هل تكفي التدابير الوقائية التي تباشرها الجهات الطبية لتحسيس المواطن وتوعيته بخطورة الإستهلاك غير الصحي للمواد سريعة التلف؟وهل تكفي الإجراءات الردعية التي تسلطها الهيئات الوصية لمعاقبة المخالفين وحماية المستهلك من الأضرار الناجمة عن أي خلل من شأنه أن يضر بقدرته الشرائية وسلامته الجسدية؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها، كلما تطرقنا لموضوع حماية المواطن من الخروقات المرتكبة في حقه سواء إذا تعلق الأمر بمضاربة الأسعار وعرض مواد فاسدة أو غيرها وملف يطفو على السطح مع حلول موسم الحرّ وإنتشار ظاهرة بيع المرطبات والحلويات على قارعة الطريق. الإقتراحات كثيرة والأكثر منها تلك الحملات التحسيسية التي ستشرع فيها الإدارة عبر الشواطئ والمؤسسات الخدماتية التي لا تزال عديمة الجدوى بواقعنا وبعيدة عن أي تطبيق فعلي للإرشادات المنصوص عليها في غياب الإحترافية والإحساس بالمسؤولية ونوعية الخدمات المقدمة التي تصنف في الخانة السوداء. مهما شرحنا وضعية الأسوا ق ومصير المستهلك من هذه الإختلالات فإن ذلك لن يكون بنفس الحدة وبنفس الثقل الذي يعترض هذا الأخير، كلما توجه إلى محلات بيع المواد واسعة الإستهلاك، أو نقاط عرض الخضر والفواكه لأن نار الغلاء لن تحرق سوى أرباب العائلات ولن تلهب إلا جيوبها بطريقة تلقائية وكأنها حلقة مفرغة طوقت كل المنافذ المقترحة عليها. ثلاثة عوامل رئيسية إشتركت لتكون واقع حال الأسواق بمفاهيم مختلفة وبمعايير متباينة،فهم معناها المستهلك ورضخ لشروطها طبقا لمعادلة إدفع ولا خلي هذا الحاضر، في غياب المقاييس المتداولة في النشاطات التجارية بإختلاف أنواعها. وبالرغم من إنفتاح السوق والتعديلات التي ميزت قطاع التجارة فإن هياكله لم تسجل بعد أي تغيير من شأنه أن يحمل المستهلك راض عن كل عملية تجارية يبرمها مع الطرف الآخر ، لا من حيث الخدمات ولا من حيث نوعية المواد المعروضة ولا من زاوية المعاملات التي ترتكز لحد الآن على نقطتين إثنتين أولها تحقيق هامش ربح معتبر والغش والتدليس بفض النظر عن الشروط الإلزامية التي تدفع المواطن إلى درجة الإختيار بين نوع وآخر وصنف جيد ورديئ لأن التجاوزات استحوذت على جميع القيم والمظاهر الإيجابية وطغت على كل القوانين المسيرة للقطاع. ويمكن أم نلمس لهذه الإختلالات في الميدان لمجرد تسجيل حالة بتسمم مثلا لذلك التي شهدتها ولاية سيدي بلعباس في الشهر المنصرم والتي أودت بحياة فتاة وإصابة أفراد عائلتها بتسمم غذائي جراء تناول » قريوش« فاسد 80 % من المؤسسات الخدماتية لا تحترم شروط النظافة ومن خلال المعاينة الميدانية التي أجرتها جمعية حماية المستهلك وإعتمادا على الدراسة التي أنجزتها هذه الأخيرة، فقد تبين أن 80 بالمائة من المؤسسات الخدماتية بإختلاف نشاطها لا تحترم شروط النظافة ولا تهتم تماما بهذا الجانب فالزيارات التي خصصتها جمعية حماية المستهلك أسفرت عن تسجيل هذه النتيجة السلبية، حيث أن غالبية هذه الهياكل تنشط في ظروف غير صحية وفي وسط لا يعكس تماما التصنيف القانوني لكل مؤسسة خدماتية . ونظرا للإنتشار لمثل هذه التجاوزات فقد مسّ البرنامج الذي سطرته الإدارة كل المؤسسات من محلات بيع الأكل الخفيف، المقاهي، المطاعم، والفنادق بمعنى أدق أنها لن تستثن أي هيكل من القطاع التجاري والسياحي بدءا من المؤسسات غير المصنفة إلى أعلى درجة . وقد حددت ذات الجهة في تقريرها الإختلالات المسجلة بكل مؤسسة من إستعمال أواني غير نظيفة، غياب أدنى شروط التطهير ببعض المرافق، عدم كفاءة الطاقم المشرف على المطبخ، إستخدام مواد أولية تفيد فيها كل المعايير الصحية. وهذا الأمر لا ينطبق فقط على المطاعم الفخمة الفنادق بل كذلك بالنسبة للمصانع المختصة في الصناعة الغذائية حيث تشترك هي الأخرى في نفس المشكل لعدم إهتمام العمال بالجانب ذاته سواء عند عملية إعداد المنتوج أو عند التوليد وهو ما يشتكي منه المؤطرين الذين يفتقدون إلى الأيادي العاملة المحترفة في كل الجوانب وليس فقط في الإنتاج والطهي، فما بالك بالمحلات الصغيرة التي لا تخصص حتى مكان لإعداد الوجبات. بالمقابل أجرت جمعية حماية المستهلك تربص محدودة المدة لفائدة ربات البيوت مست كمرحلة أولى 40 إمرأة من مختلف فئات المجتمع من أجل تعميم مبدأ ترشيد الإستهلاك الأسري في كل المجالات وبالدرجة الأولى التسممات الغذائية التي تأخذ لنفسها منعرجا آخر مع حلول موسم الإصطياف في ظل غياب ثقافة الإستهلاك وقد وقع ا لإختيار على هذه الفئة من زاوية أنها الوحيدة التي تتكفل بالمطبخ وكل ما يرتبط بالأسواق. * توفير شروط الحفظ للمشروبات وأكياس الحليب وغير بعيد عن التجاوزات المرتكبة في حق المستهلك وغياب ثقافة الإستهلاك الصحي سطّرت مديرية التجارة هي الأخرى برنامجا خاصا يبدأ مع إنطلاق موسم الإصطياف ويشكل ردعي من جهة ووقائي من جهة أخرى. جندت ذات الهيئة أعوانها لتوسيع نطاق المراقبة عبر كل نقاط البيع المنتشرة بالولاية سواء محلاّت الجملة التجزئة والمساحات التجارية قصد معاينة هذه الهياكل والتأكد من مدى توفر شروط الحفظ للمشروبات والمياه المعدنية وأكياس الحليب حيث إشترطت مديرية التجارة على كل المتعاملين إحترام هذا الإجراء وتفادي عرض هذه المواد في الشارع تحت أشعة الشمس والإلتزام بعرضها وفق المعايير التي حددتها الإدارة. ولإضفاء طابع الإلزامية على مثل هذه التعاملات فقد قررت المديرية الوطنية تسليط إجراءات ردعية ضد المخالفين بإحالة ملفاتهم على العدالة في حالة تسجيل التجاوز لمعاقبة التجار. فعلى خلاف المواسم الفارطة فقد شدّدت الإدارة الخناق على الباعة حفاظا على صحة المستهلك بعد رواج ظاهرة عرض المواد سريعة التلف أمام المحلات وفي الأرصفة. بالمقابل فقد حجزت مصالح الجودة وقمع الغش مؤخرا200 كلغ من اللّحم بمنطقة حاسي بونيف إضافة إلى 3 أطنان من مواد التنظيف تحمل علامات مشكوك فيها بأحد المخازن غير المرخصة بقيمة 40 مليون سنتيم بموجب شكوى أودعتها إحدى ربات البيوت. * المضاربة سيدة السوق وإن كانت التسممات الغذائية الناجمة عن إستعمال مواد فاسدة قد تضر بالمستهلك فإن المضاربة هي الأخرى قد تؤثر على الحصن الذي حددت معالمه الإجراءات الردعية، حيث أصبحت الظاهرة تتحكم في الأسواق وتجبر المواطن على إقتناء المنتوجات التي يحتاجها بالأسعار المحددة بالأسواق، حتى وإن كان ذلك لا يخدم ميزانيته. والأمثلة في هذا الشأن كثيرة من المنتوجات الواسعة الإستهلاكية ثم المواد الأساسية الى مادة اللّحم التي تجاوزت أثمانها السقف حيث تراوح سعرها بسوق الحمري ما بين 780و800دج للكلغ الواحد فيما إرتفع إلى 980 دج بسوق لاباستي أما بالنسبة للحوم البيضاء فقد تجاوز ثمنها 260 دج للكلغ الواحد رَغم أن الحرارة تتحكم بشكل كبير في سلم الأسعار. ففي الوقت الذي كانت فيه العائلات تستنجد باللحوم البيضاء لإعداد أطباقها كبديل عن اللحوم الحمراء، أصبحت عاجزة عن توفيرها بصفة مستمرة لأسباب لا تتعدى المضاربة فقط، لأن مصلحة التاجر تتحقق عند هذا الهدف، أما الأسماك فلا يمكن حتى الإشارة إليها وهو ما يدفع المستهلك للجوء إلى الأسواق الموازية والمجمّد. ولتفادي تجذر الظاهرة واتساع رقعتها خلال شهر رمضان، فإنَّ المرتقب أن ينظم الإتحاد الولائي لجمعيات التجار والحرفيين معرضا خاصا تحضيرا لهذه المناسبة الدينية تعرض فيه كل المنتوجات الإستهلاكية والخضر والفواكه بأثمان مشجعة يعرضها المتعاملون الإقتصاديون وتجار الجملة لتجاوز الوسيط وتجنب فرضية إرتفاع الأسعار خلال هذه الفترة حيث يتولد الناشطون في القطاع بيع سلعهم بنفس الأرقام المتفق عليها عند تسجيل أي عملية بيع وشراء بينهم وبين التجار لكن كل هذه العمليات والبرامج المسطرة قد تتخللها تجاوزات حتى مع تطبيق الإجراءات الردعية لأن التاجر تعود على عدم إحترام القانون والمستهلك هو الآخر لا يقدر على العزوف أو الإمتناع عن شراء المواد الغالية الثمن والإكتفاء فقط بأدنى الضروريات وهو ماتؤكده الطوابير التي تميز المحلات التجارية مع حلول أي مناسبة دينية أو إجتماعية فأين الخلل يا يرى؟