أنجحُ الشعوب ليست تلك التي تملك أفضل وطن، وإنّما تلك التي جعلت من الوطن الذي تملكه أفضل الأوطان، فما الذي سأكتب عنه هنا ونحن نعيش أرقى وأزهى العصور وأحسن ما وصلت له البلاد والعباد من رفاهية وحرية وتقدم، بنيناها بسواعدنا وحاربنا القوى الاستعمارية والمصالح الأجنبية وحتى الأخطار الداخلية لنبني هذ الصّرح الديمقراطي. لا أطيق صبرا لأنجب أبنائي وينجبوا بدورهم أبناءهم فقط لأحكي لهم وغرور العجائز الأحمق يغمرني، وأنا أتصنّع الحكمة بمسح لحيتي البيضاء الخفيفة كما كان يفعل جدّي وهو يتفاخر بأسعار السلع في زمنه، أتصيّد بلهنية الأطفال في عيونهم وأنا أخبرهم عن تجمّعنا حول رئيسنا وحبّنا له وتوافقنا على برنامجه الذي جعلنا قوة إقليمية بل ودولية، أخبرهم عن الدولة المدنية والتخلّص من الفاسدين وتخليص الاقتصاد من التبعية وتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي. لا أطيق صبرا لأرى الشغف في عيونهم وأنا أخبرهم كيف تركنا لهم خيرات الأرض وبترولها وشمرنا على سواعدنا لنجعل من الجزائر التي كانت قبلة للثوار قبلة للسياح، وكيف يصبح السّائح فوق تلال الثلج ويمسي تحت تلال الرمل يقلب فصول السنة في يوم، حيث أقدم الآثار وأفخم الفنادق وأجمل المعالم، كيف تنتج المصانع أحسن الأقمشة والجلود، وكيف تتسابق أشهر الماركات لتفتح فروعها عندنا ونرفض إلاّ أن نصنع ماركات تنافس في العالم، وكيف تصدر مزارعنا الكثير ونهب من خيراتها الكثير للأمم الجائعة، كيف أنّنا نزوّد جيراننا من الدّول الشقيقة بالطاقة مجانا بعد أن توقّفنا عن الاعتماد على المفاعلات النووية وافتتحنا أكبر محطّة للطّاقة الشمسية فلم يعد المواطن يدفع شيئا مقابل الطاقة والتدفئة، بل وأصبحنا نصدر الفائض. ستبتل لحيتي بدموعي وأنا أروي لهم كيف وقف الرئيس مودعا بعد انتهاء عهدته الثانية وكل الشعب واقف لا يريد وداعا يلحّ عليه، بل ويناشده الله أن ابق رئيسا وأكمل معنا، إلا أنّه صرّح بأعلى صوته أن لا رئاسة حتى الموت، ولا صوت يعلو فوق صوت القانون، ولا يوجد رجل واحد في البلاد، بل كل البلاد رجال، وعيونه الدامعة وهتافات الشعب الحزين وخروجه بنفس الحذاء الذي انتخب به بعد 10 سنين لم يشفع له من الدخول في المساءلة.. هنا أصحو فزعا خائفا أسارع لفتح التلفزيون أبحث عن بعض الوجوه المألوفة، أرى طليبة ثم سعداني لا يطمئن قلبي، أبحث أكثر فأجد بعض نواب البرلمان، تعليقات على إقالة الجنرال توفيق، اجتماعا للرئيس.. ساعتها يطمئن بالي وأرتاح، الله.. وأشرب كأس ماء الحمد لله أنه مجرد كابوس من تلبّك معوي وأنّي لن أضطر لأن أكتب عن الإنجازات بلغة الخشب، سأعود للنوم.