تخاريف الصيام علاج للأرواح قبل الأبدان ودواء للنفوس والأجساد وككل دواء له أعراض جانبية غير مرغوب فيها خصوصا إذا أسيء استخدامه أو كان إصدار محلي غير موافق للشروط والمواصفات، ففي رمضان تتضاعف الحسنات، صحيح ولكن أيضا تتضاعف الأسعار وتصفد في أوله الشياطين ولكن تسرح في أخره المساجين، وفي أوله رحمة من السماء لكن يسود الأرض التباغض وشحناء، فلا تحلوا للبعض الزلابية كما تحلوا لهم المشاجرة، ورمضان ليس فقط ثلاثون يوما، فهو عند البعض ثلاثون حلقة قد تكون حلقة ذكر أوحلقة مسلسل، وهو عند الأغلبية ثلاثون من الأطباق الشهية، ولعل الله سن الصوم ليحس الميسِر بالمعسِر الفقير، لكنا نصوم ليحس المعسِر بالمسرِف سيء التدبير.. وفي رمضان تمتليء المساجد بالمصلين وبالمتسولين، فان حرمك تزاحم المصلين أجر من صلاة الجماعة، أتاح لك تزاحم الشحاذين أجر الصدقة الجماعية، لكن السؤال لِما يتسول كل هؤلاء ونحن نحتفل بالمليارات، ولمن أعطت الدولة مليوني قفة رمضان.. وكما سأل "همنجواي"* لمن تقرع الأجراس في الكنائس، يحق لي أن أسأل لمن تفتح موائد الرحمن في الجوامع، ومن يطعم هؤلاء بعد انتهاء رمضان .. وإن كانت قفة رمضان وموائد الرحمن شهرا في السنة، فمأدبة الشيطان طول العام والتجويع عندنا سياسة، فالإنسان الجائع لا يمكن أن يرسم لوحة أو يكتب شعرا أو يفكر في تكوين حزب سياسي، ولا يجب أن يأكل كل الشعب ياؤورت ولا يجب أن يحصل كله على مكيفات في الصيف، فإن شغل المكيفات قطعت الكهرباء، وأن أكل الياؤورت قطع الحليب، وإن صام إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، لكن البقال لن يغفر له أبدا ما ترتب من دَينِه. والأشهر القمرية تتحرك في فصول السنة لأنها تؤمن بالتداول على السلطة ورمضان يأتي في الصيف ويأتي في الشتاء، والحمد لله أني عشت رجبا ورأيت عجبا، وسمعت "شعبان عبد الرحيم"، وعاصرت رمضان بالصيف ورمضان بالشتي، وملقانا يا حبيبي خلف الصيف وخلف الشتي وخلف المقال القادم إن شاء الله، صح فطوركم ورمضان كريم …