تبدأ مهمة المئات من الأئمة الجزائريين بالخارج باعتلائهم منابر مساجد أوروبية، من أجل استكمال "مهمة خاصة"، تتمثل في التأطير الديني لأفراد الجاليات الجزائرية بالخارج، وتحصينها من جميع الاختراقات والتيارات المتشددة ، إلى جانب الوعظ والإرشاد وإمامة المصلين، سواء في إطار مهمة خدمة المساجد لمدة أربع سنوات أو في إطار مهمة سنويا مع حلول الشهر الفضيل، لتنتهي بالبقاء في فرنسا واختيار طريق "الحرقة" وعدم الرجوع إلى أرض الوطن، حيث يوجد العشرات من أولئك "الحراقة الجدد" بفرنسا مفضلين البقاء هناك، سواء دون وثائق أو بعد تسوية وضعيتهم القانونية من خلال الزواج هناك والعمل في مراكز إسلامية بإيعاز ومساعدة من الجمعيات الموجودة هناك في المهجر. تحقيق: دعاء. أ
في فرنسا كما في الجزائر يتداول على أن الأئمة الجزائريين المرسلين هناك لايزالون بعيدين كل البعد عن الثقافة الفرنسية والتكوين الذي يتماشى وقوانين الجمهورية الفرنسية، كما يتداول أيضا على أن الإمام الجزائري أضعف من نظرائه المشارقة والمغاربة، وفي الجهة المقابلة يطالب الأئمة المنتدبون في المهجر الرفع من أجورهم التي يعتبرونها زهيدة نظير المصاريف هناك، وبين مطرقة الاتهام والدفاع يختار الأئمة "الحرقة بالمهجر" كآخر حل لهم هروبا من مشاكلهم المادية بالجزائر. 2400 أورو شهريا لا تسد حاجيات الأئمة في الخارج كشف الإمام "س.ب" إمام عمل سابقا بمسجد في فرنسا لمدة أربع سنوات في المرحلة الممتدة من 2010 الى 2014 أن "هناك أئمة حراقة في المهجر سواء ما تعلق بمن يرسلون في إطار العمل لمدة أربع سنوات أو حتى من يرسلون خلال الشهر الفضيل وهم قلة مقارنة مع الصنف الأول"، وقال إن "بعض الأئمة يقررون عدم العودة إلى الديار نظرا لظروف المعيشة هناك، في ظل تكفل الجمعيات الخيرية بالإمام". وأشار إلى أن "الكثير منهم يتزوجون هناك من أجل تسوية وضعية الوثائق"، مشيرا إلى أن "العديد من الأئمة لايزالون موجدين هناك دون وثائق إثبات الهوية، وشدد على أن "الإمام أيضا من البشر ويحاول أن يحسن مستواه المعيشي أيضا". الشيخ "س.ب" قال إن "الدروس التي يقدمها الوعاظ هناك تهم أساسا المغتربين من جنسيتهم، وتهم أيضا جاليات بعض الدول العربية، مثل تونسوالجزائر وليبيا ومصر". وفي سياق ذي صلة تحدث سفير الجزائر الديني السابق إلى فرنسا عن الأمور المادية، حيث قال إن "راتب الإمام الذي يصل إلى 2400 أورو لا يكفي لسد حاجياته اليومية، نظرا لمصاريف الإمام هناك من كراء للسكن وغيرها من المصاريف، التي يتحملها شخصه وهو مبلغ حسبه غير كاف على رغم أن الكثير من الناس يعتبرونه ثروة للإمام هناك". وأشار في هذا السياق إلى أن "أهم ما يعترض عمل الإمام المرسل إلى فرنسا هو عدم إتقانه للغة الفرنسية خاصة وأن في المهجر العديد من أفراد الجالية لا تتقن اللغة العربية ولا تفقهها". وانتقد الشيخ "س.ب" ما وصفه ب"بالعائق الكبير، خاصة ما تعلق بالوثائق حيث إن وزارة الشؤون الدينية تغفل عن هذه الفئة، ولا تتصل مع الإدارة الفرنسية لإكمال وثائق الإقامة، فيجد الإمام نفسه يعمل دون وثائق، وهناك من يصل إلى العام الرابع وهو دون وثائق مما يسبب له مشاكل كبيرة". ولفت الإمام الجزائري الى أن العائق الآخر الذي يعترض عمل الأئمة هناك هو "غياب السكنات حيث يجد الإمام نفسه يسكن في مقصورة المسجد أو أنه يضطر إلى كراء مساكن بعيدة عن المسجد من ماله الحر، أو بمساعدة الجمعيات هناك، مشددا على "ضرورة حل هذه القضية التي تسهم في عدم استقراره النفسي والتأثير على عمله أيضا". وأشار محدثنا إلى أن "الأئمة الجزائريين يعملون على محاربة التطرف من خلال خطاب ديني معتدل يواجه مختلف الحركات الإسلامية على غرار السلفية أو حتى الإخوان وهو ما يتطلب حداقة من الإمام". وبخصوص محاربة التطرف وبعض المظاهر الأخرى، قال إن "الوعاظ الجزائريين يعملون على تقديم خطاب إسلامي معتدل، بطريقة مباشرة بالنظر إلى كثرة المذاهب بأوروبا"، لافتاً إلى أن "الخطاب الذي يتم توجيهه، ينبني على استحضار روح الوطن والغيرة على الدين". الوزارة لا تتحمل هروب الإمام وعقوبته فقدان منصبه أكدت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف أن الوزارة لا تتابع أولئك الأمة الفارين، إنما الضرر الوحيد الذي يلحق بهم هو فقدان منصبهم هنا في الجزائر، وأشارت مصادر من الوزارة في حديث مع "الحوار"أن الوزارة لا تتابع أولئك الأئمة بحجة أن فترة عملهم قد انقضت هناك، فالسلطات الفرنسية هي التي تقوم بمتابعتهم إذا كانت الإقامة غير شرعية. من جهته قال عدة فلاحي المستشار السابق بوزارة الشؤون الدينية وألأوقاف إن "الهدف من إرسال الأئمة والوعاظ والمرشدين إلى دول أوروبية هو الإسهام في التوعية الدينية وإحياء ليالي رمضان، بما يلزم من عبادات وتراويح وصلوات، بالإضافة إلى دروس الإرشاد الديني". وعن برنامجهم الدعوي في رمضان أوضح محدثنا "يتم إلقاء الخطب والدروس الدينية في مواقيت مختلفة، بعد صلاة العصر وقبل صلاة العشاء وبعد صلاة التراويح، وفي بعض المساجد بعد صلاة الفجر، إلا أن الحضور الكبير للجاليات يسجل قبل صلاة العشاء وبعد صلاة التراويح". وتتوزع الدروس، بحسب فلاحي ، على "موضوعات عامة، وقضايا الأسرة والأخلاق، بالإضافة إلى تنظيم بعض المسابقات في حفظ القرآن الكريم". وبشأن أبرز الأسئلة والمشكلات التي يتم طرحها على الوعاظ، كشف عدة، أن "أهم الأسئلة والمشاكل التي نتلقاها تتعلق بتعاطي الأبناء المخدرات، أواتجاههم للتطرف، وهو ما يشكل هاجسا للآباء". و نوه عدة إلى أنه "من أهم الدروس التي يتم تقديمها للجاليات المسلمة هناك، تلك التي تتعلق بالعبادات والتعاملات، وإبراز قيم رمضان، مع استحضار البيئة التي تعيش فيها هذه الشريحة". وأضاف المستشار السابق بالوزارة أن "أبرز الأسئلة التي يتم توجيهها من طرف الجاليات تتعلق بالمعاملات مع الدول الأوربية مثل اقتناء منازل من البنوك الأوروبية". "حرق" وأصبح إماما ل17 سنة بمسجد بفرنسا قال صالح حجاب رئيس جمعية الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج أن الأئمة المرسلين إلى الخارج في إطار مهام تتمثل في التكفل بالجالية " أصبحوا يفضلون البقاء هناك ويرفضون العودة إلى الجزائر، وتحدث حجاب عن سلبيات أولئك الأئمة، من ضعف في التكوين العلمي، الشيء الذي يعني عدم استفادة الجاليات منهم في رمضان". وأشار المتحدث في حديث مع "الحوار" إلى أن "هناك أئمة أُرسلوا فيما سبق من الجزائر للعمل لمدة 4 سنوات، لكنهم رفضوا الرجوع إلى الجزائر، مثل ما هو الحال بالنسبة لإمام مسجد بلدية أتيار الذي تجاوز 17 سنة". وأضاف محدثنا إلى أن "أئمتنا ليسوا متمكنين من اللغة الفرنسية وحتى العربية الفصحى، و بما أن المساجد مفتوحة للمسلمين من كل الأصول، بما فيهم الفرنسيون حديثو الإسلام والأفارقة الذين لا يجيدون اللغة العربية، فبقاء مثل هؤلاء الأئمة سيُنفر المسلمين من المساجد". واستطرد المتحدث قائلا أن "مشكلا آخر يطرح يتعلق بصلاة الجمعة، وفي تقديم الدروس أو إلقاء الخطب، حيث إنهم يتجاوزون الساعتين، أما فيما يخص تمثيل المُسلمين بفرنسا فالجالية المسلمة لا تختار مُمثليها الذين يدافعون عنها ويمثلونها أحسن تمثيل، فبعضهم تم تعيينهم من طرف النظام الفرنسي، مثل حسان شلغومي، القريب من اللوبي اليهودي و البعض الآخر مثل عميد مسجد باريس دليل بوبكر، المتحدث بإسم الجزائريين تم تعيينه من السلطات الجزائر منذ 1992 خلفاً لأبيه حمزة بوبكر 1953-1982″. وفي هذا الإطار لخص ممثل الجالية بالمهجر عمل بعض الأئمة في القيام بالتراويح فقط، و هناك من يؤم الصلوات الخمس والتراويح". وفي السياق أكد المتحدث أن هناك تناحرا بين الجزائريين والمغاربة على قيادة المساجد هناك، والناجم عن الحرب الباردة بين النظام الجزائري والمغربي المبني على قضية الصحراء الغربية". واستطرد المسئول قائلا بأن "هناك ما يُشبه صراعا على "الإسلام الأوروبي"، وحتى بين التيارات الإسلامية الحركية الأخرى مضيفا أن "كل طرف يتخذ مبادرات تخدم مشروعه، خاصة في ظل فوضى الفتاوى السائدة هناك". الإمام أيضا يبحث عن حقه في العيش والرفاهية أكد رئيس نقابة الأئمة جلول حجيمي على وجود فئة الأئمة "الحراقة"، وقال إنها "فئة تفضل عدم العودة إلى أرض الوطن، وهذا من أجل تحسين ظروفهم المادية ككل شريحة من شرائح المهاجرين الجزائريين في المهجر، مشددا على أن "الجمعيات الخيرية عادة ما تتكفل بهم وقد يجد الإمام نفسه ملزما بعد رفض عودته إلى الوطن العمل في مراكز إسلامية بفرنسا". وشدد المتحدث أن وضعية الإمام أيضا ليست باليسيرة وهو أيضا يبحث عن تحسين ظروفه المادية، مشيرا إلى أن أجر 40 ألف دينار الذي يتقاضاه في الجزائر لايكفي لسد حاجاته اليومية". وفي سياق الحديث عن عمل بعثة الأئمة المرسلين إلى الخارج أكد حجيمي أن "أولئك الأئمة تعترضهم جملة من المشاكل تتعلق أساسا في "وجود مخالفة للمرجعية الوطنية الجزائرية بالمهجر في ظل أن المساجد هناك تقصدها كل الجاليات المسلمة خاصة المشرقية، بيد أن هذه المهمة أصبح لها أبعاد جديدة مع ما يشهده العالم من تطورات، فصارت تهدف إلى "الترويج لخطاب ديني معتدل يكافح التطرّف، والترويج للمرجعية الوطنية الجزائرية المبنية على الاعتدال والوسطية ويكبح ظاهرة انضمام عدد من المسلمين الأوروبيين إلى تنظيمات إرهابية " ورجح محدثنا أن الجزائر "تحاول من خلال إرسال الأئمة تسويق نموذج ملتزم في التدين، ينبني على الانفتاح والتسامح، خصوصا في ظل وجود نماذج أخرى من التدين في أوروبا مثل الوهابية والسلفية والتشيع".