تفسير المؤمنين بقلم الشيخ أبوجرة سلطاني الجزء الثاني عشر ننهي مسألة البسملة في هذا السياق بالتأكيد على أن كلام الله هو الهداية الوحيدة للبشرية جمعاء، وأن أي عائق يعوق الإنسان عن الإطلاع على هداية الله للناس لابد أن تتم إزالته مهما كانت تبريرات الذين يريدون أن يتخذوا القرآن مهجورًا، فالخوف من الله لا يمنع خائفا من قراءة كتابه، والخشية من عدم القدرة على تطبيق كل ما جاء فيه من أوامر ونواه لا تحول دون التعرف على هذه التكاليف ومحاولة الإلتزام بها قدر الوسع والاستطاعة، ولعل "البسملة" بألفاظها الأربعة: بسم الله الرحمن الرحيم، هي بداية الطمأنة إلى أن الله لم ينزل كتابه للأبرار فقط ولم يتوجه بكلامه للمحسنين فحسب ولم يخاطب في كتابه أهل الطاعات وحدهم بل بسط يده للعصاة كذلك وللضالين والظالمين والمنحرفين والمسيئين باسمه هو "بسم الله" لا باسم ملائكته ولا باسم أنبيائه ورسله (عليهم السلام)، ثم اختار (جل جلاله) من بين تسعة وتسعين اسما صفتي الرحمانية والرحيمية ليفتح الباب واسعًا أمام الخائفين والشاكين والمتردّدين والمرتابين، ليبدأوا حياة جديدة أو شوطًا جديدًا من حياتهم القديمة، يستأنفون فيها القراءة باسم الله والعمل باسم الله، والتوكل على الله ويسألونه برحمته الواسعة أن يهديهم الصراط المستقيم، فكل من يقبل على الله يفتح الله له أبواب رحمته، ومن يعيد رسم اسم الله الرحمن الرحيم في قلبه وعلى لسانه، يجد الله كما ظن تمامًا رحمانا رحيما. ولسبب لا يعلمه إلا الله (جل جلاله) لم يوقف البسملة على أي من أسمائه الحسنى إلا على الرحمن الرحيم "فإذا قلت مثلا: "باسم الله الحي القيوم" صحت، ولكنها ليست " البسملة " التي جعلها الله آية في كتابه برسم "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" التي تكتب "بسم" بغير الألف، وليس برسم بقية أسمائه الحسنى، لقوله تعالى: "هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ" الحشر: 22، وما بعدها من ذكر لأسمائه الحسنى، فكلها قرآن وكلها كلام الله، وكلها أسماء الله الحسنى، لكن الله يحب أن يُعبد بما شرع ويريد من عباده أن يطيعوه كما يريد، فكل ماهو مجموع بين دفتي المصحف الشريف كلام الله، ولكن الصلاة تبطل لو قرأنا في كل ركعة كل القرآن ولم نقرأ بفاتحة الكتاب، لأن الله فرضها في الصلاة في كل ركعة، وجعلها أم الكتاب، فصلى بها نبيه، وقال: من صلَّى صلاة لم يقرأ فيها أم الكتاب فهي خداج ثلاثًا غير تام، رواه مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي الصحيح برواية مختلفة عن عبادة بن الصامت، وعن عائشة (رضي الله عنهما) قوله: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، كما سوف يأتي بيانه في تفسير سورة الفاتحة. يتبع…