اعتاد المواطن الجزائري منذ سنتين على ما بات يصطلح عليه بأزمة البطاطا مع كل موعد انتخابي هام. الجزائريون معروفون باستهلاكهم الواسع لهذه السلعة، إذ قدّرت وزارة الفلاحة استهلاك الفرد الجزائري سنوياً بنحو 106 كيلوغرامات من البطاطا التي تكاد تكون حاضرة في كل الأطباق الغذائية. لكن وبصورة فجائية، في العام 2012 ظهرت أزمة غير مسبوقة، رفعت أسعارها إلى 400% نتيجة الندرة التي عرفتها عشية الانتخابات التشريعية. خلقت هذه الوضعية الجديدة حالة من الاضطراب في الشارع الجزائري، صاحبته حملة "تنكيت" واسعة، على حال الفلاحة، والحكومة أيضاً، وقد وجدت هذه الأخيرة نفسها في حرج شديد بعدما عجزت عن توفير هذه المادة الغذائية، فلجأت إلى حل فوري زاد من سخط الشارع عليها، عن طريق استيرادها لكميات كبيرة من البطاطا الكندية ذات النوعية الرديئة، والمخصصة للاستهلاك الحيواني. .. ارتفاع قياسي في الإنتاج بعيداً عن الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع، وتذرّع الحكومة بافتعال أطراف معينة لهذه الأزمة، من أجل الضغط عليها عشية الانتخابات التشريعية، فإن الفلاحين رفعوا التحدي هذا العام بشكل غير مسبوق، وحققوا إنتاجاً قياسياً في مادة البطاطا فاق السبعة ملايين طن، ما حقق اكتفاءً ذاتياً، ولكنه زاد من تكديس هذه السلعة في المخازن. ويؤكد رئيس شعبة البطاطا لولاية الوادي، بكر حامد غمام، أن إنتاج البطاطا في ولاية الواد بلغ نحو مليون و300 ألف طن هذا العام، على مساحة إجمالية تقدّر بنحو 37 ألف هكتار، بين البطاطا المتأخرة والموسمية. ويقول ل"العربي الجديد"، إن مساهمة ولايته في الإنتاج الوطني للبطاطا، هذا العام وصل إلى 25%، مشيراً إلى أن الفلاحين يعولون على بلوغ نسبة 50% من الإنتاج الوطني للبطاطا بنوعيها المتأخرة والموسمية خلال أشهر نوفمبر ، وديسمبر من العام الحالي، ويناير ، وفبراير من العام المقبل، بالنظر إلى أن الإنتاج اليومي هذا العام، بلغ بين سبعة آلاف إلى ثمانية آلاف طن. .. غياب التنظيم وبحسب غمام، يواجه الفلاحون العديد من العراقيل الخاصة بعمليات تصدير إنتاجهم، أبرزها وجود أزمة تنظيم، في ظل غياب الخطط الخاصة بالاستيراد والتصدير. إذ إن الحكومة تفتقد إلى استراتيجية واضحة في هذا الإطار، كما أن ثقافة التصدير خارج قطاع المحروقات تعتبر ثقافة جديدة عليها، في ظل تداعيات الأزمة المالية الناجمة عن تراجع أسعار النفط. يقول غمام: "إن الفلاحة في الجزائر غير منظمة، رغم الطفرة ووفرة الإنتاج التي شهدتها سلعة البطاطا مقارنة بعامي 2008-2009، إذ كان الإنتاج لا يتعدى مليوني طن سنوياً تقريباً، وكان عدد الولايات المنتجة لا يتجاوز 26 ولاية، وبفضل وعود الوزارة وتشجيعها، وإقامة العديد من البرامج، قفز عدد الولايات المنتجة للبطاطا إلى 32 ولاية". ويستدرك غمام أن هذه الوفرة في الإنتاج كانت كارثة على الفلاحين الذين اضطروا إلى بيع محاصيلهم بسعر أقل من نصف كلفة إنتاجها، حيث وصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى 10 و15 سنتاً بسبب سوء التنظيم وغياب نظام الضبط. إذ كانت المؤسسة المتوسطية للتبريد في حالات وجود عرض كبير تقوم بامتصاص الفائض وتخزينه لتخرجه في حالة ندرة المنتج. ويقول غمام: "قامت المؤسسة المتوسطية بعكس ما كان يفترض بها القيام به، حيث امتنعت عن تخزين الفائض واستقبال إنتاج الفلاحين، وعملت على إخراج مخزونها إلى السوق، متجاهلة بذلك مهمتها المتمثلة في المحافظة على توازن واستقرار السوق خدمة للمنتج والمستهلك معاً". ويضيف: "أثّر هذا التصرف سلباً على المنتج بشكل غير مسبوق، كما أن دور كل من وزارة التجارة مع المصدّرين، ودور الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية، لا يرقى إلى المستوى المطلوب".