يواصل صلاح الدين بصير النجم المغربي في هذا الجزء الثاني من الحوار الذي خصّ به “الهداف”، الحديث عن مشواره الكروي مع تجربته الاحترافية في “لاكورونيا” وسرّ فشلها، كما يتطرّق للمباراة المقبلة بين الجزائر والمغرب ويدعو لتحكيم العقل وتجاوز المشاكل السياسية الموجودة والتركيز فقط على كرة القدم، للحفاظ على العلاقات التاريخية الرائعة التي تجمع الشعبين الشقيقين. «إنتقال بلحاج إلى قطر صدمني وعليه أن يعود إلى أوربا قبل فوات الأوان” «زياني رائع لمّا يكون في أحسن مستواه وليس كما رأيته في المباراة الأخيرة” «لم أفهم لِمَ الجزائريون يقلّلون قيمة ما يقوم به غزال، أعتقد أن البعض كان قاسيا معه” «قبل ثلاثة أشهر رشّحت الجزائر، والآن غيّرت رأيي وأسود الأطلس هم المرشّحون” «ڨيريتس يُشعر اللاعبين بالثقة ويمنحهم القوة والإرادة” عندما تعود وتفكّر في السنوات الأربع التي قضيتها في “لاكورونيا” مع نادي “ديبورتيفو”، ألا تلوم نفسك على البقاء طيلة هذه المدّة دون أن تلعب كثيرا؟ أكيد أنه اليوم لديّ بعض الحسرة والأسف على بقائي كلّ تلك الفترة مع “لاكورونيا”، لقد كان بإمكاني البحث عن نادٍ آخر يمنحني فرصة أهمّ وأكبر للعب. وبالعودة للوراء لن أتردّد في القول أني ارتكبت خطأ كبيرا بالبقاء طيلة هذه الفترة مع هذا النادي مادمت لم ألعب إلا كثيرا معه. الأمر لم يكن سهلا بالنظر للمنافسة الكبيرة التي وجدتها هناك؟ ربما، لكن المنافسة الشريفة ليست هي ما كانت تخيفني، لكن أعتقد أني كنت ضحية خيارات مدرّبي في تلك الفترة (المدرب كاباريتا)، هذا المدرب كان معروفا بتحيّزه لأبناء بلده لهذا كان يدفع دائما باللاعبين الإسبان ويمنحهم الأولوية على حساب اللاعبين الأجانب. كان عليّ أن أستوعب مبكّرا أني لست مُرحّبا به في فريقه، لكني كابرت وقرّرت أن أكافح في انتظار أيام أفضل. الأمور لم تكن سهلة خاصة أنه في تلك الفترة لم يكن يسمح سوى لثلاثة لاعبين أجانب باللعب، وكنا خمسة في تلك الفترة، الأمور كانت أصعب ممّا هي عليه الآن. لكن ما الذي دفعك للبقاء هناك رغم كل هذا؟ لم أكن أدرك أني سأضيّع وقتي في تلك الفترة، كنت أقول بأني في واحد من أفضل الأندية الإسبانية والأوربية أيضا، لقد كنا أبطال إسبانيا وقتها متقدّمين على الريال و«البارصا”، كنت أريد رفع التحدّي وأن أكافح حتى أبرهن بأني أملك مكانتي في المستوى العالي. الوقت كان يمرّ دون أن ندرك الحقيقة وبأنني بصدد تضييع فرص حقيقية لعيش لحظات أفضل وأمتع كان من الممكن أن نعيشها في مكان ونادٍ آخرين. لو يرجع بك الزمن إلى الوراء، ماذا كنت تفعل؟ سأغادر الفريق دون تردّد، أنا الذي كابرت وأردت بمرور الوقت أن أفرض نفسي في محيط كان يمكن وصفه بأنه كان معاديا لي، كثيرون من المقربين لي نصحوني بالرحيل وتغيير الأجواء، بعض زملائي مثل جالمينا وفلافيو ألحا عليّ بالتحوّل إلى ناديي تنيريفي وإشبيلية اللذين كانا يلحان في طلب خدماتي، ارتكبت حماقة بعدم الاستماع لنصحائهما وفوّتت على نفسي فرصة اللعب مع هذين الناديين اللذين كانا يطلباني بقوة. لِمَ رفضت تغيير الأجواء؟ كان نوعا من الكبر والتعالي، رفضت اللعب في فريق من القسم الثاني بحجة أنني كنت لاعبا دوليا في المنتخب المغربي، وفكّرت وقتها في كلّ المغاربة الذين كان من الصعب عليهم تقبّل الأمر مع انتقالي إلى نادٍ من الدرجة الثانية، وكان هذا حتما تفكيرا خاطئا لأنه كما قلت منذ قليل لو يرجع بي الزمن فلن أقع في الخطأ نفسه وكنت سأنتقل إلى نادٍ أقل شأنا من “لاكورونيا” بصفة عادية جدا، كان هذا سيغيّر حتما مسيرتي الكروية، لكن للأسف لا يمكنني أن أعيد عجلة التاريخ للوراء. حاليا بعض اللاعبين الدوليين الجزائريين يعيشون الوضعية نفسها، ما عليهم فعله حسب رأيك؟ عليهم أن يغادروا أنديتهم هذه وبسرعة، عليهم أن يدركوا أنهم يضيّعون وقتهم، اللاعب إذا لم يلعب بصفة منتظمة فهذا يعني أنه في النادي الخطأ، وعليه أن يبحث عن نادٍ آخر يمنحه فرصة إظهار مهاراته. .. حتى لو يتعلق الأمر بنادٍ أقلّ مستوى؟ ما يهمّ في حياة لاعب كرة القدم هو المتعة التي يجدها فوق الميادين، لاعبون كثر لا يملكون الجرأة والشجاعة ليقولوا كفى لوضعية مماثلة، خاصة إذا كانوا في أندية كبيرة ويحصلون على مرتّبات عالية، من الممكن أن يجمعوا ثروة معتبرة لكنهم سيكتشفون لاحقا أنهم فوّتوا على أنفسهم فرصة تحقيق مسيرة جيّدة ومشوار أهم. أنا أعني جيّدا ما أقول لأني عشت جيّدا هذه الوضعية في “لاكورونيا”.. وصدّقوني من الصعب جدّا على لاعب العودة في حال ما بقي بعض الوقت بعيدا عن المنافسة، خاصة في بطولة مثل “الليغا” أين البقاء في مقاعد البدلاء لمبارتين فقط هو إنذار حقيقي بالنسبة لكلّ لاعب. كيف يمكن للاعب شاب أن يُدرك هذه الحقيقة؟ من النادر جدا أن نُدرك هذه الحقيقة في فترة الشباب، ولأجل ذلك يجب أن نكون على استماع لأفراد العائلة أو الأقارب أو نطلب النصيحة من أهل الاختصاص، ليس من السهل أن نسيّر مشوارا لوحدنا واللاعب الذي يغلق أذنيه أمام النصيحة من الناس الذين يريدون مصلحته سيجد نفسه منعزلا وسيضيع في عالم الاحتراف الذي لا يرحم. لنتحوّل الآن إلى المواجهتين المقبلتين بين الجزائر والمغرب في التصفيات الإفريقية، ماذا يمكن أن تقول عنهما حاليا؟ قبل ثلاثة أشهر، كنت أرى في الجزائر المرشّح الأول والأقوى عن هذه المجموعة خاصة مع كلّ الشكوك التي كانت تحوم حول مستقبل المنتخب المغربي، الآن غيّرت رأيي بعد أن تغيّرت المعطيات، وأرى بأن “أسود الأطلس” يملكون الآن حظوظا وافرة من أجل افتكاك تأشيرة التأهل. هل تضع المغرب مرشّحا بالنسبة للمباراة المقبلة في شهر مارس؟ نعم، وهذا بالنظر للمردود الذي قدّمه المنتخب المغربي في المباراة الودية أمام إيرلندا وقبلها في مباراة تنزانيا. المغرب صارت المرشّح الأول وهذا مع “الديناميكية” الجيدة التي تميّز اللاعبين المغاربة والتي بدأت مع مباراة تنزانيا وامتدت مع وصول المدرب “إيريك ڨيريتس”.. هناك العديد من المؤشرات تدل على نهضة وصحوة الكرة المغربية مع فوز وتتويج الفتح الرباطي أيضا بكأس “الكاف”، حتى وإن كانت كرة القدم ليست علوما دقيقة، لكنها تبقى مؤشّرات جد إيجابية. ماذا يمكن أن يُضيف المدرب “ڨيريتس” للاعبين المغاربة؟ «ڨيريتس” فرض شخصيته في الفريق، اللاعبون يحسّون أنفسهم في أمان وثقة وقوة أكبر مع مدرب بمستواه، يعرفون الآن أنهم مع طاقم فني عالمي، خطابته ومنهجيته من المستوى العالي تمنح اللاعبين مزيدا من القوة والإرادة. المشاكل السياسية بين الجزائر والمغرب بدأت تُثير مخاوف محبي كرة القدم، ألست متخوّفا أن يتكرّر ما حدث بين الجزائر ومصر؟ يجب أن نعرف كيف نفصل بين الأمور، الرياضيون بعيدون عما يحدث مع هذا، نخشى أن يورّطنا السياسيون، وعلينا نحن أن نضع الصداقة الكبيرة التي تجمع بين شعبي البلدين في المقام الأول، ونبيّن كم هو الجزائري إنسان عزيز ومحبوب في قلوب المغاربة والعكس صحيح. من جهتي لا أتصوّر تماما أن “سيناريو” الأحداث التي وقعت بين الجزائر ومصر سيتكرّر معنا، لسبب بسيط وهو أن العلاقات بين الشعبين الجزائري والمغربي قوية وجيّدة وما يجمعنا كثيرا سواء اللغة أو الثقافة، لا أري كيف يمكن أن يحدث معنا ذلك. عن نفسي أقول إني متفائل بأن الأمور ستمرّ بسلام. كيف تقيّم المستوى الحالي للمنتخب الجزائري؟ أقول بأن المنتخب الجزائري لازال بنفس الحرارة التي ميّزته خلال التصفيات “المونديالية” وحتى خلال “المونديال” كما فعل أمام منتخب إنجلترا. نشعر أن هناك بعض التساهل ونقص في الحافز لدى اللاعبين بعد وصولهم للقمة، والشيء المُزعج في هذا المنتخب هو أنه لم يقدر على الحفاظ على “الديناميكية” التي ميّزته.. شخصيا لاحظت أن المنتخب الجزائري فقد بعضا من قوّته وهذا ما يجعلني أمنح الأفضلية للمنتخب المغربي في المواجهة المقبلة لشهر مارس، وسنتأكد من ذلك يوم المباراة. نعرف أنك تقدّر كثيرا بلحاج وزياني في المنتخب الجزائري، فما هو رأيك بخصوص تحوّل بلحاج للعب في قطر؟ صحيح أقدّر كثيرا زياني بنفس الدرجة مع بلحاج وأعتبرهما من الركائز الأساسية في المنتخب الجزائري، وصدقني أني كنت مصدوما لمّا علمت بقرار احتراف بلحاج في قطر، لاعب بمستواه ما كان عليه أن يضيّع نفسه باللعب في بطولة بذلك المستوى، في وقت كان أمامه سنوات أخرى للعب في المستوى العالي، لا أقول بأن مستوى بطولة قطر سيّء، لكنني أعتقد جازما أنه لن يستفيد شيئا من اللعب هناك. إبعاد بلحاج من المنتخب ليس إلا حقيقة الميدان التي تتحدّث، عليه أن يعود سريعا إلى أوربا قبل فوات الأوان بالنسبة له، هذا ما كنت أتحدث عنه منذ قليل. اللاعب الذي لا يأخذ بنصائح مقرّبيه سيقع حتما في أخطاء مماثلة، وأتمنى أن يجد ناديا أوربيا بأسرع وقت، فهو مازال شابا. هل هناك من لاعبين مُعجب بهم بالإضافة ل زياني وبلحاج؟ عندما أتكلم عن زياني فأنا أتحدّث عن كريم زياني في أحسن مستواه وليس ذلك الذي شاهدته خلال المباراة الأخيرة، زياني عندما يكون في أحسن مستواه، عندما يقدّم المهارات التي نعرفها عنه.. هناك أيضا اللاعب غزال الذي يعجبني كثيرا، لم أفهم لماذا الجزائريون يقلّلون من شأن المجهود الذي يبذله في مختلف المباريات مع منتخبهم، اللاعب لا يمكن أن يكون سيّئا حتى في حال ما لم يسجّل حتى وإن تعلق الأمر برأس حربة. العمل الذي يقوم به غزال فوق الميدان هام جدا، وأعتقد أن بعض الأشخاص كانوا قاسين معه وتنكّروا لما قدّمه. بالنسبة لي غزال يبقى لاعبا مميّزا ويستحق الدعم والإشادة والتشجيع. أمنيتك التي نختم به حوارنا معك؟ أن تمرّ المبارتان بين المغرب والجزائر في أجواء أخوية، وأتمنى أن نبعد المشاكل السياسية ونهتمّ فقط بكرة القدم واللعب الجميل، والأحسن هو الذي يفوز. سيكون من المُحزن جدا أن تتداخل السياسة وتعكّر الأجواء الأخوية بين الشعبين الشقيقين، سيكون من الرائع أن يتفوّق الرياضيون على السياسيين هذه المرّة.