التيفوئيد.. السل.. الملاريا.. الكوليرا وحتى الطاعون أجمع أخصائيون في الطب على أن نسبة الإصابة بالأمراض المعدية في الجزائر تعرف ارتفاعا كبيرا، على غرار مرض السل الذي انتشر بشكل مخيف، كما أوضحوا بأن نسبة كبيرة من الجزائريين مهددون اليوم بالإصابة بأمراض مختفية وأوبئة خطيرة، هذا في وقت تجري مشاورات حول تعديل قانون الصحة، وتطلق مشاريع نقل النفايات ونظافة المحيط. يصف الأخصائيون الوضع الصحي للجزائريين اليوم ب"الخطير"، نتيجة الحالات المرضية المسجلة يوميا وعدد الوفيات المتزايد، حيث صرح الدكتور عبد القادر مكيد من مصحة الأمراض المعدية ببوفاريك ولاية البليدة، في اتصال ب«الخبر"، أن المصحة الجهوية تستقبل يوميا أعدادا هائلة من المرضى، وتسجل أرقاما مرعبة من الوفيات أسبوعيا بسبب الأمراض المعدية، موضحا "الوضع تفاقم كثيرا، خاصة بالنسبة لمرض السل الذي أصبح المصاب به يأخذ الدواء ويغادر، أي لا يمكث بالمستشفى لكثرة حالاته". وأضاف الدكتور أن غالبية المرضى يأتون في حالة متقدمة من المرض خاصة الأطفال، وهو ما يجعل العدوى سريعة الانتقال وتكلفتها باهظة، أمام النقص الفادح في الأدوية مقارنة بالحالات الكثيرة التي تصل إلى المصحة، وأشار أيضا إلى أن تزايد هذا النوع من الأمراض المعدية يعرف بالمقابل تزايدا في نسبة الأمراض النفسية. الجنوب بؤرة الخطر من جهته، أكد الدكتور إلياس أخاموس، مختص في الأمراض المعدية، في اتصال ب"الخبر"، أن بعض الأمراض المختفية قد بدأت فعلا في الظهور من جديد في الجزائر مثل الطاعون الذي ظهر في وهران سنة 2003، بالإضافة إلى تزايد حالات الإصابة ببعض الأمراض التي كانت محدودة كمرض السل الذي يتضاعف يوميا الآن. وأضاف أنه لا داعي لاتهام المهاجرين الأفارقة بنقل الأمراض لأن الأمر داخلي، موضحا "الجنوب الجزائري منطقة شبه استوائية، وهي مهددة بانتشار أمراض معدية واحتمال عودة مرض "الملاريا" وارد جدا"، كما أوضح بأن الجزائر تعرف انتشارا كبيرا للبعوض والحشرات نتيجة انعدام النظافة، وهو ما يساهم في انتشار الأمراض وتفشيها. وشدد المختص إلياس أخاموس على أنه من الضروري الإسراع في فتح مركز مرجعي لما أسماه "الأمراض الاستوائية" بالجنوب الجزائري الذي تمسه ظاهرة الاحتباس الحراري بشكل كبير، خاصة عبر الحدود المالية والنيجرية، مصرحا "يجب فتح المركز وتنظيم أيام علمية ودراسية بالتعاون مع مختصين من أوروبا لمواجهة الوضع المتفاقم"، وهذا إلى جانب حملات التوعية والابتعاد عن التعتيم الإعلامي الكبير لهذا الواقع. انتشار الأمراض سيتحول إلى "وباء" الدكتور بركاني بقاط، رئيس عمادة الأطباء، في اتصال ب"الخبر"، لم يستبعد عودة الكوليرا والتيفوئيد والطاعون وغيرها من الأمراض القاتلة التي تنتشر عبر المياه القذرة الذي تغرق بها الشوارع اليوم، مؤكدا "هذه الأمراض بكتيرية تنتقل بسرعة ومعدية ويمكن تحولها إلى وباء حقيقي". وصرح بركاني أن المحيط الملوث يشكل مصدر الإصابة بسرطان الرئة والقصبات الهوائية الذي يعرف انتشارا كبيرا في الجزائر، بالإضافة إلى سرطان الأمعاء الذي يسببه الأكل غير المراقب، وخاصة المصبرات والملونات التي تستعمل في الحلوى الموجهة للأطفال. وقال المتحدث ذاته "على الدولة الإسراع في اعتماد الوقاية من أجل تقليص حالات السرطان التي تبلغ 40 ألف إلى 50 ألف حالة تظهر كل سنة"، موضحا "الإمكانات الحالية لا تسمح بالتكفل بهذا الرقم الكبير من الإصابات، خاصة أن 50 بالمائة من ميزانية المستشفيات تذهب في الأدوية ضد السرطان، وهو ما جعلها تغرق في الديون قبل أن تقرر الدولة مسحها مؤخرا"، مضيفا أن أغلب الحالات تتوفى بعد سنة أو سنتين من العلاج لأنها تكتشف المرض في مرحلة متطورة. يجب إعلان حالة طوارئ وبعيدا عن الإجراءات الحكومية التقليدية، دعا المختصون إلى إعلان حالة طوارئ حقيقية والتجند لإيجاد حلول عملية وفورية لاحتواء الوضع المتفاقم، حيث طالب الدكتور بركاني بقاط بالإسراع في اعتماد مبدأ "النظافة القاعدية" القائمة على نظافة المحيط بكل المدن بما فيها الكبرى التي تغرق في الأوساخ والمياه القذرة، مضيفا "اليوم المياه متوفرة ومع ذلك حتى النظافة الشخصية منعدمة، وأصبح شرب قهوة بمطعم يدخلك المستشفى". كما طالب المتحدث بضرورة رفع "الوقاية" إلى رتبة وزارية أو وزارة منتدبة تشارك فيها كل الوزارات الأخرى، مشيرا إلى أن قانون الصحة الجديد لن يغير شيئا في الوضع الحالي كون المشكلة الحقيقية تكمن في التطبيق. 10 سنوات بلا تقارير من جهته، أوضح رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية، إلياس مرابط، في اتصال مع "الخبر"، بأن مراجعة قانون الصحة ضرورية نتيجة تغير الوضعية الوبائية، فاليوم يتم الحديث عن الأمراض المزمنة وحالات السرطان والأمراض الهرمونية وزرع الكلى وغيرها، غير أن الوضع الصحي اليوم يحتاج بالمقابل إلى اتخاذ إجراءات استعجاليه وسريعة من قبل الوزارة، منتقدا غياب تقارير سنوية حول الوضعية الوبائية بالبلاد "من المفروض أن تقدم وزارة الصحة تقريرا شاملا كل سنة عن الوضع الصحي، غير أن هذا التقرير لم ينشر منذ أكثر من 10 سنوات"، وهو الأمر الذي يحول دون تقديم أرقام دقيقة وشاملة عن التهديدات الحقيقية التي يجب التصدي لها، بخلاف دول العالم التي تقدم سنويا تقاريرها المفصلة لمنظمة الصحة العالمية التي تصدر بدورها تقريرا عاما للوضع الصحي العالمي. من جانب آخر، أكد المختص عبد القادر مكيد على ضرورة وضع حد لهذه الأمراض التي أصبحت تقضي على الجنين في بطن أمه، قائلا: "الحل لن يأتي أبدا من الوزارات أو الدولة بمفردها، لو قدمنا كل يوم برنامجا للوزارة ونظمنا كل يوم لقاء فلن يتغير شيء، إلا إذا تحركت القاعدة الشعبية وفهمت أن حياتها في خطر"، داعيا إلى تخلي المواطن عن فكرة الرحيل في تعامله مع الحي، وينبغي عليه النظر إلى الأمور بفكرة التنمية المستدامة وجيل المستقبل، معتبرا أن استغلال فاتورة الدواء التي تكلف الخزينة الملايير في النظافة سيكون أفضل بكثير. من جهة أخرى، طرح السيد عبد المجيد سي بشير، رئيس لجنة الصحة وحقوق المريض بأكاديمية المجتمع المدني، في اتصال ب«الخبر"، مشكلة التسيير والتنظيم على مستوى مستشفيات العاصمة التي تغرق في الفوضى في وضع صحي جد متوتر، معتبرا الفرق شاسعا بين النصوص القانونية المثالية والواقع الحالي، وقال المتحدث: "الدولة أنفقت الملايير من أجل عصرنة نظام المعلومات بالمستشفيات القائم على الحاسوب، غير أن مستوى الخدمات بقي متدنيا لا يتم فيه تحديد حتى عدد الأسرّة المتاحة وكمية الأدوية المتوفرة". الجزائريون "يربون" الجراثيم اعتبر حسان منوار، نائب رئيس الفيدرالية الوطنية لحماية المستهلك، أن الجزائريين أصبحوا "يربون" الجراثيم ويوفرون لها وسائل الانتقال والانتشار، مشيرا إلى المدارس والمساجد باعتبارها الأكثر حساسية، قائلا "على مستوى المدارس حيث يكون الأطفال الأكثر تحسسا للأمراض، مازالت دورات المياه غير مجهزة، ولا تحتوي حتى على الصابون لغسل اليدين، ونفس الشيء للمساجد حيث يحصل احتكاك كبير بين المصلين". وذكر المتحدث أن هذين المكانين بؤر حقيقية لانتقال العدوى، مشيرا إلى وضوء آلاف الأشخاص في نفس الحوض ببعض المساجد، وتداولهم على إناء الغسل، والاكتفاء بغسل السجاد مرة في الأسبوع، علما أن هذه الأمراض تنتقل بالتنفس. وأثار المتحدث نقطة النظافة في المطاعم، محملا المراقبين مسؤولية ما يحصل من تجاوزات، لاكتفائهم بكتابة الرسائل والتقارير عن المخالفات وعدم اتخاذهم إجراءات عقابية فورية قاضية بالغلق، مستغربا وصول المجتمع الجزائري إلى هذه الدرجة من اللامبالاة، معلقا "من العيب علينا الحديث عن حالات السل المتفاقمة في 2014، سنكون مسخرة في تقارير منظمة الصحة العالمية". "ايڤرسافن" كسبت التحدي أثبت 3 آلاف مواطن بقرية "ايڤرسافن" بدائرة بوزڤان ولاية تيزي وزو، بعد سنة ونصف فقط من العمل، أن الحلول العملية تبدأ دائما من السكان، وأنهم قادرون فعلا على حماية أنفسهم من شبح الأمراض المعدية التي تتغذى على التلوث. وفي هذا يقول زهير مسعودن، أحد سكان القرية: "الموضوع بدأ بفكرة، ونجحنا في تطبيقها، اليوم أسسنا شركة صغيرة لجمع النفايات وعزلها، وعممنا الحاويات بكل الأحياء ووضعنا قانون القرية ونحضر لإصدار كتاب عنها". وتعكس القرية اليوم نموذج دولة أوروبية مصغرة، يتم فيها فصل النفايات البلاستيكية عن الورقية وبيعها لاحقا، وتزيين طرقاتها ومراكزها بالألوان وتنظيفها بصفة دورية. ويملك كل حي رئيسا، ومن كل عائلة ممثلا، كما يفرض قانون القرية غرامات مالية على المخالفين، يتم تطبيقها بصرامة. ولا يتوقف القانون عند النظافة وحماية المحيط فحسب، وإنما يمتد إلى استغلال المياه ومحاربة التبذير من خلال تحديد كمية الاستهلاك التي لا يتم تجاوزها، وقيمة الغرامة عن كل لتر في حال التجاوز، ما يؤكد حقيقة أن التغيير ممكن إذا توفر الوعي الكافي والإرادة الحقيقية. س.ج الإدارة تشترط تقديم بطاقة الهوية العلاج بمركز بيار وماري كوري لمرضى العاصمة فقط ندرة في الأدوية وتوقف العلاج الإشعاعي في عدة مراكز كشفت رئيسة جمعية "الأمل" لمرضى السرطان، السيدة حميدة كتاب، أمس، أن مركز بيار وماري كوري يقدم العلاج لمريضات سرطان الثدي اللواتي يقطن في العاصمة فقط ويشترط إظهار بطاقة الهوية الوطنية مع تسليم نسخة منها للإدارة قبل الشروع في العلاج، ويمنع استقبال مرضى من خارج العاصمة. وقالت المتحدثة، أمس، على هامش "فوروم" جريدة "ديكا نيوز"، إن هذه الوضعية "الخطيرة" تحدث في وقت توقف العلاج الإشعاعي بمركزي البليدة وورڤلة، وقالت إن مركز بيار وماري كوري "أصبح لا يسعف أشخاصا في حالة خطر". المنتدى الذي نشطه البروفيسور محمد أوكال، رئيس مصلحة الأنكولوجيا بعيادة ببوفريزي في العاصمة، تناول التكفل بعلاج مرضى السرطان ومدى تطبيق المخطط الوطني للسرطان الذي قال بشأنه إنه في آخر مراحله ومن المنتظر البدء في تطبيقه، على أن تعطى الأولوية للمسائل الاستعجالية ومنها العلاج بالأشعة الذي ينتظر أن يشهد تقلصا في تأخر مواعيد بدء العلاج التي بلغت أقصاها في السنوات الأخيرة، ما يجعل العلاج غير مجدٍ، حيث كشف لنا سابقا رئيس مصلحة العلاج الإشعاعي بمركز بيار وماري كوري "أنهم كلما اتصلوا بعائلة مريضة لطلب تقدمها لتلقي علاجها الإشعاعي تلقوا وابلا من الشتائم لأن ذات المريضة أصبحت في عداد الموتى"، حيث بلغ تأخر المواعيد أكثر من 24 شهرا في السنوات الماضية، أما حاليا فقد وصلت مواعيد العلاج المقدمة لمرضى مركز بيار وماري كوري إلى جويلية 2015، رغم تأكيد البروفيسور أوكال على أنه منتظر أن لا تتجاوز مدة الانتظار الشهر أو الشهرين في 2015. يحدث هذا في الوقت الذي يتعذر على المراكز الجديدة التي فتحت مؤخرا مثل مركزي قسنطينة وباتنة تقديم العلاج لمريضات سرطان الثدي بسبب عدم توفر بعض العتاد الخاص بذلك، إلى جانب توقف مركزي ورڤلة والبليدة عن العلاج، ناهيك عن الانقطاعات المتكررة في أدوية العلاج الكيميائي، لتؤكد بالتالي رئيسة جمعية "الأمل" على وجوب التكفل الفعلي بمرضى السرطان الذين يتكاثر عددهم يوميا بالجزائر بدليل تسجيل أكثر من 45 ألف حالة جديدة كل سنة، مشيرة إلى أن المخطط الوطني للسرطان ليس ب«العصا السحرية" التي تعمل لوحدها من أجل ضمان العلاج للمرضى، بل تتوجب مساهمة كل الهيئات الوطنية، منددة بامتناع صندوق الضمان الاجتماعي عن تعويض مصاريف العلاج بالأشعة التي تقدر الحصة الواحدة منه بمليون سنتيم، والمريضة بحاجة إلى 10 إلى 25 حصة من العلاج، رغم "أن ذات المريض دفع طيلة سنوات عمره اشتراكات شهرية منتظمة لذات الصندوق، ليحرم من المقابل عند مرضه حتى أن الكثيرين اضطروا لبيع الذهب وعتاد المنزل لدفع ثمن العلاج للخواص"، في الوقت الذي "يعوّض الصندوق ذاته مصاريف علاج وحتى تنقلات ومصاريف أكل مرضى القصور الكلوي أثناء فترات تصفية الدم التي تتم ثلاث مرات في الأسبوع وعلى مدى الحياة، في حين لن يكون تعويض العلاج بالأشعة لمرضى السرطان سوى مرة واحدة في العمر"، تقول كتّاب.