الإعلامي تومي عياد الأحمدي واحد من الصحفيين المحترفين الذين يشتغلون في صمت ويبنون ذواتهم بمهنية عالية ويمتلكون من المهارات الكثير في كل ميادين الصحافة المكتوبة والبصرية، وأيضا مجال الكتاب حيث يشرف على منشورات الشروق كما يقدم برنامج "افعلوا الخير" الذي يعده الإعلامي المخضرم رشيد فضيل باقتدار كبير. كان لنا معه هذا الحوار حول نظرته للإعلام وتفاصيله. -1 دخلت تجربة السمعي البصري من أبوابها الواسعة، بماذا أفادتك الصحافة المكتوبة لتلج الشاشة؟ في البداية أشكركم على هذه الالتفاتة إلى الزملاء الإعلاميين من خلال صفحة الميديا، مع تمنياتي بالتوفيق لصحيفة الحوار في ثوبها الجديد وطاقمها المميز بقيادة الزميل الصحفي النشيط محمد يعقوبي. أما فيما يخص سؤالكم فإن تجربتي مع السمعي البصري في الحقيقة لم تكن جديدة، فأنا درست هذا التخصص تقنيا في جامعة قسنطينة، وسبق وأن درست التصوير و التركيب في ورشات متخصصة لمجموعات من الطلبة في الجامعة ذاتها، وفي سنة 2003 قمت بتكوينين معمقين في التركيب و التصوير تحصلت من خلالهما على شهادتين مهنيتين، و في سنة 2004 فتحت إلى جانب صديق لي رحمه الله- مؤسسة للإنتاج السمعي البصري أنتجنا فيها أشرطة وثائقية عدة في المجال السياحي، في تلك الفترة شاركت في العديد من اختبارات الانتقاء بالتلفزيون الجزائري لكن للأسف وكما يعرف الجميع كان ولازال الدخول إلى هذه المؤسسة أصعب من دخول البيت الأبيض، لأن هناك مقاييس أخرى تعتمد في التوظيف يعرفها العام والخاص، أتذكر أنه في إحدى هذه الاختبارات في سبتمبر 2005 وكان قد أعلن عنها في التلفزيون الجزائري بقينا من الساعة السادسة صباحا في مديرية الإنتاج بأول ماي إلى غاية الثامنة مساء ونحن واقفون تحت أشعة الشمس، دون أن تحرك معاناتنا قلوب المسؤولين آنذاك وعلى رأسهم التي تدعى "السيدة ليلى"، صدقوني لم أنس إلى يومنا هذا تلك الإهانة لشبان وشابات جزائريين جاءوا من مختلف أنحاء التراب الوطني من أجل أكذوبة اسمها "كاستينغ" الذي كان في الحقيقة مجرد "تمسخير"، لنكتشف فيما بعد أن كل ذلك كان مفبركا، بل كان هدفه منح الشرعية لمنشطين من أبناء فلان وفلان.. فقررت من يومها عدم المشاركة في أي كاستينغ خاص بالتلفزيون، وعدت إلى المسيرة الإعلامية من خلال الصحافة المكتوبة وعلى رأسها الجريدة المدرسة "الشروق اليومي" التي منحتني الكثير، و أكسبتني رصيدا هاما فيما يتعلق بالمسؤولية المهنية و المحتوى و الرسالية و إنشاء شبكة علاقات واسعة في المجال الإعلامي وغيره.
2- هل هي ظاهرة صحية أم مرضية فإن أغلب القنوات رن لم يكن كلها ولدت من رحم الصحافة المكتوبة وقامت على صحفيين منها، بينما للتلفزيون قوانينه ومتطلباته؟ هذا أمر طبيعي جدا خاصة بلادنا التي تخلفت كثيرا في مجال السمعي البصري، هناك عدد كبير من الصحفيين و من أصحاب الصحف كان هدفهم العمل أو الاستثمار في هذا الجانب، لكن عدم فتح هذا القطاع جعل هذا الطموح لا يتعدى الصحافة المكتوبة لتحقيق الحلم في الإعلام، أشهد أن مغامرة الأستاذ علي فضيل في فتح "الشروق تيفي" كانت مغامرة لايقدر لها إلا رجل مهنة، صاحب طموح كبير وقلب قوي، و قد كان لهذه التجربة التاريخية الدور المحوري الذي فتح المجال أمام مغامرات فتح قنوات أخرى وصلت إلى أكثر من 20 قناة في ظرف قياسي. أما فيما يتعلق بكونها ظاهرة صحية أقول إنها صحية جدا، لأن الواقع أثبت أن الصحفيين الذين نجحوا حقيقة في مجال السمعي البصري هم أبناء الصحافة المكتوبة، كما أني أفضل أن يكون رحم الولادة أصحاب مهنة الإعلام أفضل من أن يكون رحم مستثمرين "بقارة" أو أصحاب المال القذر أو أطرف مشبوهة.
– يشتكي البعض من الرداءة في القنوات ماهو السبب في رأيك؟ أعتقد أن هناك ثلاثة أسباب رئيسة: الأول يتعلق بالزمن، فلايجب أن ننسى أن التجربة لازالت في البداية وأنها لم تأخذ الوقت الكافي لتنضج، و السبب الثاني يتعلق بالتأهيل المهني في الجوانب التقنية، بسبب غياب معاهد تعنى بتكوين تقنيين أكْفَاء في مختلف التخصصات وعلى رأسها الإخراج التلفزيوني، و السبب الثالث هو عدم احترام الحلقات الرئيسة في سلسلة الإنتاج، فمن غير المعقول مثلا أن ينتج حصة تلفزيونية أسبوعية شخصان أو ثلاثة، وينبغي أن يشار أيضا إلى عدم الاهتمام بفئة المعدين ومنتجي البرامج التي تعتبر الركيزة الأساسية لترقية المنتوج.
4- بالنسبة لتجربتك الشخصية هل وجدت ضالتك في "افعلوا الخير" أم أنه مشروع إنساني بحت، وكيف تقيمه بعد ثلاث سنوات من البث؟. الفضل لله سبحانه وتعالى أولا ثم للزميل و الأخ العزيز رشيد فضيل الذي وضع في يدي مفتاح صندوق الخير، فكانت البداية صعبة جدا مع قلة الإمكانيات، حيث تعتبر هذه الحصة الأقدم في قناة الشروق إلى جانب حصة "هذه حياتي" للزميل توفيق فضيل، و أعترف أن البرامج الاجتماعية لم تكن من بين أحلامي لأن اهتماماتي الإعلامية كانت ثقافية بحتة، لكن مع تجربة "وافعلوا الخير" تحول العمل إلى مشروع انساني بحت، لاتتصوروا مدى السعادة التي نحس بها عندما نكون سببا في إنقاذ مريض يعاني أو فقير ضاقت به السبل أو محتاجا أغلقت في وجهه الأبواب، أغرب ما لمسته في هذه التجربة أن الذي يذوق حلاوة العمل الخيري من المستحيل أن يبتعد عنه أو يبعده من حياته، خاصة عندما وجدت أني إلى جانب زملائي في الحصة تحولنا بمرور الوقت إلى محرك اجتماعي ينتج طاقة فعل الخير، و الكثير ممن يعملون في القناة يعتبرون البرنامج "بركة" للقناة و نقطة تلاقي لايختلف عليها اثنان.
5- في رأيك هل منطقي أن يتحول الصحفي إلى مناضل سياسي مع السلطة أو المعارضة، وهل الصحافة عندنا في حاجة إلى الحرية أكثر أم إلى المهنية؟. في اعتقادي أن مهمة الصحفي تتوافق مع مهمة "النائب العام"، فكلاهما يتخندق إلى جانب المواطن وإلى الضمير الأخلاقي أولا ثم الضمير المهني في ممارسة العمل، لذلك أرى أن الصحفي ليس بحاجة إلى أن يكون مناضلا سياسيا سواء مع السلطة أو المعارضة، لأن كليهما بحاجة إليه وليس العكس، أعتقد أن المشكلة تكمن في ضعف الصحفيين وعدم قدرتهم على بناء وحدة ضغط حقيقية تمكنهم من لعب دورهم الحقيقي.
6- تجربة البرامج الإنسانية هل نجحت لأنها مثيرة أم لأنها مهمة؟ البرامج الإنسانية تنجح في العادة لأن هدفها نبيل وتحقق الإجماع، إذ لايختلف اثنان على مكانة العمل الإنساني خاصة الذي ننشد من خلاله رضا الله عز وجل والقربى منه، أيضا لأن مثل هذه البرامج تحرك المشاعر و تجلب التعاطف و تلفت الانتباه و وتجتمع في متابعتها كل الحواس، أما مسألة الإثارة فقد تتوفر فيها حقيقة، وفي رأيي لايجب أن تكون هدفا بل سببا فقط لزيادة نسبة المشاهدة ولتحقيق عنصر التشويق. 7- ماالذي يحزنك في المشهد الإعلامي وما الذي يسعدك؟ يحزنني في المشهد الإعلامي شيئان: الأول صناعة نجوم من ورق، مذيعون ومقدمون وصحفيون بعيدون كل البعد عن المهنة، ولا أقصد هنا التخصص بل التأهيل للممارسة الإعلامية خاصة الجانب الثقافي والوعي، والشيء الثاني هو عدم نجاحنا إلى حد الآن في بناء مؤسسات إعلامية مستقلة بالمعنى الحقيقي على رغم تجربة ربع قرن في الصحافة المكتوبة المستقلة، وأنا أرى أن القنوات الخاصة تسير بدروها في هذا المنحى، والدليل أنها في مجملها تعاني من صعوبات مالية كبيرة. أما الشيء الذي يسعدني فهو حصول الكثير من الصحفيين الشباب على مناصب عمل بعد ظهور القنوات الخاصة، وكذلك تحولنا من مستهلكين للمادة الإعلامية التي تأتينا من وراء الحدود والبحار إلى منتجين محليين لهذه المادة، وأجزم أن مالعبته الصحافة الوطنية عموما والقنوات الخاصة خلال السنتين الماضيتين هو سبب مباشر من الأسباب القليلة التي أنجتنا من أكذوبة "الربيع العربي" و حافظت على وحدة التراب الوطني والأمن الاجتماعي، وكان لها دور هام جدا في ترقية طريقة التعبير البعيد عن أساليب العنف.