عزيزي القارئ، كنت أخبرتك في المقال السابق، أن "لا" لم تنتصر خلال أي استفتاء عالمي إلا مرتين في فرنسا وفي اليونان، ثم صحح لي صديقي "سيد احمد" وأنت لا تعرفه لكنه صديق عزيز علي مثلك تماما: (إن استفتاءات كثيرة كانت الغلبة فيها ل "لا"، استفتاء هولنداوفرنسا على الدستور الأوروبي في 2005، استفتاء النرويج للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مرتين (في السبعينات والتسعينات)، استفتاء اسكتلندا حول استقلالها مؤخرا، واستفتاء تشيلي الشهير الذي أنهى ديكتاتورية بينوشيه).. لذلك وجب التصحيح. ولأن صديقي "سيد احمد" يحب أمريكا الجنوبية، سأحكي لك قصة من هناك حدثت بالتحديد سنة 1532 حين انطلق "فرانثيسكو بيثارو" على رأس الكونكيستدوريس* الإسبان يحركهم الطمع إلى شواطئ البيرو العليا بحثا عن "الألدورادو" ومدن الذهب، وبعد أن تغلبوا على جيش "الإنكا" في معركة "كاكاماركا" عام 1532 لم يجدوا أي أثر لمعدن الذهب لكنهم وجدوا هضبة سياراريكو التي ترتفع 5 كلم عن سطح البحر وكانت جبلاً من فضة… صحيح أن الأسماء اللاتينية رهيبة وأجمل من أسمائنا بكثير (لاحظ الفرق بين سياراريكو وسيد احمد)، وصحيح أن ثمن العمال والعبيد ماتوا في المناجم متسممين بالفضة، إلا أن إسبانيا استخرجت 45 ألف طن من الفضة بدلا من أن تكون سببا في الرفاهية أصبحت سببا لأبشع الأزمات الاقتصادية في أوروبا وقتها، حيث اتضح أن الاقتصاد لا يعني كسب المال أو الاحتفاظ به وإنما إنفاقه بحكمة، أي تحقيق أكبر منفعة ممكنة من النقود التي سيتم إنفاقها، وذلك بأقل تكلفة ممكنة. كان هذا أيام الاقتصاد المركنتيلي* وأساطيل الكونكيستدورس الإسباني لا أيام اقتصاد البترودولار* والأسطول الأمريكي في المتوسط…القوة لا تحقق الرفاهية والثروة الباطنية لا تصنع البحبوحة المالية بدون ذكاء اقتصادي ونية حقيقية في البناء.. لذلك فإن المشكلة ليست في الفضة التي يسميها شعب "الإنكا" دموع القمر، ولا في البترول الذي نسميه دموع الجزائر، لكن المشكلة فينا جميعا كل حسب قدره ومنصبه، ولو كان هناك فينا رجلا رشيدا لما كان هذا هو الحال، حيث هناك قيمة لكل شيء إلا للبسطاء. 1 – بالبرتغالية والإسبانية تعني الفاتحين أوالغزاة 2 – وهي مذهب سياسي-اقتصادي اعتمد على الذهب والفضة في التجارة 3 – بترودولار مصطلح اقتصادي يربط قيمة الدولار بالبترول بعد أن تحرر من قيمته بالذهب.