معمر حبار تصل صاحب الأسطر أسئلة كثيرة عن مالك بن نبي، فيجيب بالقدر بقدر القراءة والفهم، ومن بين هذه الأسئلة التي وردت، هل قراءة كتب مالك بن نبي مفيدة؟، أجيبه على الفور.. وعليكم السلام، لايطرح السؤال بهذه الطريقة، وبن نبي كغيره من المفكرين، لايطرح مثل هذا السؤال بشأنهم.. والسؤال المطروح: ماذا يمكنني أن أستفيد من الكتاب والكاتب، وما هي السلبيات التي يمكن للقارئ أن يتجنبها في الكتاب المراد قراءته؟..
والقارئ الذكي يقرأ الكتاب لمن يريد أن يقرأ له، ثم يستفيد منه، فبقدر استفادة القارئ من قراءته للكتاب، يظهر مستواه ونقده ومتابعته.
يعقب أحد القراء على إجابة صاحب الأسطر، فيقول.. "سؤال أطرحه كثيرا: لماذا لم يشتهر كثيرا فكر مالك بن نبي؟، هناك الكثير من ينتقد فكره، هناك من يضيف عليه مؤاخذات أنه يقدم العقل على النقل، هناك من ينتقد فكر بن نبي كونه خليط بين العلمانية والدين في أبشع صور عدم التوافق، و هناك من يصنفه أن فكره الاقتصادي والاجتماعي تقليدي غير قابل للحياة كونه يستعمل مصطلحات المدينة الفاضلة أو ما يشابهها بينما الواقع غير ذلك، فهناك من يصنفه أنه أحد منظري التيار الإخواني الذي فشل في حكم كثير من البلدان".
وبما أن صاحب الأسطر يتابع أسئلة وتعقيبات القراء، فكنت أفرد ورقة كاملة لسؤال القارئ، فكانت الإجابة.. لايطرح السؤال، لماذا لم يشتهر فكر مالك بن نبي، بل هو مشهور لدى الخاصة والعامة، وعبر العالم، السؤال المطروح، لماذا لم تكن له مدرسة خاصة به؟، هذا من ناحية. من ناحية ثانية لماذا بن نبي اشتهر خارج الجزائر وفي الدول العربية والاسلامية جميعا، ولم يأخذ حقه من الشهرة في الجزائر؟. وبن نبي ينتقد، وقد انتقدته بشدة في أكثر من مقال، وما زلت أفعل كلما استدعى المقام للنقد. بن نبي ليس فقيها حتى يقال أنه قدم العقل على النقل، ولم يقل أبدا أنه فقيه، ولم يقل عنه أحد أنه فقيه ومن علماء الدين، هو أعطى وجهة نظره بما يملك من ثقافة وتحليل وبصيرة في الموضوع الفكري المطروح، محترما دينه وقيم المجتمع، ويكفي أن علماء الدين هم الذين قاموا بكتابة المقدمة لبعض كتبه، ويبقى على علماء الدين أن يأخذوا منه ما يعزز النقل والعقل معا، ويتركوا مايخالف النقل إذا عثروا عليه.
بالنسبة لفكره الاقتصادي، هو كغيره من المفكرين الاقتصاديين يأخذ منهم ويرد. والمجتمع مطالب بأن يأخذ من فكره الاقتصادي ما يناسب وضعه الاقتصادي والاجتماعي، ويترك ما تجاوزه الزمن ولم يستطع بن نبي تداركه، وربما فاته أن يتداركه، ويحاول أن يجدد فكره ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
وبما أني قرأت كل كتب بن نبي قراءة الناقد وليس قراءة التلميذ التابع، أقول أن مالك بن نبي..لم يكن أبدا يحمل فكر الإخوان، ولم يكن من "منظري التيار الاخواني"، بل هاجمه الإخوان وعاتبوا عليه صلته بعبد الناصر، وقد ذكرت ذلك في عدة مقالات نشرت، وعاتبه البعض لأنه لم يكن من الإخوان ولم يتحدث عنهم. وكما قلت في مقالاتي السابقة، بن نبي كان له أعداء كثر، منهم الإخوان، وللتدليل على ذلك يكفي القول أن سيد قطب وصفه بأنه "كاتب تغريبي"، وعبد الصبور شاهين اتهمه "بالجنون".
بن نبي صاحب فكر عالمي يتعدى الدولة، ولذلك اعتمد على أفكار عالمية، وسعى لأن يستفيد منها ويعطيها الصبغة المحلية، معتمدا على ثقافته الإسلامية، كما هو الشأن في كتابه "فكرة كمويلث إسلامي"، فقد استمد الفكرة من الكومنويلث البريطاني، وحاول أن يستفيد منه في الرقي بأمته الإسلامية. ونفس الشيء يقال عن استفادته من ماو تسي تونغ فيما يخص الثورة الثقافية، محاولا الاستفادة منها بالقدر الذي يسمح بالاستفادة من الثقافة الإسلامية، وتاركا في نفس الوقت الأفكار الغربية التي لاتتماشى والقيم الإسلامية.
بن نبي لم يكن يتبع شخصا بعينه، ولا حزبا، ولا دولة، ولم يكن يتبع ساسة الجزائر، ولا عبد الناصر، ولا سوري ولا لبناني. بن نبي كان مستقلا في الفكر، فلم يكن يتبع جمعية العلماء الجزائريين، ولم يكن يتبع الأزهر، ولا الزيتونة، ولم يكن يتبع الإخوان، وقد ذهب لسورية ولبنان ولم يكن يتبع أحدا منهم، ولعدم التبعية كان له أعداء من الساسة وعلماء الدين.
وبعد الانتهاء من الرد والإجابة، يصلني تعقيب لطيف من القارئة Asma Khamas، تقول فيه .."ربي ينورك يا أستاذ وأخيرا وجدت إجاباتي، أكثر شيء شدني في كلامك أن المفكر بن نبي عرف بالاستقلالية لا ينتمي إلى فكرة التحزبية وهذا ما نحتاجه من مفكرينا اليوم الاستقلالية هي التي تقينا من الصراعات والاختلافات الممقوتة".
يجيب صاحب السطر القارىء صاحب التعليق قائلا.. "صدقت.. الاستقلالية في التفكير هي التي تقي وتقود نحو الأسمى والأفضل".