مسيرة حاشدة بمدينة "بلباو" شمال إسبانيا تضامنا مع الشعب الصحراوي    المرصد المرصد الأورو متوسطي : تحذير من فرض "نكبة" جديدة ونشر المجاعة في غزة    نادي الأهلي السعودي : رياض محرز يقترب من رقم قياسي تاريخي    قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 18 فلسطينيا من الضفة الغربية بينهم أطفال    القطب العلمي والتكنولوجي سيدي عبد الله: رئيس الجمهورية يشرف على مراسم الاحتفال باليوم الوطني للطالب    اليوم الوطني للطالب: إقامة عدة نشاطات بغرب البلاد    اختتام الطبعة ال9 للمهرجان الوطني لإبداعات المرأة    عرفت بخصوصية الموروث الثقافي المحلي..أهم محطات شهر التراث الثقافي بعاصمة التيطري    عبد الوهاب بن منصور : الكتابة علاج تقاسم للتجربة الشخصية مع الآخرين    عرفت بخصوصية الموروث الثقافي المحلي.. أهم محطات شهر التراث الثقافي بعاصمة التيطري    الثلاثي "سان جيرمان" من فرنسا و"أوركسترا الغرفة سيمون بوليفار" الفنزويلية يبدعان في ثالث أيام المهرجان الثقافي الدولي ال13 للموسيقى السيمفونية    طواف الجزائر للدراجات: الجزائريون في مهمة استعادة القميص الأصفر بمناسبة المرحلة الثامنة بمسلك سكيكدة-قسنطينة    بن قرينة يرافع من أجل تعزيز المرجعية الفكرية والدينية و الموروث الثقافي    ربيقة يشرف بالبويرة على فعاليات إحياء الذكرى ال 67 لتدمير الجيش الاستعماري لقرية إيغزر إيوقورن    الفريق أول السعيد شنقريحة في زيارة عمل إلى الناحية العسكرية الأولى    مشروع "فينيكس بيوتك" لتحويل التمر يكتسي أهمية بالغة للاقتصاد الوطني    نقل بحري : ضرورة إعادة تنظيم شاملة لمنظومة تسيير الموانئ بهدف تحسين مردودها    الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية يجتمع بباريس مع رؤساء المراكز القنصلية    الأمين الوطني الأول لجبهة القوى الإشتراكية من تيزي وزو: يجب الوقوف ضد كل من يريد ضرب استقرار الوطن    رئيس الجمهورية يهنّئ فريق مولودية الجزائر    ينطلق اليوم تحت شعار ''معلومة دقيقة.. تنمية مستدامة'': الإحصاء العام للفلاحة أساس رسم السياسة القطاعية    ميلة: استلام 5 مشاريع لمكافحة حرائق الغابات قريبا    بمشاركة مستشفى قسنطينة: إطلاق أكبر قافلة طبية لفائدة مرضى بين الويدان بسكيكدة    تزامنا وبداية ارتفاع درجات الحرارة بالوادي: التأكيد على التخلص من النفايات للوقاية من التسمم العقربي    سيساهم في تنويع مصادر تمويل السكن والبناء: البنك الوطني للإسكان يدخل حيز الخدمة    إضافة إلى فضاء لموزعات النقود: 9 عمليات لإنجاز وتأهيل مراكز بريدية بتبسة    بتاريخ 26 و27 مايو: الجزائر تحتضن أشغال المؤتمر 36 للاتحاد البرلماني العربي    وزير الشؤون الدينية من بومرداس: المساجد والمدارس القرآنية خزان روحي لنبذ التطرف    بلقاسم ساحلي يؤكد: يجب تحسيس المواطنين بضرورة المشاركة في الانتخابات    ميدالية ذهبية للجزائرية نسيمة صايفي    الاتحاد الإفريقي يتبنى مقترحات الجزائر    رمز الأناقة والهوية ونضال المرأة الجزائرية    تسليم شهادات تكوين وتأهيل وتكريم باحثين    رتب جديدة في قطاع الشؤون الدينية    المولودية تُتوّج.. وصراع البقاء يتواصل    اتفاقية شراكة بين الجزائر وبلجيكا    الجزائر عازمة على أن تصبح مموّنا رئيسيا للهيدروجين    كارثة حقيقية تهدّد رفح    تأمين خاص يغطي مخاطر الكوارث الفلاحية قريبا    مراتب جديدة للأئمة أصحاب الشهادات العليا    بالتفاصيل.. المسموح والممنوع في بكالوريا 2024    هذا موعد أول رحلة للبقاع المقدسة    صادي و"الفاف" يهنّئان المولودية بعد التتويج    المطالبة بتحيين القوانين لتنظيم مهنة الكاتب العمومي    مباراة متكافئة ومركز الوصافة لايزال في المزاد    استعراض العلاقات التاريخية بين الجزائر وصربيا    ليلة بيضاء في العاصمة وزملاء بلايلي يحتفلون مع الأنصار    إعادة افتتاح قاعة ما قبل التاريخ بعد التهيئة    610 تعدٍّ على شبكات الكهرباء والغاز    وفاة ستيني في انقلاب سيارة    الدرك يطيح ببارون مهلوسات    الحجاج مدعوون للإسرع بحجز تذاكرهم    مهنة الصيدلي محور مشروع مرسوم تنفيذي    نفحات سورة البقرة    الحكمة من مشروعية الحج    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    الدعاء.. الحبل الممدود بين السماء والأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لفتات
نشر في الحوار يوم 06 - 06 - 2016


الدكتور يوسف بلمهدي
ما يعين على الصبر
يحتاج الإنسان في حياته الدنيا لما فيها من نوائب كثيرة ومضايق وشدائد إلى ما يعينه على الصبر، لأن الصبر نصف الإيمان ونصف الدين، وبقي النصف الآخر وهو الشكر، والإنسان إما منعم الشكر وجب عليه الشكر، وإما مبتلى وجب عليه الصبر، فما هو يا ترى الدرس الذي يمكن أن نستفيده من بعض قصص القرآن الكريم حتى نستعين بالصبر؟ قال تعالى: " وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ" (سورة البقرة: الآية 45)
* فكيف أستعين بالصبر، وما هي الأشياء التي تعينني على أن أصبر؟
قال تعالى في كتابه العزيز لرسولنا صلى الله عليه وسلم "اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ" (سورة ص الآية 17)، جاءت هذه الآية الكريمة في معرض الحديث عن المكذبين. هؤلاء المكذبون ذكرهم الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم حتى ينتفع بقصص الأولين، ففي قوله تعالى: "إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ(سورة ص: 14)، ذكر الأحزاب من قوم نوح وقوم لوط وأصحاب الأيكة وفرعون وعاد وثمود، قال تعالى: "إنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ" (14) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (15) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ(16) اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)" (سورة ص: 14 – 17). قبل أن نعود إلى المعينات والمؤيدات على الصبر نشرح كلمتين وردتا في هاته الآية الكريمة في قوله تعالى "وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (15) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16) اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)" (سورة ص: 15 – 17) فما هو الفواق وما هو القط؟، أما الفواق فقال علماؤنا هو المقدار الذي يكون ما بين حلبتين عندما يحلب الإنسان شاته أو بقرته ما بين حلبتين يسمى فواقا، بمعنى أن القيامة إذا جاءت لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، ولو كانت هذه اللحظة تقدر بما بين حلبتين أو ما بين رضعتين، وقال بعضهم هي مأخوذة من إفاقة المريض إذا استفاق وأغفى بعد ذلك إذا استفاق ثم عاد إلى مرضه، أو قالوا هو عود اللبن إلى ضرع الناقة حين تدر باللبن، والمعنى فيه خفة ما يحدث وسرعة ما يحدث يوم القيامة هي كلمحة واحدة من البصر كما جاء في مواضع أخرى، فكأن هؤلاء الذين كذبوا بالقيامة إذا جاءت لا يجدون لها فواقا أي لا يجدون لحظة واحدة يستأخرون فيها أو يستقدمون. وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا (سورة ص: الآية 16)، القط هو القسط وهو النصيب وكأنهم يستعجلون بنصيبهم من العذاب وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (سورة الرعد: الآية 6). بعد أن ذكر الله تعالى وقد عرفنا هذا الشرح الوجيز لهذه الآية زمرة من المكذبين لرسلهم واستحقوا العذاب، قال له الحق سبحانه "اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ" (سورة ص الآية 17)، أولا أخذنا في اللفتة الأولى أن الله تعالى أراد أن يعين نبيه صلى الله عليه وسلم كي يصبر بذكره للأقوام السابقة، فإذا أردت أن تصبر على لأواء الدهر، وعلى نوائبه التي تعض الإنسان من حين لآخر ويجعله يتأوه ويجعله يصلى نار الشقاء في هذه الدنيا فليذكر الأمم السابقة، وليذكر غيره من البشر فإذا وجد تكذيب السابقين صبر على دعوته لله سبحانه، وإذا وجد بلاء السابقين صبر على البلاء الذي ناله، وهكذا تجد نفسك قادرا على تجاوز المحنة التي أنت فيها، ولذلك قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ومن خلال رسوله لنا نحن
* اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ

فإذا أردت أن تستعين بالصبر فاذكر الأمم السابقة وما كان أنبياؤهم يعانون وأذكر هؤلاء المبتلين فإنه سينجلي عليك ذلك لا محال، أمر آخر في قوله تعالى "اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ" (سورة ص الآية 17)، ذكر داوود عليه السلام ولم يذكر غيره لا لشيء إلا أن داوود عليه السلام كان نبيا، وكان ملكا، ولكن رغم نبوته واشتغاله بأعباء النبوة واشتغاله كذلك بأعباء الملك، إلا أنه كان صواما في نهاره ولذلك قال عليه الصلاة والسلام أفضل الصوم صوم داوود كان يصوم يوما ويفطر يوما، وكان عليه الصلاة والسلام يقوم نصف الليل بمعنى يستعين بهذا الدين بهذه المضخة الروحانية على لأواء الدهر وعلى مصائب الزمان وعواد الأيام، فإذا أردت أن تصبر فاذكر السابقين، ثانيا حاول أن تستزيد من القوة الروحية، من المعاني التربوية النفسية التي تجعلك ذا شكيمة كما كان يفعل سيدنا داوود عليه الصلاة السلام وقد وصفه الله تعالى بقوله "ذَا الْأَيْدِ" سورة ص الآية 17 أي القوة، يقال فلان أيدٌ وذو أيدٍ وذو آدٍ وأياد بمعنى كل شيء يتقوى به الإنسان فكأن الأيد هنا بمعناه القوة، فما استطاع أن يصبر سيدنا داوود على ما كان عليه إلا لأنه كان قويا، وقال علماؤنا القوة ها هنا قوة الدين في هذه اللفتة التي أشاروا بها إلى قوله تعالى "إِنَّهُ أَوَّابٌ" سورة ص الآية 17، فأواب تعليل أن قوته أخذها من أوبه من شدة عوده لله تعالى، من سرعة أوبته ورجوعه إلى الله سبحانه عز وجل ولذلك سمى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى بصلاة الأوابين، ولعل سيدنا داوود كان يصليها، ولذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: «هل تجدون ذكر صلاة الضحى في القرآن»، قالوا: لا، قال: «بل أجدها " إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ" سورة ص: 18 وذلك في قصة سيدنا داوود ها هنا في هذه الآية، إذا كأن سيدنا داوود عليه السلام استعان بخزانه الروحي وقوته الدينية على تجاوز أيام الزمان المؤلمة المعذبة التي تشق على الإنسان أحيانا كما في قوله تعالى: "إِنَّهُ أَوَّابٌ"

لفتة ثالثة إن الأيد في الحقيقة لا يصح أن نجعلها فقط القوة في الدين، بل كذلك القوة في الدنيا واقرأ معي القوة في الدين في قوله تعالى " إِنَّهُ أَوَّابٌ 17 إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ 18 وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ" ص: 17 – 19 فتحدث عن التسبيح، وتحدث عن الصلاة، وتحدث عن الأوبة والتوبة، وتحدثنا عن صيامه وعن قيامه، كل ذلك خزان من الدين مبارك ولكن بعدها مباشرة يقول الحق سبحانه للإشارة إلى القوة في الدنيا "وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ" سورة ص: 20، فشدة الملك وتمسكه بإدارة شؤونه وقدرته على أن يكون مديرا لمملكته دلالة القوة في الدنيا، غير أن السبق للدين، لأن الدين إذا أقامه الإنسان أقام الله تعالى دنياه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنني أجدكم لستم بعقلاء ولستم بأذكياء»، فقالوا في معنى حديثه: «ولم يا رسول الله؟»، قال: «إنكم لو كنتم حريصين على ما ينفعكم لسألتم الدنيا من الذي يملكها، وهو الله ويعطيكموها سبحانه عز وجل ولئن كنتم تسألونه الآخرة لسألتم الله فسيعطيكموها الله تبارك وتعالى»، فقوة الدين دافعة على قوة الدنيا، وتضييع الدين مضيعة للدنيا، ولذلك قال الشاعر: نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع، فإذا أردنا أن نستعين على لأواء الدهر ومصائبه فلنذكر السابقين، ولنذكر خزان الدين، ولنستكثر منه ولنستعد لإصلاح دنيانا حتى نصبر على بلاء الزمن ومصائب الدنيا. وفي الختام أختم بلفتة رابعة أخيرة قول الله تعالى في شأن الجبال: " إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ" ص: 18 ولم يقل الحق سبحانه وتعالى "مسبحات" لا لشيء إلا لكي يدل بهذا الفعل المضارع "يُسَبِّحْنَ" على حدوث التسبيح من الجبال شيئا فشيئا وحالا بعد حال، فهو يتردد لا ينتهي أبدا ولا ينقضي وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (سورة الإسراء: 44).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.