حدثنا عن بدايتك في مجال الصحافة؟ في الحقيقة الصدفة هي من قادتني إلى الصحافة، فلم تكن ميولاتي إعلامية بالمرة، لكن معرفتي واحتكاكي ببعض الأصدقاء الصحافيين أيام الجامعة حرّك بداخلي شعورا لخوض هذه التجربة ولو من باب الفضول، وفعلا، فمبجرد تخرجي سنة 2002، تقدّمت بملف طلب إجراء تربص بجريدة "صوت الأحرار"، ومن حظي السيء أنه رُفض مرتين، لكن إصراري كان كبيرا وتمكنت في نهاية ذاك العام من بدء المغامرة بالقسم الثقافي للجريدة. فترة التربص كانت مفيدة، بتأطير من الأستاذ يوسف شنيتي حينذاك، الذي لا أنكر فضله في تطور مستواي بشكل لافت، ومن محاسن الصدف أن الفترة التي سبقت رئاسيات 2004 كانت حافلة بالأحداث، وبحكم أن الجريدة كانت بحاجة إلى تعزيز القسم السياسي بمزيد من الصحفيين، لاحت لي فرصة جديدة منتصف العام 2003 بقرار من رئيس التحرير في تلك الفترة عمر عاشور ما سمح لي بمواكبة الأحداث السياسية الساخنة بتفاصيلها، فكانت سنوات عملي في "صوت الأحرار" في غاية الأهمية مهنيا وإنسانيا. هل تختلف تجربتك في مجال الإعلام العمومي عن التي تخوضها في قناة خاصة؟ بالتأكيد، رغم أنني ترددتُ كثيرا في بداية الأمر لخوض هذه التجربة، فبعد 11 عاما من العمل في الصحافة المكتوبة يصعب البدء من الصفر هذا ما كان له تأثير نفسي، عموما، بعد التحاقي بقناة "دزاير تي في" إحتاج الأمر إلى بعض الوقت للتأقلم، فكرت كثيرا في الاستسلام والعودة من حيث أتيت لكن الأجواء التي توفرت في القناة ساعدتني على تجاوز عقبات الأسلوب الجديد من العمل. وهذه التجربة الجديدة كان لا بدّ منها، فالفرص قليلا ما تأتي بهذا الشكل، والتعامل مع الصورة مختلف كثيرا عن الإعلام المكتوب الذي يركز على كل التفاصيل ويتيح الخوض فيها بارتياح، أما في ميدان السمعي البصري فإن التركيز على دقائق الأمور هو الأهمّ بحضور الصوت والصورة، كما أنّ الإعلام الخاص يوفر أيضا هوامش أوسع للتعبير، خاصة بثقل التلفزيون، كما يتيح للصحفي البروز أكثر لعوامل كثيرة منها ارتفاع نسبة المشاهدة، رغم أننا عادة ما نصطدم بنفس العراقيل التي تواجهنا في الإعلام المكتوب. كيف ترى التنافس بين القنوات الخاصة وسعيها لجذب المشاهدين في الشهر الكريم؟ تجربة الانفتاح على السمعي البصري بالجزائر فتية، لكن ذلك لا يمنع من إطلاق بعض الأحكام بأن القطاع وقع في نفس الفوضى والأخطاء التي سادت في تجربة الصحافة المكتوبة، لغياب التصور والإرادة معا، لاسيما وأن هذا الانفتاح جاء متسرعا، والحديث عن "غياب المهنية" لا يقتصر على برامج هذا الشهر الفضيل فحسب، لأن أغلب ما يقدّم في رمضان وفي غيره غارق في الشعبوية التي لا يمكن أن تبني رأيا عاما أو تؤسس لذوق يليق بالمهمة النبيلة التي يفترض أن تلعبها هذه المهنة. ماذا أضاف لك العمل في السمعي البصري بعد سنوات في الصحافة المكتوبة؟ بالطبع، من الجانب المهني أضاف الكثير، لأن نمط العمل مختلف ويدفع إلى اكتساب مهارات في التحرير وصياغة الأخبار وحتى التعامل مع المعلومة، والتعامل مع نوع آخر من الجمهور، كما أن العمل في التلفزيون يعطي المجال للسبق الصحفي ونشر المعلومة والأخبار في وقتها، لكن تجربة الإعلام المكتوب تبقى بدورها مكسبا لأنها عامل مهم وحاسم كذلك يسهّل التأقلم ويمنح للصحفي نقاطا إضافية في الجانب التحريري على وجه الخصوص، ولأن المستقبل ليس للصحافة المكتوبة فإنني لم أندم على هذه التجربة رغم أن الحنين لا يزال يراودني إلى زمن القلم ومقالات ال 500 كلمة. هل تفكر في خوض تجربة إعلامية خارج الجزائر؟ المناخ الإعلامي والجو العام السائد في البلد، سياسيا واجتماعيا وثقافيا، يدفع دفعا نحو الهجرة، لكن أصارحك بأنني لا أسعى إلى هذه الغاية ولا أضعها أولوية قصوى، لكنني لن أتردّد لحظة واحدة في الذهاب مع توفر أول فرصة، طبعا إن كان هناك مشروع يخدم طموحي. كلمة أخيرة لزملاء مهنة المتاعب؟ المهنة عامرة بالتحدّيات، وهناك من الكفاءات والإعلاميين الشرفاء من أهل هذا القطاع ما يترك بصيص أمل ويدفع إلى التفاؤل بمستقبل أفضل، لكن مسار الارتقاء بالإعلام الوطني لا يزال طويلا، وهو بحاجة إلى مزيد من التضحيات، حتما التغيير لا بد أن يكون من الداخل، لكن عندما تقرر السلطة رفع يدها عن الإعلام بشكل نهائي.