في زمن لطالما اعتقد فيه الناس أن قضية زواج الأخ من أرملة أخيه قد صار من الماضي البعيد، حيث ساد في وقت هذا النوع من الزيجات في زمن العروشية والقبلية وحتى إبان ثورة التحرير، إلا أن هذا النوع من الزيجات مازال يحدث لأسباب ولأخرى في أرياف الجزائر. وفي حالات قليلة ولنفس الأسباب بالعاصمة أيضا. وحتى وإن كان البعض يشعرون بالقرف لمجرد السماع عن الموضوع إلا أنه واقع ارتأينا تسليط الضوء عليه من خلال عينات تعكس هذه القضية. تختلف نظرة الأولياء عن الأبناء في موضوع زواج الأخ من أرملة أخيه، بحيث يرونه من الزاوية المشرقة، أي من زاوية الحفاظ على الأسرة من الضياع، خاصة في ظل وجود الأطفال الذين يتوجب حمايتهم من التشرد، بل ومن الواجب إبعادهم عن أيدي "الغرباء" التي لا ترحم. لذا فزواج الأخ من أرملة أخيه لم يكن يوما زواجا عاديا يعتمد على رغبة رجل وامرأة، بل هو مهمة إنسانية بالدرجة الأولى هدفها الأساسي الإبقاء على أواصر الأسرة الواحدة المتماسكة ولم الشمل. والمؤسف في هذا النوع من الزيجات الذي كان يحدث عنوة في المجتمع الجزائري، هو إرغام كل من الأرملة والأخ على رباط لم يختره أي منهما، بل أن الأخ غالبا ما ينفر نفسيا من هذا الرباط وكثير من الحكايات تؤكد بقاء هذا الزواج حبرا على ورق في حالات كثيرة، الهدف الأساسي منه هو ترك زوجة الأخ المتوفي تحت غطاء شرعي يرضي المجتمع ويقطع الطريق على الأرملة في الزواج من آخر، لذا نجد أن المرأة هي الأخرى متضررة من مثل هذا الارتباط، وربما ترى فيه مصادرة لحقها في الاختيار وحريتها في تحديد نمط حياتها المستقبلية، والشقيق ربما يراها ظلما له وتحمله أعباء ليس بمقدوره الوفاء بها سيما إذا كان متزوجا وسعيداً في زواجه. لذا فمثل هذا الزواج له تداعياته النفسية على الرجل والمرأة والأطفال، وله متاعبه ومشكلاته المستقبلية التي قد تلقي بإحباطاتها وأوجاعها عليهم ؟ البعد الإنساني يطغى على العاطفي والأسري حالة مراد من ولاية البويرة هي إحدى الحالات التي اضطر فيها الأخ للزواج بأرملة أخيه بعد أن رحل هذا الأخير في ريعان الشباب مخلفا وراءه زوجة وطفلين، "لو كانت الزوجة كبيرة في السن لما تحيرنا ولبقيت بيننا كأي أم ترعى أبنائها، لكن المشكلة أنها شابة في ريعانها لم تتجاوز ال29 سنة من عمرها، وأهلها يعارضون بقاءها عزباء. بل ويصرون على تستيرها، وكأن كلمة"هجالة" التي هي وضع محتم على كل من فقدت زوجها يعتبرونها عارا". بهذا استهل مراد حديثه معنا عن حالته، فهو كان متزوجا حينما توفي شقيقه مخلفا أرملة وصغيرين، لم يشأ والداه أن يفارقوهم لأنهم من رائحة المرحوم الغالي الذي كان قرة عين لهما وفارقهما في ريعان الشباب دون سابق إنذار إثر حادث مرور أليم. ويذكر مراد أن شقيقه المرحوم أوصاه بأولاده خيرا ساعة قبل وقوع الحادث وكأنه كان يترك وصيته الأخيرة. ويتابع مراد" الوضع الذي وجدت فيه نفسي لا أحسد عليه أبدا، فقد ضحيت وأكثر من تحملت الوضع مرغمة عليه هي زوجتي التي تغيرت حياتها بين ليلة وضحاها واستحالت زوجة "سلفها" التي كانت تربطها بها علاقة أخوة إلى ضرة لها. وضع صعب لم نتخيله يوما، لكن الأصعب في نظري هو التضحية بعائلة أخي وترك الغرباء يربونهم أو إبعادهم عن والدتهم وهذا أيضا وضع لا يحتمل في سنهم هذه..وجدت نفسي أمام خيارين لا ثالث لهما، إما ترك زوجة أخي تذهب للعيش مع أهلها فيتعرض أولاده لمشاكل وإذلال لا حد لهما، وإما الاقتران بزوجة أخي، وهكذا حدث الأمر على مضض ولا أريد أن أصف لكم حال زوجتي الأولى، بل ونفسيتي أنا التي جعلتني حتى الآن لم أقترب من المرأة التي أصبحت زوجتي أمام الله ثم الناس، وأترك الأمر للأيام". علاقة محكوم عليها بالفشل المسبق مسعودة هي الأخرى إحدى ضحايا هذه الظاهرة من ريف عين بسام، عبرت لنا عن وجهة نظرها بكل أسى وحزن فقالت: "تزوجت شقيق زوجي بعد وفاته بسبب إصرار والد زوجي المرحوم وذلك لأنني ابنة أخته، خاصة بعد أن رفضت التخلي عن أطفالي من زوجي المتوفى وهما ولد وبنت، وعلى الرغم من أنني أكدت لهم عدم رغبتي في الزواج بعد زوجي وحاولت إقناعهم بالعدول عن الأمر باستماتة، لكن وأمام هذه الضغوط وافقت على الارتباط بشخص لطالما ناديته بأخي في محاولة للبقاء بجوار أطفالي، لكنني اكتشفت أن شقيق زوجي كان رافضاً هو الآخر لهذا الموضوع ومعارضاً بشدة، وأنه كان يرغب بالزواج بفتاة أخرى تربطه بها علاقة حب قوية، إلا أن والده خيره بين الزواج مني وبين الغضب عليه وحرمانه من ميراثه، كما أنه أصر كثيرا على إتمام هذا الزواج حفاظا على ميراث أبنائي وحتى لا يستولي عليه زوج أمهما في حال تزوجت مرة ثانية"، وبعد الزواج اختفت المعاملة الحسنة، بل حتى تلك الأخوة التي كانت بيننا اختفت ولا هو صار زوجا لي ولا بقي أخا، لذلك أنصح كل فتاة أن لا تخوض هذه التجربة أبداً لأنها مرة وقاسية. ..حالات على النقيض في حالة مريم التي تنحدر من حي صالامبي، الأمر يختلف تماما فقد اتفقت مع "سلفها"على الزواج وزوجها كان على قيد الحياة، الأمر الذي استاء له كل أفراد العائلة الذين صدموا في كنتهم وابنهم الأصغر على حد سواء. وتروي لنا شقيقة الأخ المتوفي الحكاية كاملة بقولها" اكتشفنا إصابة شقيقي بمرض رئوي مزمن وظلت حالته الصحية تتدهور يوما عن يوم، كان متزوجا وبدون أولاد، تربطه بزوجته علاقة حب واحترام، ما لبثت أن تغيرت بعد فترة مرضه، فقد صارت زوجته تعامله معاملة شخص مريض تقوم بواجبها الإنساني تجاهه فحسب. وقد شعر هو بذلك ولم يلبث أن شعر بهذا التغيير، خاصة وأن شقيقه الأصغر منه دخل على الخط، خاصة حينما دخل المستشفى في مراحل المرض الأخيرة، حيث لاحظ اهتمام زوجته بشقيقه كما تأكد من تصرفهما بأن شعورهما متبادل وهو ما يزال على قيد الحياة، فقد كانت تزوره وهو مريض في كامل زينتها وأناقتها برفقة شقيقه وعلامات الرضا بادية عليهما..مما سرع في تدهور حالته النفسية والصحية في آن واحد. وتتابع الشقيقة المصدومة" مباشرة بعد وفاة شقيقي المريض، فاتحنا الآخر برغبته في الزواج من أرملة أخيه، وصمم عليها رغم رفضنا.. خاصة والدتي التي صدمت هي الأخرى في سلوك كنتها، وقرفت منها، لكن ما باليد حيلة، فقد قررا سويا الموضوع قبل حتى أن يتوفى أخي ووضعوا كل العائلة في الأمر الواقع. وأخيراً الزواج بزوجة الأخ ظاهرة صنعها المجتمع في محاولة لتخفيف مشاكله ولم الشمل، إلا أن لهذه الظاهرة أبعاداً متشابكة يجب مراعاتها من قبل الأهل حتى لا يتحول هذا الحل إلى مشكلة كبيرة يصعب حلها والسيطرة عليها، ومن هذه الأبعاد تقارب أطرافها عمرياً ونفسياً، ونسبة قبول كل الأطراف لهذا الحل وتقدير نسبة النجاح الآن ومستقبلاً، وإذا ما راعى أفراد المجتمع هذه الأبعاد قد تصبح الظاهرة حلاً متميزاً.. أما عدم مراعاتها قد يحول الظاهرة إلى أزمة عارمة تغرق المجتمع في مشاكل أكبر من أن يستطيع المجتمع نفسه إيجاد حلول لها. الشيخ عبد القادر باخو: الزواج من أرملة الأخ حلال وجائز شرعا أوضح الشيخ عبد القادر باخو، مدير الشؤون الدينية والأوقاف لولاية ايليزي في تصريح للحوار أن الزواج من أرملة الأخ حلال وجائز شرعا، حيث تعتبر المرأة أجنبية على أخ زوجها، ويحل له الزواج منها، شريطة أن يكون رضا الطرفين وقبولهما، وأن لا يقوم هذا الزواج على إرغام أو مصلحة. وأضاف أنه سيكون حرام في حال تم مثل هذا الزواج على إرغام أحد الطرفين على الارتباط، إذ غالبا ما يمارس الضغط على شقيق المتوفي لأسباب اجتماعية يرى الأولياء أنها جديرة بأن تحترم، لكن الضغط والإكراه غير جائز من الناحية الشرعية وحال الزواج من أرملة الأخ حاله حال أي زواج آخر يجب أن يتوفر فيه شرط الرضى والقبول دون ضغوط أو إكراه. ح/سامية