تعوّد على نعته بالجريء والعنيد وحتى الثائر.. فلسفته في الحياة قائمة على نقد الآخرين ونبذهم، ممّن يكنّ لهم العداء أو أولئك الذين لا يقاسمونه آرائه وأفكاره، يعيش في عالم البرزخ بل دعوني أقول أنّه يعيش في كوكب آخر بعيد عن الأرض، إنّه الأديب الطاهر بن عيشة، الذي لازال تائها في بحر أفكار أكل عليها الدهر وشرب، أفكار الستينات والسبعينات، عندما كان يعتقد أنّه سيبلغ جبل الطور بعناده ومعاداته لكل الأنظمة القائمة في الجزائر، لا شيء يعجبه ولا أحد يثير اهتمامه. ربّما يتساءل القارئ الكريم لماذا هذا التحامل في هذا التقديم على الطاهر بن عيشة وهو في ذلك محق (القارئ)، لكن عندما يعرف السبب يبطل العجب كما يقال، فأديبنا الكبير لم يتوان من نعت المفكر الجزائري مالك بن نبي (ولو ضمنيا) '' بأحد كلاب الصالونات''، فقد جاء على لسانه في حوار خصّ به أسبوعية ''المثقف'' الأسبوع الفارط ما يلي:'' أين توجد الطبقة العاملة في فكر بن نبي؟ الظاهرة القرآنية في الجنّة، نحن نطالب بفكر ينظم الذين يقدمون عرقهم للمجتمع، على المثقف أن يطرح قضايا تهم الشعب، أمّا الظاهرة القرآنية فهي تهم أناسا آخرين شبعوا من الحياة اليومية، وليست لديهم مشاكل في الدنيا فيبحثوا عن الآخرة. هذا النوع من المثقفين هم''كلاب الصالونات''.. هذه النزعة التي لازمت بن عيشة طوال مساره الأدبي أهّلته ليكون أحد أبرز الخصوم لعدد لا يحصى ولا يعدّ من أصدقاء الماضي أو من المثقفين الذين لم يجد لهم مكانا في قاموسه ولا حيّزا بين جنباته.. الطاهر بن عيشة لم يترك شخصا إلاّ وانتقده، فقد ترعرع على النقد والمعاداة، فلا هو من حملة الأكسجين ولا هو من مسرّبي ثاني أكسيد الكربون.. بن عيشة عندما ينعت عملاقا مثل مالك بن نبي بكلب الصالونات( بطبيعة الحال لا يقصده كشخص وإنّما كفكر)، فهذا الأمر يزيدنا إصرارا على نعت بن عيشة بالجاهل لجواهر الأمور ولأقدار الرجال، فلو كان مالك بن نبي حي يرزق ما تجرأ السّي الطاهر على تقديم هذه الأوصاف، ولو كان مالك بن نبي على قيد الحياة ما كان لبن عيشة أن يناظره أو يحاججه، لكن ما عسانا نقول: '' الحديث عن الميت...''. لعلمك سيدي الكريم يا صاحب الفكر المتدفق والأفكار اللامعة، أنّ مالك بن نبي أصبح بفضل فكره الذي فاق عصره بأكثر من نصف قرن، ماركة مسجلة في جلّ الجامعات العالمية، ولا بأس أن أذكرك في هذا المقام أنّ الجامعة الألمانية الغشطالتية برمجت مادة قائمة بذاتها تحمل اسم "الفكر عند مالك بن نبي'' في مقرراتها، ولمّا تنتقد يا السي الطاهر الظاهرة القرآنية التي تحدث عنها بن نبي وتصنفها على أساس أنّها في الجنّة، فأعتقد أنّ تقدمك في السّن قد أفقدك الكثير من ''صوابك الفكري'' فبن نبي الذي تعتقد أنّه لم يطرح قضايا تهم الشعب، تحدث عن أكثر من ذلك بكثير ولكن ليس بمنطق ''يساري'' أو طبقة ''البروليتاريا'' على الطريقة السوفييتية، وللتأكد من كل هذا ما عليك سوى الرجوع إلى مؤلفاته وهي متوفرة اليوم بالمكتبات، لأنّ مالك بن نبي لم يطرح القضايا فحسب، بل حلّل الظواهر ووضعها في نصابها وفي سياقها الطبيعي، وهو ما أكسبه احترام الكبار. أمّا ما تعتقد أنّها تهمّ أناسا شبعوا من الحياة اليومية ويبحثون عن الآخرة من خلالها (أي الظاهرة القرآنية) فما عليك سوى الرجوع إلى أمهات الكتب الإسلامية لتُرشدك وتوجهك صوب ما غفل عنه تفكيرك، لتعلم أنّ قوام الحياة البشرية يحدده القرآن من حيث أنّه يعتبر ظاهرة، وجب التمعن والخوض والتدبر فيها، بعيدا عن الجدل ولغة الخشب.. أما وأنّك قد بدأت فدعني أنقل للقارئ الكريم شيئا من الحقائق، كونك قلت في سياق آخر: '' لن أكلّم الطاهر وطار ما حييت..'' فقد ذكر لي أحد المقربين من الأديب الجزائري الطاهر وطار أنّ سبب خلافك مع (عمّي الطاهر) لا يعود إلى جلوسه إلى اليهود (مثلما صرّحت به) وإنّما لسبب آخر يتمثل في غضب وطار منك عندما أقحمت نفسك في الصراع الذي كان دائرا بينه وبين رشيد بوجدرة، وقد طلب منك حينها بألاّ تتدخل فالصراع الدائر بينهما لا يتجاوز الحدود الأدبية والثقافية... فلتعد إلى رشدك يا''السي الطاهر''، وتقدم اعتذارا رسميا لعقلك باسم لسانك'' الجارح'' فمالك بن نبي كان يحمل في عقله خارطة الإصلاح وأسباب النهوض بالأمّة الإسلامية..وأنت؟.