أصدقكم القول بأنني اتبعت استراتيجية جديدة في متابعة الإعلام الأمريكي، وهذه الاستراتيجية تتلخص في أنني أخفض الصوت، عندما أشعر أنني غير قادر على احتمال كمية استغفال المشاهد والانحياز اللاعقلاني، الذي تمثله بامتياز قناتي "سي إن إن" و"أم أس إن بي سي"، فلكل شيء حدود. وقد أصبحت على قناعة تامة بأن المذيعين والمعلقين لم يعد لهم من أمرهم شيء، بل ينفذون أجندة وخطا تحريريا مسيّسا ومفروضا سلفا، مع مراقبة شديدة لما ينطق به المذيع والمعلق. وكنت قلت سابقا إنني أحيانا أتفحص الوجوه، لأعرف هل ما يتم طرحه أمر جاد أم عبارة عن سخرية، وقد كان ظريفا أن يستشهد مغرد أميركي بمقطع فيديو قديم، يعود إلى العام 2013، أي في زمن الرئيس السابق باراك أوباما. والمقطع يخص المذيع الأسود، دان ليمون، فهو في هذا المقطع القديم يؤكد على أن مشكلة السود في أميركا تنبع من ذواتهم، وذلك بميل كثير منهم لترك الدراسة والانغماس في حياة الشوارع، وهو ذات المذيع، الذي يربط اليوم مشاكل السود بسياسات الرئيس ترامب، ولعل هذا يبين بجلاء أن الإعلاميين غيّروا بوصلة تحليلاتهم لأسباب حزبية وايدولوجية بحتة. تشعر بوضوح أن مذيعي قنوات الانحياز يعلنون ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا بحبور شديد، ثم يربطون ذلك مباشرة بالرئيس ترامب، ويطعنون بمصداقية فريقه الطبي، ثم تبدأ سيمفونية هجاء الرئيس، الذي يتجاهل جائحة كورونا، ويعقد لقاءات مع جمهوره، لدرجة أنهم اعتبروا حضور الرئيس لاحتفال العيد الوطني لأميركا جريمة لا تغتفر. وفي ذات الوقت، لا تسمع حرفا واحدا عن خطورة المظاهرات والتجمعات ضد ترامب، وكأن الفيروس لا يهاجم من يعادي ترامب، وهذه ليست سخرية مفتعلة، إذ لم أسمع يوما حرفا واحدا، منذ شهرين، يحذّر من خطورة التجمعات بكل أشكالها، ولم يسلم من هذا الانحياز كتّاب كبار، أو هكذا كنا نحسبهم. وتخيّل أن هؤلاء الكبار يتماهون تماما مع الأجندة الجنونية الحالية، والتي تشمل تكسير وتخريب المجسمات الخاصة بزعامات تاريخية، بما في ذلك الأب الروحي لأميركا، جورج واشنطن، ولم يسلم حتى الرئيس التاريخي، الذي ألغى الرق، أبراهام لينكولن، فلم أسمع أو أقرأ حرفا يشجب هذه التصرفات الرعناء، وهذا أمر غير مسبوق. قبل أسبوع، ظهر الكاتب في النيويورك تايمز، توماس فريدمان على قناة الجزيرة، وفريدمان كاتب مرموق، ولكن رأيي فيه منذ زمن هو أنه مغرور وغريب الأطوار، كما أنني سبق أن كتبت مرارا بأن هناك مبالغة في الرفع من قيمته الفكرية، وهو الرأي الذي يتفق فيه معي كثيرون. وقد قال فريدمان كل ما أرادته الجزيرة بخصوص ترامب والديمقراطيين، فلكل شيء ثمن، ولكن ما لم يصدقه أحد، هو أنه طلب من المسلمين أن يدعو في صلواتهم لهزيمة ترامب وفوز جوزيف بايدن. نعم المثقف الغربي اليساري توماس فريدمان، الذي لطالما صدّع رؤوسنا عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، يضيق ذرعا بالديمقراطية، التي أوصلت ترامب للرئاسة، ومن شدّة خشيته من هذه الديمقراطية، التي قد تمنح ترامب فترة رئاسية أخرى، يطلب من أصدقائه الأعداء، أي المسلمين، أن يبتهلوا إلى الله بالدعاء في يوم الجمعة لينصر بايدن على ترامب. وحكاية فريدمان تُبيّن بوضوح وجلاء حالة اللاعقلانية التي بلغها خصوم ترامب، وتعطي مصداقية أكبر لما نقول ونكتب عن انحياز الإعلام الأميركي، الذي وصل مرحلة غير مسبوقة، جعلت من يؤمن بهذا الإعلام مثلي، يتبع استراتيجية غير مسبوقة في متابعته، تحدّثت عنها في بداية المقال. سكاي نيوز