احذر أن تكون من هؤلاء: ترى أحدهم حريصًا على دنياه حتى يكاد يسجد لأهل الدنيا طمعًا فيما في أيديهم، مستعدًا لتقديم الكرامة قربانًا لنيل الدنيا والشرف هبة لرفع المنصب وماء الوجه عطية للحصول على مال زائد أو رفاهية مبالغ فيها. فرقٌ كبير! بين من تواضع لله وهو قادر على الكِبر والمباهاة وبين من تواضع ذلًا لنيل عرض من الدنيا لا يسوى شيئًا وسرعان ما سيزول. قال ابن القيِّم في كتاب الروح: "ومِن التَّواضُع المذموم: المهانة. والفرق بين التَّواضُع والمهانة؛ أنَّ التَّواضُع: يتولَّد مِن بين العلم بالله سبحانه ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله، وتعظيمه ومحبَّته وإجلاله، ومِن معرفته بنفسه وتفاصيلها وعيوب عملها وآفاتها، فيتولَّد مِن بين ذلك كلِّه خُلُقٌ هو التَّواضُع وهو انكسار القلب لله، وخفض جناح الذُّل والرَّحمة بعباده، فلا يرى له على أحدٍ فضلًا، ولا يرى له عند أحدٍ حقًّا، بل يرى الفضل للنَّاس عليه، والحقوق لهم قِبَلَه، وهذا خُلُقٌ إنَّما يُعطيه الله عزَّ وجلَّ مَن يحبُّه ويُكرمه ويُقرِّبه. وأمَّا المهانة: فهي الدَّناءة والخِسَّة، وبذل النَّفس وابتذالها في نيل حظوظها وشهواتها، كتواضع السِّفَل في نيل شهواتهم، وتواضع المفعول به للفاعل، وتواضع طالب كلِّ حظٍّ لمن يرجو نيل حظِّه منه، فهذا كلُّه ضِعَةٌ لا تواضع، والله سبحانه يحبُّ التَّواضُع، ويبغض الضِّعَة والمهانة، وفي الصَّحيح عنه: «وأُوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحدٍ، ولا يبغي أحدٌ على أحدٍ» (رواه مسلم: [2865] مِن حديث عياض بن حمار رضي الله عنه).