تيمنا بالمسلسلات العربية و هروبا من صرامة القانون الجزائري الذي صار يلزم الراغبين في الزواج الثاني أخذ موافقة الزوجة الأولى وللإفلات من شبح العنوسة الذي يحاصر اليوم قرابة 9 ملايين جزائرية ، عرف الزواج العرفي ببلادنا في السنوات الأخيرة استفحالا وانتشر بين كل الفئات وتمركز أكثر بين الرجال المتزوجين و طلبة الجامعات والأجانب ممن لا يستطيعون الباءة، في حين أن بطلاته هن من الطالبات أو المطلقات والأرامل اللواتي لا يفرق معهن العرفي من دونه طالما أنها وثيقة أمام الله . وإن اختلفت التسميات من العرفي إلى المسيار أو كما هو شائع عنه أيضا زواج المتعة ، سجلت مصادر قضائية أكثر من 4500 قضية لهذا النوع من الزيجات غير الموثقة ،وما خفي كان أعظم لأن السواد الأعظم من هذه الزيجات ينتهي دون مشاكل بعد انقضاء المصلحة المشتركة والزيجات المعلن عنها هي فقط تلك التي طرقت أبواب المحاكم في قضايا إثبات النسب وغيرها . والجديد في الأمر اليوم أن أكثر المتورّطين في هذه القضايا هم الأجانب المسلمين وغير المسلمين الذين يدخلون الجزائر بغرض العمل أو الاستقرار، إلى جانب الجزائريين ميسوري الحال الراغبين في الزواج للمرة ثانية بعيدا عن أعين الزوجة الأولى.وعن مشاكل الإشهار التي تجر وراءها هموم كبيرة هم في غنى عنها ، خاصة وأن المجتمع الجزائري لا يستسيغ الزواج الثاني ولا يعترف به . وقد اتسعت ظاهرة العرفي في الجزائر أكثر بعد التعديل الذي شهده قانون الأسرة والذي ضيق الخناق على كل الراغبين في التعدد بعد أن صار القرار بيد الزوجة الأولى بحيث لا يعقد القاضي قران الثانية إلا بموافقتها هي طبقا لما تمليه المادة ال 8 من قانون الأسرة الذي يمنع الزواج من الثانية بدون موافقة الأولى في حين أصبح من الميسر أيضا على الأجانب الذين قدموا إلى الاستثمار بالجزائر أن يتزوجوا بشابات جزائريات زواج مصلحة متبادل غالبا ما يكون عرفيا . وأكثر ما سهل هذا النوع من الارتباط هو لا مبالاة الكثير من الجزائريات حول دين العريس أو ملته أو حتى استمرارية الزواج ، لأنه أولا وأخيرا زواج مصلحة ، أبطاله أجانب من العرب وغيرهم من الأمم جاءوا بهدف "البزنسة" أو في إطار عقود عمل.لكن الأمور تتعقد في حالات إثبات النسب . وتشهد المحاكم الجزائرية عشرات القضايا التي تحال إلى مخبر المديرية العامة للأمن الوطني لإجراء تحاليل الحمض النووي ،ومن ثم إقرار النسب لولي الطفل، حيث أثبتت التحقيقات في القضايا المطروحة على العدالة أن العديد من الأزواج يلجئون إلى الأئمة لإبرام القران الشرعي مستعينين بشهود مزيفين. وهذا بعد أن أقرت وزارة الشؤون الدينية عدم قراءة الفاتحة قبل إبرام عقود الزواج وتسجيلها وهو ما كان يتسبب في مشاكل كبيرة نتجت بسبب التغرير بالفتيات وما ينتج عنها من حمل ومن ثم تبرأ العريس منه وهروبه دون أن يتمكن القانون من أن يطوله . مستثمر ثري يوقعها في براثن العرفي مثلما فتحت الشركات المستثمرة بالجزائر فرصا وآفاقا للعمل أمام الشباب الجزائري مثلما فتحت أعين الشباب العربي الذي له باع طويل في مسائل الزواج العرفي على خوض غمار مثل هذه العلاقات التي كان مجتمعنا الجزائري وإلى وقت قريب يجهلها ، وصار الزواج بالأغنياء وأرباب المال والأعمال حلم خيرة الجزائريات من الجميلات ، المثقفات وحتى من بنات العائلات ، بعد أن تغير مفهوم الزواج لعدة أسباب وتأثيرات منها الاجتماعية والاقتصادية ، وصارت المصلحة التي تجنى من وراءه أهم ما يطرح في مسألة الإقبال عليه وليس نجاحه واستمرار يته . لكن وفي وسط هذه الصفقات تجد دوما ضحايا لا يدركون قواعد اللعبة في عالم "البيزنيس" فيفرطن عن حسن نية في أعز ما يملكن ويندمن بعدها حين لا ينفع ندم . لمياء صاحبة ال22 ربيعا جامعية دارسة لفنون التسويق على أصوله ،دخلت بفضل إحدى صديقات العائلة إلى إحدى الشركات لتعمل في مجالها . وكان جمالها الباهر ومظهرها وثقافتها مفتاحا للوصول إلى قلب صاحب الشركة الذي كان يتجاوز الخمسين من العمر ، متزوج وله من الأبناء ثلاثة بعضهم في سنها تقريبا .وقد جذبها فيه حسن معاملته فقد كان ناعما في تصرفاته معها يغدق عليها كلمات الإطراء والإعجاب مما جعل له في نفسها موقعا خاصا بعد أن أدمنت تغزله بها الذي لم تعرفه مع أي شاب جزائري . وأبهرتها فصاحة لسانه و جرفتها عواطفها للوقوع في قصة حب عمياء . لكنها لم تستلم لمراودته .وقد كان مدركا لذلك فأقنعها بأن تتزوج به على سنة الله ورسوله ، لكن دون إشهار ويكفي شهادة شاهدين من دائرة محيطه ومستخدميه . واشترى لها شقة جميلة كتبها باسمها . ولعل ذلك ما جعلها تثق فيه وتطمئن على مستقبلها، لكن وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على هذا الحال ، تفطن أهلها لتغير حالها ولتغيبها الكثير عن البيت حتى في عطل نهاية الأسبوع وبعد ساعات العمل المعروفة . وانتقلت الأخبار إلى مسامع أشقائها ووالدها . فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها وطلبوا منه توثيق الزواج والإشهار حتى يتخلصوا من ألسنة الناس التي صارت تلوك في سيرتها ...لكنه رفض طبعا وأكد لها بأن الوضع لا يستطيع أن يتغير لأنه لا يستطيع مواجهة أولاده وزوجته الأولى ولا هدم صرح بيت الزوجية الذي استمر 22 سنة . وطلب منها العيش معه على هذه الحال والاستقرار ببيته الذي اشتراه لها بصفة نهائية ونسيان موضوع أهلها . لكنهم خيروها بينهم وبينه ولم يكن أمامها الخيار فتبعته إلى أن فوجئت به ذات مرة يطلب منها أن توافق على الطلاق منه ليتزوجها صديق عزيز عليه وقعت في قلبه . ..لم تدر إلا وهي في المستشفى وحيدة و تعاني من الصدمة وانعدام الثقة في كل الرجال ... لكن بعد ماذا فقد أصبحت سمعتها في الحضيض . ولم يصدق أحد قصة زواجها العرفي واتهمت بأنها كانت عشيقة له . وكل المعاملات التي تلقتها بعد ذلك من الرجال كانت على هذا الأساس . الجامعات ...بوابة للزيجات العرفية الحديثة يلجأ الكثير من شباب الجامعات اليوم إلى الإيقاع بالفرائس السهلة في شباك الزواج العرفي ، خاصة منهن البعيدات عن أهاليهن ، فتبدأ الرحلة بادعاء الحب والغرام والهيام وتنتهي بإبرام عقد دون ولي ولا إعلان شرعي وإنّما زواج سري محرم في ظل غياب الضمير الإنساني وتغلب الشهوة وعدم وجود الوازع الديني الذي يحرك العواطف البشرية ويهذبها ليرتقي بها إلى أعلى درجات ممكنة من السمو... فالشرع لا يحارب العواطف ولا الشهوات، ولكنّه يروضها ويهذبها لتكون في خدمة الإنسانية جمعاء لتكوين البيت المسلم وتوفير السكينة والطمأنينة ،لكن ما يحدث في جامعاتنا اليوم لا يعدو كونه عبثا ،لكن من تقعن في شراكه لا تدركن ذلك إلا بعد أن تقع الفأس في الرأس . وهذا ما وقع مع سلاف صاحبة ال21 ربيعا والتي عقدت العزم في غمرة من العواطف الجياشة أن تعيش مع مراد الذي تعرفت عليه في الجامعة وكان يكبرها بسنوات عدة ويعد لرسالة الماجستير ، بينما كانت هي لا تزال في السنة الثانية . وقد سحرها بكلامه وأقنعها بأنه لا فرق بين الزواج السري والمعلن طالما أن الله يباركه وليس محرم شرعا وبين الزواج العادي . وقد استسلمت لإغراءاته خاصة وأنه وفر لها مسكنا كان يؤجره على مقربة أمتار من الجامعة التي تدرس بها وبهذا تكون قد ارتاحت من ضغط الأحياء الجامعية وحياة الطالبات المضنية بها بعد أن تفتحت أعينها على حياة أفضل .لكن تروي سلاف : "بعد أن انتهى من رسالة الماجستير ودخل عالم الشغل من أوسع أبوابه وصار بإمكانه التقدم بصفة رسمية إلى أهلي لتوثيق الزواج وإعلانه كما كان قد وعدني ،تغيرت تصرفاته وتخلى عني وكأني لا أساوي شيئا في نظره ، وقد حدث هذا بعد أن تعمدت أن أضعه أمام الأمر الواقع حين حملت منه عن قصد رغم اتفاقنا على تجنب الحمل ، لكن ما حدث كان عكس ما توقعته وعوض أن يسرع إلى تثبيت الزواج وإعلانه أمام عائلاتنا ، دلني على طبيب مختص في الإجهاض السري ودفع لي ثمن العملية وأكد لي أن هذا آخر خيط يربطه بي . وليست سلاف سوى عينة من فتيات وسيدات جزائريات وقعن في شباك الزواج العرفي ودفعن الثمن غاليا ، لكن طبعا العذراوات هن أكثر من يتعرضن لمثل هذه المشاكل ، في حين وجدت فيه المطلقات والأرامل حلا أمثل للحياة رفقة رجال اخترنهم دون مشاكل تخص الميراث الذي ورثنه عن أزواجهن أو مشاكل الحضانة . وقد وجدت فيه النساء زوجات ضحايا الإرهاب الحل الأمثل أيضا للاحتفاظ بالمنحة التي خصصتها لهم الدولة . ومهما يكن فقد بات الزواج العرفي ظاهرة جديدة لم تشع بيننا من باب التقليد فحسب، بل هي نتاج لظروف اقتصادية واجتماعية ولتغيرات إيديولوجية وأخلاقية شاعت فيما بيننا وقد تتسع أكثر إن استمر الوضع على ما هو عليه .