قديماً قالوا : إن كنت فقيراً فهناك من هم أفقر منك، وإن كنت ضعيفاً فهناك من هم أضعف منك، وإن كنت حزيناً متألماً فاعلم أن هناك من هم أكثر حزناً منك .. الشاهد من الموضوع أن هناك حقيقة واضحة كثيراً ما نتناساها أو ربما ننساها في زحمة الحياة الدنيا، إن أحسنا الظن بأنفسنا .. تلكم الحقيقة تتلخص في أنك لست الوحيد في هذا العالم أو الحياة الذي يعاني فقط ، أو يتألم أو يشعر بالظلم أو يمرض أو يتكدر، أو غير ذلك من مآسٍ أو قساوة العيش .. أقول إنك لست الوحيد ، بل لن تكون الوحيد المظلوم والمتألم والمتكدر، لأنه لو صح رأيك أو زعمك وأنك الوحيد فعلاً، فإنك لم تكن لتصل بك الأمور إلى ما أنت تشعر به الآن؟! أتدري لماذا ؟ سأقول لك لماذا. ليست هناك من حاجة عند أي أحد يعيش حياة هانئة ومنصفة لا قسوة فيها أو ظلم أو كدر، أن يأتي ويظلمك أو يقسو عليك أو يضرك بشيء ، إلا من به خلل في تكوينه النفسي وهذا ليس قاعدة يمكن أن نبني الأحكام وفق تصرفاته، ذلك أن الأصل في الإنسان ألا يظلم غيره ما لم يجد الدافع إلى ذلك، بل لماذا يفعل ذلك ويظلم مثلاً، وهو يعيش تلك الحياة التي نطمح إليها جميعاً ؟ أو هكذا الأصل أو الفطرة السليمة . قد تقول لي بأن هناك من تتوفر فيهم كل تلك الصفات التي ذكرتها ، ولكن مع ذلك يتلذذون بتعذيب الآخرين وتكدير صفو حياتهم.. أليس كذلك ؟ سأقول لك : نعم ، وهذه قصة أخرى أتفق معك عليها. إن مآسينا ومشاكلنا ومظالمنا كلها إنما نتاج لأمراض متغلغلة في نفوس البعض الذي يتلذذ بتعذيب الآخرين. أمراض الحقد والحسد والبغضاء واللؤم والغدر وغيرها كثير.. إنها هي الأمراض التي تتسبب في أن يكون هناك ظالم وقاسٍ ومتجبر وفاحش عنيد، ولو أن القلوب صافية لا غل فيها ولا حسد ولا حقد، والعقول متفرغة للتنمية والإنتاج وخير البشر، لم تكن لتجد ضحايا لأولئك الظلمة والمتجبرين والمجرمين. من هنا أريد أن أصل بكم إلى حقيقة دنيوية، كثيراً ما نغفل أو نتغافل عنها أحياناً، مفادها أن هذه الدنيا هي دار كد وكدر، وتعب ونصب، وإعياء وعدم استقرار، وأن حياةً هذه صفاتها ومظاهرها، فلا عجب أن تجد فيها مرضى قلوب ومرضى عقول، لا همَّ لديهم سوى إلحاق الضرر بالآخرين والانتعاش على حساب كدر الآخرين.. الصبر والتصابر ها هنا إذن هما العلاج الطبيعي لمثل هذه المشاعر إن كنت أحد الذين يستشعرونها ويحملونها.. فلا تنتظر يوماً أن تكون بلا كدر ولا تعب ولا ألم، ولكن كلما صبرت وتصابرت، اشتد إيمانك وقويت إرادتك، وفهمت حقيقة الحياة الدنيا التي ما هي إلا قنطرة لحياة أخروية نتمنى كسب خيرها ونعيمها، وفي ذلك فليتنافس المنافسون لا على غيرها .