رغم مرور سبع سنوات على اعتقاله في سجن ابو غريب، لا يزال ابو مصطفى يعاني من حالات نفسية "غريبة" يتذكر خلالها كيف كان الجنود الأمريكيون يضعونه في "صندوق حديدي ويبثون فيه اصواتا مرعبة". وأمضى ابو مصطفى، الذي يعمل اليوم مدرسا في مدرسة ابتدائية في النجف (150 كلم جنوب بغداد)، أربعة أعوام في الاعتقال عندما كان عنصرا في جيش المهدي الشيعي، بينها نحو عام في ابو غريب بدءا من سبتمبر 2004. ويقول ان "الجنود الأمريكيين كانوا يعاملوننا بعنف وشدة ويمارسون معنا حربا نفسية مؤلمة باستمرار". ويوضح ابو مصطفى "كانوا يعاقبوننا في بعض الأحيان عبر وضعنا في صناديق حديدية ويبثون اصواتا مرعبة تسبب ما يشبه الارتجاج في الدماغ". ويؤكد ان "المواقف المرعبة في أبو غريب لا تفارقني أبدا. اتخايل نفسي احيانا مقيدا بسلاسل ويقودني جنود أمريكيون قذرون الى الغرفة المعدنية الصغيرة حيث الأصوات المرعبة". وتحدث السجين السابق، وهو اب لطفلين، عن اصابته بحالات نفسية "غريبة"، موضحا ان "عائلتي تسألني مرارا عن سبب انفعالاتي المفاجئة وصراخي من دون داع او جلوسي على انفراد لساعات طويلة". وبرر ذلك قائلا "لا استطيع ان أنسى أيام ابو غريب، لقد كانت أكثر قسوة مما يمكن ان توصف". وعرف سجن ابو غريب حول العالم بعد نشر صور عام 2004 تظهر تعرض سجناء عراقيين للاهانة وسوء المعاملة على ايدي سجانيهم الاميركيين، ما اثار فضيحة ادت الى احكام بحق 11 جنديا اميركيا تصل الى السجن لعشرة اعوام. ويظهر في احد الصور سجين عار مهدد بكلاب حراسة يمسك بها جنود اميركيون وهو ملتصق الى بوابة زنزانة، فيما تكشف اخرى عن مجموعة سجناء عراة غطت رؤوسهم باكياس بلاستيكية فيما تقوم جندية اميركية بالاشارة بسخرية الى اعضائهم التناسلية. ودفعت الفضيحة الى اغلاق السجن في سبتمبر 2006 حتى فبراير 2009. وفي مدينة الفلوجة (60 كلم غرب بغداد)، ينقل محمود علي حسين (35 عاما) نظره بين أطرافه الأربعة التي بترت بانفجار عبوة استهدفت دورية أمريكية كانت تقله الى سجن ابو غريب عام 2005، قبل ان يستجمع قواه ويقول "لن انسى ما حدث لي بسببهم. ساعلم اطفالي ان يقاتلوا الاميركيين". ومن على كرسيه المتحرك والبسيط في منزله في المدينة التي شهدت معركتين كبيرتين مع القوات الاميركية عام 2004، يروي حسين بتاثر وصعوبة بالغة بعضا من تفاصيل حالات التعذيب التي يقول انه شهدها في السجن سيء الصيت غرب بغداد. ويوضح محمود الذي اصبح اليوم ابا لثلاثة اطفال ان "الجنود الاميركيين في سجن ابو غريب كانوا يتعاملون بقسوة كبيرة حتى مع المرضى وكبار السن والاحداث". ويضيف فيما يهم احد افراد عائلته بمساعدته على تدخين سيجارة "حتى المعتقلين المرضى كانوا يربطونهم بسلاسل الى الاسرة، او ينقلونهم وهم مكبلين بالسلاسل برفقة كلاب الحراسة". ويقول ان الجنود الاميركيين الذين يعملون حاليا على اكمال انسحابهم من البلاد بحلول نهاية العام الحالي "خلفوا وراءهم معاقين وأرامل وأيتام، ولا زلت أتمنى ان يكون لي أيدي وأرجل لأقاتلهم". وبحسب ناجي عبيد حميد رئيس "منظمة العهد للدفاع عن حقوق المعتقلين العراقيين" فان "سبعين بالمئة من المعتقلين الذين وصل عددهم الى 350 الف معتقل خلال الاعوام الماضية، مصابين بأمراض نفسية وجسدية بسبب ما تعرضوا له على ايدي الاميركيين". وفي سامراء (110 كلم شمال بغداد)، يروي السجين السابق في ابو غريب ابو محمد (47 عاما) انه "في الشتاء لا شيء سوى الماء البارد للاستحمام وخيم تتطاير عند هبوب الرياح والامطار، ثم يضحكون علينا".