تنطلق اليوم المشاورات حول مسودة "عزوز كردون" لتعديل الدستور، وسط استقطاب حاد بين السلطة ومن يدور في فلكها من الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية، وبين من قرروا عدم الاستجابة لدعوة أويحيى، مدفوعين بهاجس الخوف من تكرار التجارب السابقة. وكانت رئاسة الجمهورية أعلنت أن الدعوات التي وجهها وزير الدولة مدير الديوان برئاسة الجمهورية، أحمد أويحيى، للطبقة السياسية، لقيت استجابة من قبل 52 حزبا من بين 64 حزبا وجهت لهم الدعوة، وثلاثين شخصية من بين 36 وجهت لها الدعوة، وجميع المنظمات والجمعيات الوطنية ال37 ، فضلا عن 12 أستاذا جامعيا. ولم يشر بيان الرئاسة الذي أوردته في وقت سابق وكالة الأنباء الجزائرية، إلى هوية الأحزاب والشخصيات الوطنية التي لبت الدعوة، غير أن كل الأحزاب الكبيرة وجل الشخصيات الوطنية، حسمت أمرها، بين مؤيد ومعارض. ففي الوقت الذي اختارت فيه الأحزاب المحسوبة على السلطة، مثل الأفلان والأرندي، أو تلك التي تتحرك بالقرب منها في صورة حزب العمال وجبهة المستقبل والجبهة الوطنية بدرجة أقل، اختارت خيار المشاركة، نأت بنفسها الأحزاب الموصوفة بالمعارضة، على غرار حركة حمس والآرسيدي والنهضة وجبهة العدالة والتنمية والأفافاس. وتعود ملامح هذا الفرز أو بالأحرى الاستقطاب، إلى مرحلة ما قبل الرئاسيات المنصرمة، فجل الأحزاب التي شاركت في الاستحقاقات الأخيرة، انخرطت في مسعى السلطة الرامي إلى إرساء "دستور توافقي" بناء على مشاورات مع الشركاء السياسيين، يشرف عليها واحد من المحسوبين على توجه لا يؤمن بإشراك الآخر فيما تريد السلطة فعله، بحسب ما تعتقده المعارضة. أما الأطراف السياسية التي اختارت نهج المقاطعة، فهي تلك التي رفضت المشاركة في الانتخابات الأخيرة، بحجة أن ذلك المسعى حسم مسبقا، ومن ثم فهي ترفض التعاطي مع نتائجه، بدءا بتعيين مدير الديوان بالرئاسة، أحمد أويحيى، مشرفا على المشاورات، وانتهاء بعدم الاعتراف بخطوات السلطة في الذهاب لدستور تستبعد المعارضة أن يكون "توافقيا" بحسب ما تقول السلطة. ولعل مما عزز صف المعارضة ووضعها في أريحية، هو انضمام طرف شارك في الانتخابات الرئاسية، ممثلا في شخص الأمين العام الأسبق للأفلان، علي بن فليس، ومن سانده من الأحزاب في الرئاسيات، وهو ما وسع من دائرة المقاطعين، حتى وإن لعبت السلطة على وتر التأثير على موقف بعض الأحزاب المقاطعة، من خلال دعوة شخصيات حزبية، مثل رئيس حمس السابق، أبو جرة سلطاني للمشاركة، دعوة وإن حاول البعض إعطاءها "الطابع الشخصي"، إلا أن المغزى الحقيقي منها، بحسب متابعين، يبقى محاولة شق صف كبرى الأحزاب المقاطعة، وهي الحالة التي تكررت أيضا مع الأفافاس من خلال دعوة أحد أبرز وجوهها للحوار، بالرغم من مقاطعة حزبه. قد يبدو مستبعدا في ظل هذه المعطيات، نجاح السلطة في تحقيق هدف "الدستور التوافقي" الذي تحدث عنه الرئيس بوتفليقة في خطابه الذي أعقب أداءه اليمين الدستورية للعهدة الرابعة، غير أن معطى غياب المعارضة عن المشاورات، لا يمكن أن يحول دون إقامة دستور ينال رضى الجميع، إذا توفرت الإرادة لدى السلطة التي تدرك تماما ما تريده المعارضة، طالما أن بحوزتها كافة المقترحات التي قدمتها الطبقة السياسية لعبد القادر بن صالح الذي أشرف على المشاورات التي انتظمت في صائفة 2011.