من يتابع مقاربات “بعض” الصحافيين الغربيين “الخواجات” عن منطقتنا، يخرج بنتيجة خلاصتها: هل يفهم هؤلاء حقا تعقيدات منطقتنا؟ من هؤلاء الصحافي الأميركي توماس فريدمان. كتب قبل أيام في “النيويورك تايمز” ونشرت مقالته “الشرق الأوسط” عن ردود فعل العرب “السنة” على اتفاق أميركا والقوى الدولية مع إيران حول النووي في جنيف. كتب من وحي زيارته للإمارات والسعودية كما قال، وأنه “فهم” الشعور الذي يتملك الناس هناك تجاه انصراف العم سام عنهم. قدم النصائح على طريقة حكماء الإغريق القدامى، وأنه يجب أن نثق بحكمة وعقل وحزم إدارة الرئيس أوباما. بعد قصف مكثف من المواعظ العقلانية و”تفهيمنا” طبيعة القوى في منطقتنا، ووجوب الحوار مع إيران، قال السيد فريدمان في مقاله المعنون “لقد عاد الأخ الأكبر”: “خلافا لحلفائنا هنا في الخليج، نحن نعتقد أن هناك سياسة حقيقية داخل إيران واختلافات بين الزعامة والشعب”. كما يذكرنا بأن هناك رهانا حقيقيا من أميركا على “تغيير شخصية” الملالي في إيران. ثم يضيف الحكيم الإغريقي: “قد لا ينجح ذلك، ولكنه رهان يستحق خوضه”. مشكلتنا مع هذا النمط من الفهم الأميركي الحالي بالضبط، نمط التجريب والخفة الخطيرة. حصل هذا مع نفس هذه الإدارة (إدارة أوباما)، ومع نفس هذا الصحافي فريدمان، تجاه ما سمي “الربيع العربي”، ورأينا حصاد هذه المقاربات والتجاريب الخطيرة، وما زلنا. اختصارا، أذكر بطرف مما قيل لصاحب هذه الكلمات مايو (أيار) 2012 بعنوان “هل يفهمنا الخواجات حقا؟” وكان مما قيل فيه: “يستولي عليك العجب، من سذاجة (بعض) الخبراء الغربيين، في أحوال منطقتنا. يتعاملون مع تعقيدات مجتمعات الشرق الأوسط بكثير من الخفة و(التجريب)، ومن أكبر الأمثلة على ذلك في نظري هو الكاتب الأميركي توماس فريدمان. هذا الكاتب النجم كان من أكبر أنصار (الربيع العربي)، وكتب المعلقات في مديحه، ودبج المقالات في ال(نيويورك تايمز)، وزار مصر وجال في ميدان التحرير، واحتفى به الإعلام الثوري المصري، والغربي أيضا، وربما لو جمع ما كتبه من مقالات وما صرح به من تعليقات حول (فهم) الربيع العربي لأخرج كتابا، وها هو اليوم يحاضر علينا ويلقي بالنصائح حول وجوب العودة لفكرة التنوير والتنمية قبل الديمقراطية”. كان هذا حينذاك تعليقا على تحول فريدمان من الكتابة المبشرة بربيع ديمقراطي عربي دعما لموقف أوباما في الركض الانفعالي خلف تلك الفوضى، إلى هجاء هذا الربيع والمناداة بفكرة “المستبد العادل”! هكذا بكل رشاقة ومرونة أين منها مرونة الفهد الصياد..