إيمان باي سميت بلدية "المقرية" نسبة للمقري واسمه الكامل أبو العباس أحمد ابن محمد المقري، وهو مؤرخ جزائري كبير ولد في 1591 بناحية تلمسان وتوفي في 1632 بالقاهرة. وبالعودة للحديث عن حال البلدية وقاطنيها، فإنها من بلديات العاصمة الجد فقيرة من حيث مداخيلها، ولعله السبب المباشر في تعطل وتأخر برامج التنمية للمسؤولين المحليين، لكن في الوقت نفسه، فإن الوضع المزري التي تعرفه البلدية وسكانها سببه- كما يعتقد قاطنوها- المسؤولون المحليون أنفسهم، بتركيزهم على تحقيق مصالحهم في الوقت الذي يجب فيه أن يلتزموا بما تعهدوا به خلال الحملة الانتخابية وبذل قصارى جهودهم لافتكاك أكبر حصص سكنية من مصالح الولاية وانتشال عائلات تعيش في بيوت بئيسة وتعيسة تفتقد لأدنى الشروط الحياتية، وآخرون يقتطعون أكثر من نصف أجرتهم الشهرية لأجل اكتراء شقة بدل العيش في الشارع. لم تخرج بلدية المقرية بعد من قوقعة التهميش والحرمان، وربما لن يتحسن وضع سكانها الاجتماعي إذا لم تتدخل مصالح الولاية على وجه السرعة، باعتبارها الوصي الأول على البلدية في مد يد العون للبلديات الضعيفة المداخيل من صندوق التضامن الذي استحدثه لتقديم هذه المساعدات، وربما ستكون الطريقة الوحيدة لاحتواء انشغالات السكان المتعثرة والتي لم تجد لها لحد اليوم حلا، سيما ما تعلق بالأزمة التي أخرجت السكان عن صمتهم ودفعتهم للاحتجاج مؤخرا، على مستوى البلدية بعدما تم ترحيل البعض منهم، فيما حرم البعض الآخر لعدم استيفائهم الشروط. سكان البيت القصديري واد الشايح المقصون "حقرونا ودوالنا ديورنا" انطلاقتنا كانت من مقر بلدية المقرية أين تنقلنا هناك والتقينا بعائلات قابعة أمام البلدية منذ أكثر من عشرين يوما تنتظر الرد على طعونها التي أودعتها بعدما تم إقصاؤها من عميلة الترحيل الأخير، في إطار القضاء على البيوت القصديرية، دون سبب يذكر رغم أنهم مقيمون فيها منذ أكثر من 15 سنة. استقبلنا السكان المقصون بهذه الكلمات وبغضب وتذمر شديدين "حقرونا وداونا ديورنا "، وقال لنا السيد "م. ل" "السكنات وزعت بالمعريفة وتم إقصائي مع أن ملفي مستوفي للشروط، فأنا لدي 3 أبناء يدرسون هنا ولدي كل الوثائق التي تثبت ذلك، ومع ذلك أقصوني ولم أشمل في عملية الترحيل الأخيرة لأسباب أجهلها"، أما السيد "س.م " وهو أب لطفلين، فاكتفى بالقول " البلدية لم تمنحنا أي شيء ومرتبي لا يكفيني لاستجار شقة، فأي مصير ينتظرني وأبنائي، بعدما وجدنا أنفسنا في الشارع". ويطالب السكان المقصون من عملية الترحيل الأخيرة التي عرفتها بلدية المقرية، والي ولاية الجزائر عبد القادر زوخ، الالتفات إليهم وحمل همهم على محمل الجد قبل أن تنزلق الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، ويعودون إلى الاحتجاج لافتكاك حقوقهم، سيما وأن ملفاتهم مستوفاة الشروط وحرمانهم من سكن كان بغير وجه حق. ويقول السيد" ب. ر" أحد المقصين من عملية الترحيل الأخيرة، الذين التقتهم الحوار، " طال انتظارنا وأعتقدنا أننا سنستفيد كجيراننا وأبناء البلدية من الترحيل الأخير، خصوصا وأن ملفنا مستوفى الشروط، غير أن اعتقادنا خاب بعدما أقصينا من قبل المسؤولين لأسباب نجهلها"، مضيفا" كنا نعيش في بيوت تفتقر إلى أدنى متطلبات الحياة وصبرنا وقلنا أنه سيأتي اليوم الذي نعوض فيه خيرا، إلا أننا في آخر المطاف وجدنا أنفسنا نبيت في الشوارع، فأي عدل هذا، ألسنا في بلد القانون؟، ألسنا جزائريين ومن حقنا الحصول على سكن؟، أم أنه لا حق لنا في بيت يأويني وأسرتي؟. الموت يهدد قاطني حي الإخوة منصور تركنا سكان البيوت القصديرية المقصين، وواصلنا استطلاعنا للكشف عما يعانيه باقي السكان. ما يميز بنايات بلدية المقرية، أنها جد قديمة وغالبيتها تعرف هشاشة فظيعة ومصنفة في الخانة الحمراء، غير أن دار لقمان بقيت على حالها وسكانها رغم الشكاوى الكثيرة والمتعددة والنداءات المتكررة لترحيلهم إلى سكنات لائقة قبل أن تسقط هذه البنايات على رؤسهم والتي لم تؤخذ مأخذ الجد. ويقول بعض من السكان الذين تحدثوا مع "الحوار" " كثيرا ما طالبنا وشددنا على الجهات الوصية بضرورة ترحيلنا إلى سكنات لائقة، إلا أن هذه الأخيرة لا تزال غافلة عن النزول عند هذا المطلب وتأبى النظر لوضعنا الكارثي". ومن بين السكان الذين يستغيثون بالوالي قبل رئيس البلدية قاطني سكان حي الإخوة منصور، البالغ عددهم حوالي1000 وتحديدا قاطني عمارة سيلا، حيث تعيش العائلات في وضعية كارثية وعلى وقع مخاوف سقوط البنايات الهشة بشكل لافت للانتباه على رؤوسهم، في الوقت الذي لم تحرك فيه الجهات الوصية ساكنا ولم تبدل -كما قال السكان- أي مجهودات لأجل ترحيلهم إلى سكنات لائقة. ويقول أحد قاطني عمارة سيلا " لسنا نعلم لمَ لمْ نرحل من هذه البيوت الهشة والمهترئة التي تكاد أن تسقط على رؤسنا، فمسؤولونا بالبلدية يقولون أنه سيأتي اليوم الذي نرحل فيه، والواقع يقول لا ترحيل ولا سكن لائق إلى أن تسقط هذه العمارات وتحصد أرواحا، سيما وأن الوضع بات كارثيا بعدما استغل أصحاب المحال الأقبية وهدموا الأساسات أمام مرأى ومسمع المسؤولين المحليين".
بيوت بن بولعيد القصديرية تنتظر الترحيل ينتظر أصحاب البيوت القصديرية دورهم في عملية الترحيل التي شرعت فيها مصالح ولاية الجزائر في إطار القضاء على البيوت القصديرية، وذلك بانتشالهم من بيوت تفتقر إلى أدنى متطلبات الحياة اليومية، حيث أنها تتحول إلى أفران خلال فصل الصيف وبرادات خلال فصل الشتاء، لافتين إلى أنهم تنفسوا الصعداء بعدما طمأنهم عبد القادر زوخ والي ولاية الجزائر بالتخلص من كل السكنات القصديرية سنة 2016، وبأن العاصمة ستكون هذه السنة دون قصدير، حيث هيأوا أنفسهم واعتقدوا أنهم سيرحلون غير أن ذلك ما لم يحدث. وعبرت السيدة "حورية. ب"، وهي أم في العقد الرابع عن حسرتها لعدم ترحيلها إلى سكن لائق، قائلة " أعيش حياة البؤساء والتعساء منذ سنوات، وفي بيت تغيب فيه كل متطلبات الحياة الطبيعة العادية، كما لا أشعر ولم أشعر منذ سكنت هذا البيت القصديري بطعم الراحة، بل وكثيرا ما انتابنا الخوف من أن نموت بداخله قبل أن نرحل لسكن لائق". وخلصت السيدة حورية بالقول" تعبت كثيرا ولم أعد أقوى على الصمود أكثر، فأنا انتظر ترحيلي إلى سكن لائق على أحر من الجمر، وكما ترون فقد جهزنا أنفسنا ولم يظهر أي شيء ولم ينفذ وعد عبد القادر زوخ". نفس المعاناة يعيشها السيد مجيد خليف، أب لطفلين، واحدة منهم مريضة منذ سنوات طويلة، فالشقاء والتعب والتعاسة، مثلما قال يرفض مفارقتهم والبيت القصديري الذي يحتمي فيه رفقة عائلته أصبح غير قادر وأسرته على المكوث فيه، لافتقاده كل الشروط المواتية للعيش البسيط، لافتا إلى أن البيت القصديري كان سبب مرض ابنته وإصابتها بثقب على مستوى القلب. وتابع السيد مجيد بالقول " لو كان لدي المال لما بقيت في هذا البيت لحظة واحدة ولاكتريت بيتا يرفع الغبن عن أطفالي، ولكن مثلما ترون دخلي جد ضعيف ولا أقوى حتى على تطبيب ابنتي".
طرقات مهترئة وضيقة… ومقر بلدية ضاق بمواطنيه وموظفيه
الزائر لأحياء بلدية المقرية – لا محالة – ستتعثر قدمه عند السير بها بسبب طرقاتها المهترئة عن آخرها والتي لم تحرك ساكن المسؤولين، الذين كثيرا ما وعدوا بتعبيدها، دون أن يلتزموا بهذه الوعود. ويبرز السكان الحجم الكبير لمعاناتهم مع الوضعية الكارثية للطرقات، سيما خلال الشتاء، أين يتحول مرور السيارة إلى معضلة حقيقية وتتشكل زحمة مرورية. شيء آخر يؤرق حياة السكان، وهو الازدحام المروري الذي تعيشه البلدية على مدار أيام السنة دون أن تحرك الجهات الوصية ساكنا أوتتخذ تدابير استعجالية للقضاء على الشلل المروري والمعضلة الحقيقية. وبحسب السكان، فإن الوضع يزداد سوءا في أوقات الذروة وتحديدا في الفترة الصباحية والمسائية، أين تتحول الطرقات إلى مسرح كبير لمختلف السيارات تتناطح فيما بينها ويخرج أصحابها عن صمتهم بل ويحولون الطرقات إلى حلبة مفتوحة على مصراعيها للعراك. ويرجع قاطنو المنطقة سبب الازدحام المروري إلى ضيق الطرقات وكثرة المنعرجات بها، ولكون البلدية همزة وصل بين عدة بلديات مجاورة لها، حيث أن الطرقات الضيقة لم تعد تستوعب مساحتها العدد الهائل لسيارات سكان البلدية وكذا سكان المناطق المجاورة. وبالمقابل، تبقى المبادرات الواجب اتخاذها من قبل الجهات الوصية شحيحة وغائبة، وكأن لا مشكل ولا ازدحام مروري يزعج السكان وأصحاب المركبات. ويكون مقر البلدية الواقع ببناية عتيقة من بين هموم الموظفين والسكان على حد سواء، حيث أن هذا المقر الذي كان عبارة عن مركز لدار الشباب وحوّل إلى مقر للبلدية، أصبح لا يتسع لعدد موظفيه، ما يتطلب توسعته أوالانتقال إلى مقر أوسع يسمح بممارسة العمل في ظروف مواتية.
أحياء تغرق في أكوام النفايات .. وشباب بلا ملاعب
ونحن نتجول بين أزقة وشوارع البلدية، لفتت انتباهنا أكوام النفايات المترامية في كل مكان، حتى أنها باتت مصدرا لأوبئة وأمراض من شأنها أن تصيب الصحة العمومية والبيئة. وأبرز السكان تذمرهم من الحالة الكارثية التي آلت إليها البيئة، موجهين أصابع الاتهام إلى مؤسسة "نت كوم" وكذا "اكسترا نت"، اللتين تتقاعسا عن أداء مهامها بالشكل اللائق والمحافظ على صحة السكان والبيئة. وفي اعتقاد السكان، فإن غياب أعوان النظافة سببه غياب المسؤولين وافتقار المؤسسات للوسائل والإمكانات المادية، فضلا عن غياب دور المواطنين الذين لا يحترمون مواعيد وأماكن رمي النفايات، حيث أن غالبيتهم يترك الحاويات فارغة ويرمي قمامته في أي مكان قريب دون التفكير في النتائج السلبية الوخيمة في مقدمتها تشويه الوجه الجمالي للبلدية، فضلا عن تعريض المواطنين للأمراض المتنقلة. ويقترح السكان الذين تحدثوا ل"الحوار"، على المسؤولين المحليين تغريم المواطنين الذين لا يحترمون مواعيد وأماكن رمي النفايات، فضلا عن الضغط على مؤسسات تنظيف الأحياء، إذا ما أرادوا صناعة بلدة نظيفة. ويطالب سكان المقرية وتحديدا شبابها، بتوفير مرافق رياضية وترفيهية، حتى يتسنى لهم ممارسة الرياضة داخل محيط البلدية دون التنقل على مستوى البلديات القريبة والتطفل على ملاعبها الجوارية، وغالبا ما يجد الشباب أنفسهم غير مرغوب فيهم باعتبارهم ليسوا من أبناء البلدية وليس لهم الحق في مشاركة أبناء البلديات الأخرى في ملاعبها.
أسواق فوضوية وتجار يشترطون إزالتها بتوظيفهم
المتجوّل في الأحياء السكنية المتواجدة ببلدية المقرية – لا محالة – يلفت انتباهه وتلتقط أسماعه صوت التجار الفوضويين وسط الأحياء وعلى الطرقات والأرصفة الذين يعرضون مختلف السلع الكهربائية والخضر والفواكه على مرأى ومسمع المسؤولين المحليين. وحسب بعض السكان، فإن المقرية لن تتخلص من الأسواق الفوضوية المثيرة للإزعاج والقلق مادامت الجهات المسؤولة وفي مقدمتها رئيس البلدية غير آبهين لأضرارها على صحة السكان ومظهرها الخارجي، متسائلين عن أسباب رفض المسؤولين إزالتها وتطبيق برنامج الحكومة الذي يعني بالقضاء نهائيا على الأسواق الفوضوية على مستوى كامل التراب الوطني ومنها العاصمة. ويشدد السكان على الجهات المسؤولة، ضرورة التعجيل في القضاء على هذه السوق الفوضوية باعتبارها باتت تشكل خطرا عليها بعدما انعشت السرقات وحولت الأحياء إلى مفرغة للنفايات. بدورهم يستغرب بعض التجار، الذين تحدثوا مع"الحوار"، تذمر السكان وانتقاد تواجدهم بالبلدية، قائلين إن كل أحياء بلديات العاصمة تضم أسواقا فوضوية دون اعتراض سكانها وبأن من دفعهم إلى ممارسة النشاط غير التجاري، باستغلال الأرصفة وطرقات أحياء البلديات، غياب مشاريع التنمية للبلدية وتحديدا غياب فرص العمل سواء من حيث إنجاز أسواق منظمة أو توظيفهم داخل البلدية. "الحوار" خلال مرافقتها للأمين العام للبلدية المقصون من الترحيل ملفاتهم غير مستوفاة للشروط
لم يكن بوسعنا تجاهل مسؤول بلدية المقرية، أين تنقلنا لمقر البلدية ونقلنا انشغالات السكان، غير أننا وللأسف الشديد لم نجد رئيس البلدية وعاودنا التنقل ونفس الشيء كان غائبا. وحسب السكان، فإن رئيس البلدية دائم الغياب ولا يستقبل المواطنين. عاودنا التنقل على مستوى البلدية وصادفنا الأمين العام للبلدية مع بعض العمال مستعدا للخروج في جولة تفقدية على مستوى الحي القصديري لمزرعة بن بولعيد من أجل القيام شخصيا بالتحقيق في الوضع الاجتماعي للمواطنين الذين حرموا من الترحيل الأخير، فدعانا للخروج معه ورافقناه للوقوف على ما يدور بينه وبين السكان. ونحن في طريقنا إلى مزرعة بن بولعيد، استفسرنا حول العائلات المقصية بحي واد أوشايح من عملية الترحيل الأخيرة، فأوضح لنا الأمين العام لبلدية المقرية، أن الإقصاء لم يكن من قبل مصالح البلدية وإنما من قبل لجنة الترحيل المشكلة على مستوى الولاية المنتدبة لدائرة حسين داي، كاشفا أن مصالح البلدية هي الأخرى تنتظر رد الطعون من طرف ولاية الجزائر. واستطرد بالقول " معظم المقصين من عملية الترحيل الأخيرة ليس لديهم الحق في السكن لأنهم غير مقيمين في هذه البيوت". وبالنسبة لوضع العائلات القاطنة بالحي القصديري بن بولعيد، استفيد من الأمين العام، بأنهم بصدد إعداد القوائم الاسمية للمعنيين بالترحيل القادمة، لافتا إلى أن إعداد القائمة سيكون بشفافية ونزاهة. وفيما يخص السكنات الاجتماعية، أوضح الأمين العام للبلدية، أن مصالح البلدية ستركز في إعداد القائمة الاسمية على ملفات قاطني البنايات القديمة والشقق الضيقة، كاشفا أن عدد الملفات المودعة على مستواهم وصل إلى 4000 ملف سكن.