في هذا الحوار الذي جمعنا بالخبير الاقتصادي الدولي الدكتور ياسين سامي سعدي، يتحدث عن عديد القضايا، حيث يذكر الأسباب التي فجرت الربيع العربي ولماذا فشل في الجزائر، وعن توقيف المسار الانتخابي في 1992، ومستقبل الديمقراطية في الجزائر، ثم يعرج على أبرز الوجوه في قيادة المعارضة بالجزائر فيبدي رأيه فيها، ثم يتطرق إلى عاصفة الحزم مفسرا ومحللا لخلفياتها وتداعياتها، ويختم بالتشكيك في صحة ما تم ترويجه مؤخرا عن حسابات عمار سعداني البنكية في الخارج لأنها أعدت بطريقة صبيانية. حاوره: يونس شرقي
* كيف ترى المشهد السياسي في العالم العربي ؟
– النخبة أخذت على عاتقها نضالا مستميتا، وتأكدت أن كل المتعاقبين على الحكم قد وصلوا إليه بالاغتصاب لا بالطرق المشروعة، وبالتالي هذه الجماعات الحاكمة التي جاءت بنفس طريقة المستعمر الذي ذاقت ويلاته الشعوب العربية من قبل، مارست نفس الأساليب القمعية والقهرية، فقد غاب الجندي الغربي من دولنا، ولكن خياله (و هو من بني جنسنا) لازال يعامل المواطن العربي بنفس الطريقة وهو ما خلق حالة الكبت التي جعلت الشعب لا ينخرط في حالة المواطنة.
* في رأيك ما هو السبب الذي فجر موجة الربيع العربي ؟
– الربيع العربي أو بالأحرى أسميه الصيف الساخن، لأن الدول العربية والإسلامية تعيش مفارقة رهيبة أو بارادوكس (حيث أن الشعوب شابة تتمكن من نفس أدوات الشباب في الضفة الشمالية للعالم، ولكنها لا تتمتع بنفس الحقوق) وهو ما أجج الواقع المعاش. وبداية من ثورة الياسمين، وقد كنت رافضا لهذه التسمية، حيث أصرُّ على تسميتها بثورة الصبَّار لأنها اندلعت في المناطق المحرومة والفقيرة في تونس، علينا أن نفهم أن الثورة ليست حالة عبثية بل هي فكرة منظمة تمر بمراحل متسلسلة تبدأ بالانفجار ثم السكون ثم الارتداد ثم الثورة المكملة ثم النظام الجديد.
* بالعودة إلى الجزائر، لماذا لم ينجح ما يسمى ب" الربيع العربي" هنا ؟
– هذا القول فيه من الجحود الكثير، لأن الجزائر هي أول بلد عربي وأمازيغي بدأ فيه الحراك الشعبي على مرّ عدة سنوات أهمها، الربيع البربري 1980، أحداث 5 أكتوبر 1988، وتبعات توقيف المسار الانتخابي 1992، وهو ما أنتج لنا انتخابات شفافة تم إلغاؤها، وهو ما أدخلنا في مرحلة تتسم بغياب الديمقراطية الفعلية إلى ديمقراطية صورية، وهو ما أدى إلى تقسيم المجتمع المدني الذي أصبح لا يعبّر عن الإرادة الشعبية.
* لكن توقيف المسار الانتخابي كان نتيجة تخوف من عدم التزام الفيس بالعملية الديمقراطية ؟
– هذا يدخل في سياسة النيّات التي نراها في خصومنا، حقيقة يجب أن نحكم على الملموس وليس غيره، وعلينا الفرز بين الخطاب والممارسة التي كانت تتم في البلديات حيث كان منتخبو الفيس يتعاملون مع كل المشارب السياسية، لكن هؤلاء لم يقبلوا التعامل مع الفيس في وقت لاحق، وها نحن اليوم لازلنا ندفع ثمن ذلك الانقلاب، وعلينا أن نتساءل: هل أولئك الخصوم أنقذوا الجمهورية كما يدّعون ؟
– الحل هو تكريس ممارسة سياسية ديمقراطية تجمع كل أطياف الجسم السياسي الجزائري، بضمانة نصوص قانونية في دولة مؤسسات، ولكن ما دامت الحياة السياسية في الجزائر اليوم عبارة عن مسرحية، فيها البعض يعبرون عن قناعات وهم بصدق يحملون مشاريع، والباقي هم ممثلون فقط يتلاعبون بالأدوار فأنا لست متفائلا.
* هل لك أن تذكر لي من هم أصحاب القناعات الحقيقية ؟
– هناك الكثير من المناضلين والحركات التي لها باع في الساحة للوطنية.
* طيب، ماذا عن الوجوه البارزة التي جنحت للمعارضة، وهم من رجال الدولة السابقين، لنبدأ بسيد أحمد غزالي ؟
– غزالي له مسؤولية سياسية وأخلاقية لما حدث في العشرية الصعبة، فلو استقال بعد انقلاب جانفي 1992لكان صاحب مصداقية، لكنه سوَّق لمشروع الانقلاب لدى الرأي العام العالمي، ولو لم يكن في هذا المسار لكان من حقه المعارضة.
* وماذا عن علي بن فليس ؟
بن فليس يبرئ نفسه من هذه المرحلة، لكنني أتساءل: لماذا لم يبرر موقفه ساعتها في رسالة للشعب الجزائري ؟ ولماذا سكت كل هذه السنوات ؟ ولماذا يبرر اليوم فقط استقالته؟، ولكنه نطق بعد حمام من الدماء، أنا أربط هذا الكلام بمصداقية معارضته للنظام الحالي، وعليه مصارحة مناصريه وأقول له إن مخاطبة الشعب لا تكون بطريقة سريّة.
* وعن رئيس الحكومة السابق، مولود حمروش؟
– لقد اعترف بنفسه أنه ابن النظام، وهو يملك قراءة صحيحة للواقع الجزائري، وطلبه لضمانات من الجيش هو إقحام للجيش فيما لا يعنيه، فالدستور يقول إن الجيش له مهام غير سياسية، ومن يريد ممارسة السياسة عليه المناداة بالدولة المدنية لا دينية ولا عسكرية.
* إذن، كيف ترى معارضتهم للنظام ؟
– هؤلاء لا يسعون للتداول على السلطة وإنما للتنافس عليها
* لكن، ما هو البديل عن هذه المعارضة التي تشكك في مصداقيتها ؟
– إذا قمنا بمسح للخارطة السياسية في الغرب، فالنرويج أو السويد نجد معدل عمر حكامها لا يتجاوز 40 سنة، ونحن في الجيل الثالث للاستقلال يجب علينا الانتقال نحو تسليم المشعل إلى جيل يفهم تحديات العصر ويواكبها، لأعطيك مثلا عن شركة Google، فدخلها وهي لا تنتج إلا المعلومة التي هي وقود التكنولوجيا الجديدة، هو أكثر من دخل الشركات البترولية عندنا، ولكن عندما نرى أشخاصا سبعينيين، يجب أن نقول لهم شكر الله سعيكم، حتى لا نخسر معركة تحويل المشعل من جيل إلى جيل.
* هل ترى أن الساحة السياسية الجزائرية عاقرة اليوم ؟
– هي ليست كذلك، ولكن عقلية الديناصورات الحاكمة هي التي أنستهم أنه توجد كائنات تستطيع السباحة، إنه جيل التكنولوجيا.
– الخلل يكمن في احتكار جيل الثورة للحكم بعقلية الوريث الشرعي والوحيد، وأكبر خلل عشناه هو فشل المنظومة التربوية والتي يُحسب عليها رداءة هذا الجيل، حيث كان حجرها الأساس على أرضية غير صالحة للبناء والبَنَّاء لم يكن مختصا.
* تقصد النقاش الذي اشتعل بين عبد الله شريط ومصطفى الأشرف في ما مضى حول خيارات التعليم في الجزائر ؟
* القضية لم تكن قضية تعريب أو تغريب، لقد كانت قضية إرادة سياسية، فالحاكم الذي كان يسعى للتعريب في نفس الوقت كان يرسل أبناءه للخارج، لأنه لم يكن مقتنعا بالخيارات التي انتهجها بطريقة شعبوية.
– أنا ألخصها، فما يزيد عن 50 سنة من الاستقلال كان اقتصادنا مرهونا بالبترول، والمعروف أن بورصة المحروقات لا تتحكم فيها الشعوب المنتجة. وما دام منتج القهوة والسكر لا يتحكم في أسعار ما ينتج فما بالك بمنتج البترول والغاز، الذي اندلعت بسببهما الكثير من الحروب، إذن يجب المصارحة، عندما يرتفع السعر ليس لمنظمة الأوبيب أي دور في ذلك، ولكن الأسعار تخضع لقاعدة العرض والطلب فقط.
– أمريكا شغلها الشاغل هو امتلاك احتياطي استراتيجي يجنبها الأزمات، ولكن هذه الأزمة لها عدة أسباب وأبعاد والتي تتكرر منذ أزمة 1973 فالتجمعات الاستثمارية هي التي تتحكم في الأسعار حسب العرض والطلب، وهذا يخضع بدوره للأزمات الطارئة كالحروب المفتعلة أو الحقيقية.
* ولماذا ترفض السعودية خفض الإنتاج لتعديل ميزان العرض والطلب ؟
– السعودية لها سيادة تحت المراقبة الأمريكية وهي في حلف استراتيجي وتبعية لها، ولكن الدول التي تعاني من هذه الأزمة (انهيار الأسعار) لها سياسات فاشلة، وهي لم تستغل السنوات السِمان التي كانت فيها تبذّر المال لشراء السلم الاجتماعي.
* ولكن حتى في الدول المنتجة للبترول، مستوى التنمية فيها يختلف، لماذا ؟
– نعم، خذ دبي وحاسي مسعود للمقارنة، فصحراء الإمارات لها سياسة مستقبلية تهدف للبروز كأكبر دولة سياحية في العالم، بينما بقيت صحراؤنا على حالها، تخيّل أن فندقا في دبي يفوق عدد السياح المقيمين فيه في السنة عدد السياح في الجزائر كلها، وأتساءل بدوري إلى أين يتجه ساسة الجزائر ؟
* بالتطرق إلى الراهن العربي، ما هي نظرتكم للحرب الدائرة في اليمن والتي تقودها السعودية ؟
– السعودية لا تملك نظرة واضحة في الثورة اليمنية ضد علي صالح، فعداوتها للإخوان في اليمن وفي مصر جعل سياستها متذبذبة وغير جدية للحفاظ على استقرار اليمن. السعودية فهمت اليوم اللعبة الإيرانية، ودون التطرق إلى المسألة الطائفية، إيران استعملت نفوذها في سوريا وفي لبنان وفي آسيا الصغرى كورقة لليّ الأذرع في صراعها مع أمريكا حول الملف النووي، والسعودية التي تؤوي أقلية شيعية تخوفت من وصول الحريق الإيراني إلى بيتها، فالحوثييون انقلبوا على الدولة اليمنية التي أنتجتها الثورة، وهذه كانت إشارة واضحة للسعودية بأن الدور قادم عليها لأنها حكومات تفتقد للرشد في الحكم، ولذلك السعودية قررت ضرب الحوثيين لوقف مدهم حفاظا على وضعها الداخلي. ولو أرادت السعودية هي ودول الخليج بصدق الاستقرار لليمن، لكانت قد استثمرت فيه اقتصاديا لحل أزمة الفقر ولكنه احتقرته في الانضمام لمجلس التعاون الخليجي.
* بما أنكم خبير اقتصادي دولي، هناك قضايا فساد خرجت للعلن مؤخرا، منها ما تم تداوله عن الأمين العام للأفالان عمار سعداني، وكشف حسابات بنكية باسمه في الخارج، فما قولكم ؟
– لست أعلم ما يملكه سعداني ولكن الذي تم نشره هو حساب مزيّف.
* لماذا ؟
– يجب أن نعلم أن ذلك المبلغ الخيالي المكتوب في ذلك الحساب يستبعد أن يوجد في حساب عادي كما أن رقم الحساب مرتب ترتيبا غير متناسق يثير الشكوك في صحة الحساب من أساسه، ومن الأعراف المعمول بها في هذا المجال أنه حينما يرتفع رصيد أي حساب بنسبة كبيرة، فإنه يتحول إلى مكتب خاص (private banking)، أعطيك مثلا بفضيحة HSBC فكل الحسابات التي فضحت كانت من هذا المكتب، في اعتقادي أن الوثيقة المنشورة والتي تتضمن الحساب البنكي لسعداني تندرج ضمن حملة لتشويه سمعة الرجل، كما أنها أعدت بطريقة مبتدئة و صبيانية.