قصة إبراهيم الخليل وشرعية تفجير المتاحف من غير اعتبار للمآل بقلم: لخضر رابحي: أبو قتادة ..و" على خطى إبراهيم " أبوقتادة، أحد منظّري السّلفية الجهادية، شخصية مثيرة للجدل كانت له فتاوى غريبة في حقّ الجزائريين، حيث أفتى في عشرية الأزمة بجواز قتل النّساء والذّراري فيما سمّاه (فتوى عظيمة الشأن في جواز قتل الذّراري والنّسوان)، وله فتاوى في استحلال أموال الكفار، وقد ردّ عليه أصحابه في الخطّ منهم الطرطوسي في كتابه (الاستحلال). وفي كتابه (على خطى إبراهيم) يحاول من خلال قصة إبراهيم الخليل في هدم تماثيل قومه أن يجد المبرّر الشّرعي لشرعنة أفعال الذين يهدمون الآثار والمتاحف ومن غير اكتراث بمآل أونظر إلى المفاسد المتوقّعة، ويصف أفعالهم بالإيمان الخالص وتقديم إرضاء اللّه على كلّ شيء، ولا يفرّق كماهي عادته بين تصرّف الدّولة وتصرّف الأفراد، ولا حالة الاستضعاف وحالة القوّة، بل هو يسخر من كلّ هذا الفقه ويصفه بالفقه الضّال ويصف أهلة بدعاة الجاهلية " دعاة إصلاح تحت مظلّة الجاهليّة " (القواعد الأول 10). ويبدأ بطرح سؤال استفزازي، وهو يحاول الدّعوة إلى الاقتداء بفعل إبراهيم الخليل عليه السّلام " لكن لنتخيّل أنّ فتى مسلما أراد أن يفعل فعله، فكسر أصنام قومه أو أصنام قوم آخرين مشركين، فماذا سيقول النّاس عنه اليوم ؟"(على خطى إبراهيم 10)، ثمّ يعرض ما حدث لإبراهيم عليه السّلام عندما قرّر قومه إلقاءه في النّار قائلا "الفعل ممدوح دون النّظرإلى عواقبه على الفاعل بالنّجاة أو عدمها " (على خطى إبراهيم 14)، ثمّ يؤكّد أنّ فعل إبراهيم عليه السّلام للاقتداء به دون النّظر إلى العواقب والمآلات" هذا فعل الخليل إبراهيم يُعرض في القرآن ليعمل به المؤمنون في وقت من الأوقات وسيقع لهم ما وقع له على وجه المحنة والابتلاء، فقد يقتلون وقد يطاردون ..وقد يسجنون، لكن الفعل يبقى إيمانيا لا يطعن فيه إلاّ جاهل " (على خطى إبراهيم 51)، ثمّ تراه يبالغ ويدعو إلى مثل هذا الفعل وإن لم يحقّق أيّ خير بل وإن جاء بالشرّ الوبيل " وقد جرّ هذا الفعل المادّي (كسر الأصنام) على أبي الأنبياء أمورا من البلاء لم يكن واحدا منها يحقّق الهداية لقومه بل زادهم صلابة في باطلهم ودفعهم إلى مزيد ضلال وإجرام ضدّ إبراهيم الخليل عليه السّلام إذ تجاوزوا العقبة فأرادوا قتله " (على خطى إبراهيم 27)، ثمّ يقرّر قاعدته في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر " وترك الحقّ مخافة المزيد من الإعراض غير رشيد، وترك كلمة الحقّ مخافة الضّرر ليس سبيلا لملّة إبراهيم " (على خطى إبراهيم 51). ويدعو إلى مثل هذا الفعل وهذه المنهجية من التّفكير وإن جاءت النّتائج سيّئة وعكسية وعندئذ على المسلم الهجرة أوالهروب كما فعل هو لمّا زوّر جواز السّفر ودخل بريطانيا بلاد الكفر باسم وجنسية إماراتية، يقول " لقد كسر الخليل الأصنام فما ازدادوا إلاّ كفرا وأنجاه اللّه من النّار فلم يزدادوا إلاّ عتوّا، وأمّا هو فلم يكن أمامه إلاّ أن يحمل نفسه وزوجته ورفيقه تاركا الوطن والأهل والوالد والمال إلى أرض أخرى" ( لى خطى إبراهيم 50). ويشرح أبو قتادة معنى المصلحة قائلا " إنّ قانون الصّحابة في الأعمال منذ أن يعلن المرء منهم كلمة التّوحيد غير قانونكم (دعاة المصالح والمفاسد)، فهو إنّما يعتبر مصلحة الدّين وإظهاره حتّى لو مات أو أهلك ماله أو فارق أهله ..فهو ينظر إلى العمل الذي يُحقّق له الأجر والشّهادة والدّخول في الرّضى الإلهي وتحقيق الجنان " (على خطى إبراهيم 97). من هدم طالبان لتماثيل بودا إلى داعش وهدم متاحف الموصل: في شهر مارس من عام 2001 أقدمت حكومة طالبان بزعامة الملاّ عمر على تنفيذ فتوى بوجوب هدم تمثالين ضخمين لبودا على سفح جبل بلا عبّاد ولا عابدين، وناشدهم العلماء من جميع الأقطار على وقف تلك العملية في ظروف كانوا فيها أحوج إلى تقوية علاقاتهم الخارجية وتمتين صروح دولتهم الفتية الضّعيفة، وطار إليهم وفد من العلماء برئاسة الشّيخ القرضاوي لكنّهم أصرّوا على فعلتهم، وقامت مظاهرات ضدّهم وأحرق البوذيون مصاحف القرآن أمام الكاميرات. والغريب أنّ هذه التّماثيل وغيرها وأهرامات مصر منذ فتح المسلمون الديار لم يتعرّضوا إليها بهدم ولم تصدر فتوى في الباب يقول صاحب (التّذكرة التّيمورية ص 230) " الصّحابة لمّا فتحوا مصر اعتبروا بآثار الفراعنة وكتبوا أسماءهم على بعضها ولم يخرّبوها "، ومنذ ذلك الفعل سقطت قيمة دولة طالبان إلى الحضيض، وبدأت أمريكا ترتّب لمحوها وفعلت ذلك بعد عامين فقط وسط ترحيب دولي كبير خصوصا من الصين واليابان والهند والدول البوذية. هذا الفقه المعلول الذي لا يزال البعض يؤسّس له، يطرح الكثير من الاستفهامات حول أصحابه ودعاته، وهاهي داعش اليوم تأخذ به وتهدم الآثار وتمسح التاريخ في العراق وسوريا وحتى في ليبيا، ويا عجبا سيقول النّاس كلّ أمواج الاحتلال والغزو الذي مرّت من قبل وخلال قرون لم تفعل هذه الأفعال الّشنيعة القبيحة، وسيشعر العالم متضامنا بوجوب محو هذه الكائنات المُدمّرة للتّاريخ والذّاكرة والآثار. فقه معلول خارج منظومة الاجتهاد الإسلامي: يقول الإمام الشّاطبي "النّظر في مآلات الأفعال معتبر ومقصود شرعا كانت الأفعال موافقة أومخالفة، وذلك أنّ المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصّادرة عن المكلّفين بالإقدام أوالإحجام إلاّ بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل" (الموافقات 5/177)، " وحيث يكون العمل في الأصل مشروعا لكن يُنهى عنه لما يؤول إليه من المفسدة" (الموافقات 5/181)، ولقد ثبت أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عاش بمكّة 13 سنة، وهي تعجّ بالأصنام ولم يهدم في كلّ تلك المرحلة صنما ولم يأمر أصحابه بهدم أصنام قريش، وهو الذي نزلت عليه قصّة إبراهيم الخليل عليه السّلام. قال الإمام البيضاوي (ت 691 ه ) تعليقا على قوله تعالى " ولا تسبّوا الذين يدعون من دون اللّه فيسبّوا اللّه عدوا بغير علم" ( الأنعام 108 )، " وفيه دليل على أنّ الطّاعة إذا أدّت إلى معصية راجحة وجب تركها فإنّ ما يؤدّي إلى الشرّ شرّ " ( تفسير البيضاوي 2/177)، والفتوى كما قال العلماء تقدّر " زمانا ومكانا وشخصا ونتيجة" (مراعاة الخلاف 123). وقال الإمام البغوي(ت 516 ه) في تفسيره معلّقا على الآية السّابقة الذّكر " فظاهر الآية وإن كان نهيا عن سبّ الأصنام فحقيقته النّهي عن سبّ اللّه لأنّه سبب لذلك" (تفسير البغوي 3/176). ويتعجّب المرء اليوم في هذه الفقه المخبول الذي تدعو إليه داعش ودعت إليه من قبل طالبان وتدعو إليه الجماعات المسلّحة، فقه يلغي منظومة الاجتهاد الأصولية الواسعة والثّرية ويحاول اصطياد أدلة نصيّة يتيمة هنا أوهناك أوتقوية تفسير خارج السياقات ثم تملأ الدنيا بحديث الوجدان والشّجاعة والبطولة وتحدّي الأعداء، ألا يُدرك هؤلاء أنّهم لا يعملون ولا فضل لهم في نمو السّاحة بالعمل الإسلامي بل مهمّتهم عندما يعظم الزّرع يتكفّلون بإحراقه وإفساده. إنّهم يعيشون خارج الزّمن وخارج منظومة الفقه الاجتهادية، كلّ فتاواهم مفسدة لا تأتي بأيّ خير يُذكر على المسلمين، كلّ خياراتهم هدم لما بُني بعرق الدّعاة والعلماء والمخلصين من هذه الأمّة، وصدق الجابري عندما صوّر هذا الفقه بفقه الهوامش لا علاقة له بقلب الأمّة ولا مصالحها بل هو نوع آخر اليوم من أسباب نكساتها، ولذلك لا يُستغرب وجود روائح الأجنبي فيه كتوجيه ودعم ودفع إلى الأهداف التي يحوّلها نقاطا إيجابية لصالح مشروعه الكبير. يتبع…