كثر المتشدقون بمالك بن نبي، ومنهم الكثير لم يقرأوا له أصلا، ونجد ضمنهم أطرافا تعودت على سرقة كل ماهو جميل، وتنسبه إليها، ويدخل ذلك في إطار الإستحواذ على الرأسمال الرمزي، أي توظيف الرموز لأهداف سلطوية، فلو عاد بن نبي إلى الحياة أو لازال علي قيدها، سيكون الكثير من هؤلاء على رأس محاربيه. يلاحظ المتتبع لبن نبي بأن ليس الإستعمار وأجهزته فقط التي عملت على محاربته وتشويه أفكاره، بل حاربته أيضا الكثير من الأطراف الجزائرية، وكانوا في عون غير مباشر للإستعمار بسبب ضعف الوعي وقصر النظر، وذلك منذ أن طرح المشكلة الجوهرية للجزائر، وهي القابلية للاستعمار، فشوه هؤلاء فكرته، واتهموه في وطنيته، وأقصوه من أي دور أثناء الثورة، كما حاربه الكثير من جمعية العلماء بعد لقائه ببن باديس في باريس في1936، فأستنتج استحالة نجاح الإصلاح على يد المعممين، فالإصلاح بحاجة إلى رجال مستنيرين بذهنية عقلانية كارتزيانية، فازدادت متاعبه معهم بعد إنتقاده الجمعية في كتابه شروط النهظة مؤاخذا أياها تحولها إلى السياسوية والبولتيك بدل بناء الإنسان، كلفه بن بلة في1963 بمديرية التعليم العالي، لكن طرد وأهين بعد إنقلاب 1965من طرف مقرب جدا من جمعية العلماء، وطرد حتى من مسكنه. عاني بن نبي من مشكلة النشر أثناء العهد الاستعماري، فلم يجد إلا صحيفة "الجمهورية الجزائرية" لفرحات عباس التي فتحت له أبوابها، وسمحت له بالكتابة بحرية في الوقت الذي عرقلته صحف جمعية العلماء، فوضعت إدارة صحيفتها "الشاب المسلم" الصادرة بالفرنسية عدة عقبات أمام نشر مقالاته، ولم تسمح له بنشر إلا بعضها،، فكم أشتكي في مذكراته ودفاتره من ذلك. كان لبن نبي عمودا أسبوعيا في مجلة "الثورة الأفريقية" منذ1967، لكن تعرض العمود للقص والمنع عدة مرات لأسباب واهية رغم حرصه على عدم إحراج إدارتها الخاضعة هي أيضا لرقابة فوقية شديدة، ولم يكتف أعداء الحريات بذلك، فوجد يوما نفسه ممنوعا من التنقل للخارج، وهو يهم للذهاب مع زوجته إلى البقاع المقدسة لأداء فريضة الحج، فراسل بومدين عن ذلك، ليسمح له بالسفر بعد أسابيع، لكن تعرض هو وزوجته لإعتداء وحشي في نفس الفترة من مجموعة أفراد، فسبب له ذلك الإعتداء مرضا خطيرا أودى بحياته في31أكتوبر1973، أستغرب بن نبي إستدعاء المحكمة لزوجته وتوجيه التهمة لها بدل توجيهها للمعتدين عليهما. تعرض بن نبي للقمع والعرقلة والتشويه للحد من إنتشار أفكاره المستنيرة والمقلقة والمخيفة للخفافيش التي تعيش في الظلام، ونعتقد أن الكثير من المستغلين لإسمه اليوم كرأسمال رمزي، سيكونون أول المتصدين له لو عايشهم، لأنهم يتخذون من قمع الحريات الفكرية أسلوبا للتزوير وطمس الحقائق، فلتعش الحريات، كي تظهر الحقائق، وللإشارة فكل ما أوردناه أخذناه من مذكراته ودفاتره التي توقف عن كتابتها يوم14جويلية1973. [email protected]