه المسرحي من خلال ولوج عالم الإخراج وبالفعل فقد تضاعف نجاحه بعمله الأول بأم البواقي وها هو اليوم ينزل ضيفا بوهران ليعلق عن عمل مسرحي جديد يكشف به عن طقاته الإبداعية ويقترب بحب من جمهور الباهية الأمر الذي دفعنا للتوجه نحو هذا المخرج بمسرح علولة لإجراء الحوار التالي معه: الجمهوربة : هل لك أن تعطينا نبدة عن مشوارك المسرحي وكيف كانت بداياتك في عالم الفن الرابع؟ -غ. خالد: في الحقيقة دخلت هذا المجال كأي هاوي وعاشق للمسرح حيث كنت في المسرح الهاوي لدائرة بوڤقة بولاية سطيف وعملت في نفس الوقت في قطاع التعليم لألتحق بعدها بمعهد الفنون الدرامية بفضل أستاذي وزميلي عبد الرحمان زعبوبي الذي حثني على ولوج عالم المسرح من بابه الواسع وتفجير طاقاتي الإبداعية على الخشبة من خلال دخولي لمسابقة التمثيل عام 1997 وبالفعل نجحت في ذلك وتخرجت من المعهد سنة 2001 كممثل مسرحي لأباشر بعدها فورا في التمثيل وحصلت على عدة أدوار ناجحة ساهمت كثيرا في إبراز مواهبي والتعريف بإسمي، فمثلت في عرض"الحكواتي" للكاتب بتريشة المغربي ومسرحية " الصحراء" لباديس فضالة إضافة إلى مسرحية " التقرير" لمسرح بجاية وبعيدا عن المسرح كانت لي تجارب أيضا في الأعمال التلفزيونية مثل مسلسل البذرة في الجزء الأول والثاني ومسلسل " قلوب في صراع" إضافة إلى " البرنوس" ومسلسل" الليالي البيضاء" للمخرج مسعود العايب ومن جهة أخرى فأنا لم أغب أيضا عن الأعمال السينمائية حيث كانت لي أدوار بسيطة في فيلم "هجومات الحرية" وغيرها من الأفلام، هذا فيما يخص التمثيل أما الإخراج فقد عملت كمساعد مخرج في عدة مسرحيات وقمت بإخراج أول عمل مسرحي لي وهو " الحياة ثامدوث" للمسرح الجهوي لأم البواقي ومسرحية " الكرسي والحاكم" لمسرح وهران والتي أعكف حاليا على تحضيرها لتعرض في أواخر شهر مارس المقبل بإذن المولى. ً الجمهورية: حدثنا قليلا عن هذا العرض وكيف جاءت فكرة تعاملك مع مسرح وهران؟ - غ. خالد: أنا سعيد جدا بهذا التعامل وهو شرف كبير لي أن يختارني مسرح وهران لإنتاج أحد أعماله المسرحية الجديدة، حيث جاءت هذه المبادرة عندما إلتقاني مدير المسرح السيد عزري الغوثي بباتنة وأعجب بمسرحيتي فطلب مني رقم الهاتف وبعد فترة اتصل بي وطرح علي مشروع إخراج مسرحية "الكرسي والحاكم" وأنا وافقت طبعا دون تردد شعرت بحماس كبير لأن مسرح وهران له معزة خاصة في قلبي كوني مثلت به العديد من المسرحيات وتربطني بجمهوره الذواق علاقة جميلة، الأمر الذي حفزني على القبول بالعرض وها أنا الحمد لله أشرف على إخراج هذه المسرحية التي أعجبت كثيرا بنصها العائد لأحد المؤلفين المصريين وبالمناسبة فأنا أشكر مدير المسرح السيد عزري الذي أعطاني حرية التصرف في تعديل النص وأنا كمخرج أعطيت نظرة أخرى له وغيرت البعض من ملامحه حتى ينتقل من الرؤية المصرية إلى الرؤية الجزائرية وحاولت قدر المستطاع معالجة العديد من القضايا التي تهم المواطن الجزائري بالدرجة الأولى فركزت على موضوع الحرية التي يطالب بها أي شعب عربي ونقلت هذه الرغبة الجامحة من خلال بعض الشخصيات الرئيسية لكن اسمحوا لي أن أؤكد أن هذا النص صعب جدا فلحد الآن لم أضبط الأدوار الصحيحة لكل ممثل الأمر الذي يدفعني لتكثيف التدريبات حتى أعثر على الشخصية الصحيحة والمناسبة. الجمهورية: ما سبب إختياركممثلين جدد ووجوه مسرحية لم يألفها الجمهور الوهراني من قبل؟ - غ. خالد: إختيار ممثلين جد له العديد من الأبعاد حيث حاولت إدخال وجوه جديدة على مسرح علولة وخلق فريق يحتيلي الخشبة لأول مرة بهدف إكتشاف مواهب شابة من شأنها أن تعزز المسرح الجهوي لوهران وتحظى بفرصة لتفجير طاقاتها والإنتقال إلى الإحترافية من أبوابها الواسعة، وهذا كان حلمي منذ زمن وهو أن أكتشف مواهب جديدة وأشرف شخصيا على تكوينها وقد زاد فرحي عندما حققت هذا الحلم بمسرح وهران الذي أعتز به كثيرا فهو المدرسة التي تركها المرحوم عبد القادر علولة والمكان الذي طالما إحتفظ بأعماله المسرحية الناجحة والخالدة في نفس الوقت. وعليه فقد أعلنت عن الكاستينغ لاستقبال المترشحين من مختلف الفرق الهاوية التي لم يسبق لها التعامل رسميا مع مسرح علولة واستطعت رفقة طاقمي الفني وبالخصوص ابراهيم جعفر الذي ساعدني كثيرا في الإنتقاء ووجهني في كثير من المرات حتى يقع إختياري على الشخصيات المناسبة، ليتم بعدها إختيار 15 ممثلا وممثلة مع إدراجي لممثلين مسرحيين آخرين وهما شخصيتان عريقتان بمسرح علولة وهما الطيب رمضان وبن يحلو مختار اللذان تم إختيارهما بفترة قبل فترة التقاعد حيث أحببت أن أهدي لهما هذا العرض وهما في نهاية مشوارهما المسرحي عرفانا لهما بما قدماه لمسرح علولة ليكون مسك الختام من خلال مسرحية " الحاكم والكرسي" ورغم أن الأدوار التي منحت لهما بسيطة جدا إلا أنني متأكد أنها تعني الكثير لهما وهذا تقديرا لمسيرتهما المسرحية المميزة والمليئة بالنجاحات طوال هذه الفترة. الجمهورية: بصفتك ممثل ومخرج مسرحي كيف تقيم واقع المسرح بوهران؟ - غ. خالد: إذا أردتم الصراحة فأنا حزين جدا لحال المسرح بوهران فرغم أنها عاصمة الغرب الجزائري إلا أنها تفتقر للممثلين بالدرجة الأولى وهذا أمر لا يعقل فصدقوني إذا قلت أنه بعد إعلاننا عن الكاستينغ لم نستقبل عددا كافيا من المترشحين وهذا صدمني فعلا لدرجة أنا صرنا نطالب بممثلين مسرحيين من الولايات المجاورة كمستغانم مثلا لذلك فإنه من المؤسف أن لا نجد قدرا كافيا من الهواة الحقيقيين للفن الرابع في ولاية نشأ بها عبد القادر علولة الذي خلق مسرح »الحلقة « وكان من عمالقة المسرح الجزائري دون منازع والأسوأ من ذلك أن وهران غائبة تماما عن التتويجات وكذا المشاركات في جل التظاهرات الوطنية والدولية وهذا الأمر مؤسف فعلا وما يمكنني قوله هو أن علولة مدرسة كبيرة ولكنها حطمت وقتلت أو حتى شنقت ولا يتعلق الأمر بالممثلين فقط حتى الإخراج وكتابة النصوص وما شد إنتباهي مؤخرا هو أن الأعمال الخالدة لعلولة صار يتاجر بها بعد أن أفقدوها قيمتها فما الفائدة من العمل على نص علولة وعدم إعطائه أهميته وقيمته مما جعلها مسرحيات سوقية حيث نسي هؤلاء أن علولة لديه إسم عريق وسمعة عالية جدا وأنا شخصيا أحترم أعماله كثيرا الأمر الذي يجعلني من أكثر الأشخاص سعادة عندما أعتلي خشبة مسرح علولة حيث يتملكني شعور جميل وأحس أن المرحوم يشاهدني وذلك ما حدث معي تماما في مسرحية »الخبزة« للمخرج محمد آدار وها قد جاءتني الفرصة مرة أخرى لأعطي شيئا جديدا لهذا المسرح الجميل الجمهورية : هل كانت لك تجارب أخرى مع مسارح جهوية على غرار مسرح وهران غ . خالد : بالطبع كانت لي تجربة جميلة جدا مع المسرح الجهوي لأم البواقي حيث أخرجت أول عرض مسرحي لي وهو الحياة ثامدورت وهو إنتاج لسنة 2010 للمؤلف المبدع العربي بوبينة في حين عادت السينوغرافية لعبد الرحمان زغبوبي وساعدني في الإخراج الهاني محفوظ حيث تناولت في هذه المسرحية إشكالية الحق والباطل عن الحياة والموت والمواجهة والتسامح والأهم أنها برزخ من التضيحة والثمن بين النشر والبوح بالمكتوم عند عتبة كل سجن حيث ركزت في العرض على شخصين ألقي عليهما القبض بتهم مختلفة فيتصادمان بشخصية حارس السجن »عمي الطيب« الذي يجد هو الآخر فرصة في مؤانسة هذين السجينين حيث يرى السجين الأول أن أحداث الثامن من أكتوبر 1988 هي البداية الفعلية لتغيير الأوضاع بالجزائر بينما يرى السجين الثاني أن التعددية الحزبية هي التغيير الحقيقي لما آلت إليه البلاد الآن من تحول سواء السياسي أو الإقتصادي أو حتى الإجتماعي وهنا يشتد الصراع الفكري وتنغلق أجواء الحوار بين الثلاثة بعد أن يقوم كل واحد منهم بمحاكمة الآخر من خلال التشدد في الآراء الجمهورية : ماهي المواضيع التي يميل لها المخرج غربي خالد ويرغب في تجسيدها على ركح الخشبة؟ غ خالد : أعشق المواضيع الواقعية التي لها صلة مباشرة مع الواقع المعاش سواء الإجتماعي أو السياسي وكذا الإقتصادي فأنا أميل في أفكاري بشدة لمشاكل المواطني وبالأخص الشباب الجزائري الذي هو بحاجة لمن يترجم معاناته ويتفهم وضعه وحالته الإجتماعية المزرية فمهما كان العمل تراجيدي إلا أنني أحاول تحويله إلى عمل مؤثر وذو أبعاد إنسانية بالدرجة الأولى مع الحفاظ على جماليات الفكرة والنص دون المساس بالجانب الهزلي بطريقة معينة فالمخرج الناجح هو من يتحكم في الموضوع من خلال نظرته الخاصة ويعطيه لمسة فنية تميز عن غيره من النصوص المسرحية الأخرى كما يجب أن يتسم بالذكاء للتأثير في الجمهور وكسب ثقته وكذا الإقتراب من مشاكله وهمومه لأن المواطن الجزائري يبحث دائما عن ما يترجم همومه ويعكس معاناته بطريقة أو بأخرى وهذا ما جعلني أميل لهذا النوع من المواضيع لأنني أولا وأخيرا مواطن جزائري بسيط ولي نفس المشاكل كما أنني أهتم لنفس المواضيع والقضايا سواء على المستوى الإجتماعي أو الإقتصادي ويبقى الجمهور هو الحكم الوحيد على هذه المواضيع لأنه المتلقي الأساسي لجميع العروض المسرحية التي تقوم بإخراجها الجمهورية : دخولك عالم الإخراج هل يمنعك من العودة إلى التمثيل من جديد على الخشبة ؟ غ خالد : هذا غير صحيح فأنا أعشق التمثيل لأنني ولدت لأجل ذلك فقط فعندما عشقت المسرح عشقته كممثل وليس كمخرج فالتمثيل بالنسبة لي هو كل شيء ولا أنوي التوقف أبدا فأنا لا أمانع أن أكون مخرجا لبعض العروض المسرحية لكن في نفس الوقت لن أترك التمثيل لأنه يسير في دمي ووجداني ولا توجد أي قوة تمنعني من مواصلة مشواري في عالم التمثيل وهناك مقولة معروفة تفيد أن المخرج لن يكون مخرجا ناجحا إذا لم يكن يحس بالممثل وأنا الحمد لله كنت ولا زلت ممثلا وسأبقى كذلك لنهاية المشوار الجمهورية : هل لك تجارب في مسرح الطفل وكيف تقيم هذا المجال في الجزائر؟ غ . خالد : نعم ! فقد مثلت في العديد من المسرحيات المقدمة للأطفال وأنا شخصيا أحب التمثيل للبراعم لأنهم الأساس الحقيقي لتكوين جمهور صحيح وذواق فهم عماد المستقبل والجيل الصاعد الذي تعول عليه الدولة الجزائرية في مختلف المجالات لذلك فهو يحتاج لهذا النوع من العروض حتى يأخذ العبرة وتكون له أهداف في المستقبل القريب أما فيما يخص واقع مسرح الطفل بالجزائر فهو مهمل نوعا ما من طرف الجهات المسؤولة فمقارنة مع الدول العربية الأخرى فنحن بعيدين جدا عن مستواهم لعدة أسباب وعليه فأنا آمل فعلا أن يعرف هذا المجال إهتماما أكبر ويحظى بقدر كبير من الدعم المادي حتى تكون هناك إنتاجات جديدة ومفيدة لأننا نحتاج للطفل ونهتم لأمره كونه سيصبح يوما ما شخصا راشد وتكون لديه ميولات مسرحية هو الآخر كغيره من الراشدين الجمهورية : وماذا عن المسرح بصفة عامة ؟ أي ما هو تقييمك لواقع الفن الرابع بالجزائر ؟ غ . خالد : المسرح بالجزائر بدأ ينتعش قليلا خلال ءأربع سنوات الأخيرة وصار له مكانة لا بأس بها في الدول العربية لكن ما يثير إستيائي هو أنه لا يوجد قلم يكتب للمسرح الجزائري وكل ما لدينا مجرد مسرحيات سردية وإذاعية مما يجعلها بعيدة جدا عن الركح المسرحي مما يدفعنا للتوجه نحو النصوص العالمية وهذا أمر مخزي لأن لدينا تراثا خاصا بنا وثقافة تميزنا عن غيرنا من الدول الأجنبية والعربية فلم لا نستهلكها ونستغلها على الخشبة وما لاحظته أيضا أن جل المؤلفين المسرحيين اليوم صاروا يتجهون نحو الهزل أي الكوميدي في حين يعزفون عن كتابة النصوص الواقعية التي لها علاقة مباشرة بالمجتمع الجزائري ومشاكله وكل هذه الأمور ساهمت في جمود المسرح الجزائري وبقائه في خانة مغلقة تبعد كليومترات عن المسارح العربية والعالمية خصوصا أنه لا توجد أعمال جديدة من شأنها أن تمثل الفن الرابع الجزائري في التظاهرات الدولية على غرار الدول المغاربية لذلك نأمل كثيرا أن يتم إفتتاح أعمال تشرفنا في الخارج وتحافظ على إسم المسرح الجزائري وأنا بصراحة ورغم إفتقارنا لكتاب المسرحيين إلا أنه يوجد عدد معين منهم أميل شخصيا للتعامل معهم على غرار زعبوني عبد القادر العربي بونيله وخالد بوعلي وغيرهم لأنهم أكثر دراية بأن الكلمة يجب أن تكون لها روح وإعطاؤها صورة معينة على الركح صار من ضروريات المسرح اليوم بهدف إيصالها للجمهور مع الإبتعاد عن السرد لأن المسرح يعتمد بالدرجة الأولى على التغييرات الفنية والحركات المعتبرة الجمهورية : كلمة أخيرة ؟ غ . خالد : أشكر جريدة الجمهورية التي استضافتني على صفحاتها وبهذه المناسبة أستغل الفرصة لأبلغ تحياتي الحارة لجمهور وهران وأرجو من كل قلبي أن يعجبهم هذا العمل المسرحي الذي أقدمه لأول مرة بمسرح وهران ولي الشرف الكبير طبعا في التعامل مع السيد عزري الغوثي الذي أتوجه له بالشكر الجزيل كونه أتاح لي الفرصة للإبداع على ركح علولة والإقتراب من جمهور الباهية .