(ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة) سجود المحراب واستغفار الأسحار ودموع المناجاة سيمات يحتكرها المؤمنون ولئن توهم أهل الدنيا أن اللذة والجنة في الأموال والنساء وفي البيت الجميل والفراش الوثير فإن جنة المؤمن في محرابه ولذته في مناجاته لربه سبحانه وتعالى حين يقوم فيترك فراشًا وثيرًا وزوجة حسناء ويلقى عن نفسه التعب والكسل ليجيب نداء ربه وهو يدعوه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً} يا أيها الملتف في ثيابه المستدفئ في فراشه: قم فإنك على موعد مع ربك وخالقك وهو ينادي على محبيه: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له قيام الليل وما أدراك ما قيام الليل؟ سنة عظيمة أضعناها ولذة عجيبة ولكننا ما تذوقناها وجنة للمؤمنين في هذه الحياة ولكننا ما دخلناها ولا رأيناها قيام الليل مدرسة تربي فيها النفوس وتهذب فيها الأخلاق وتزكى فيها القلوب قيام الليل عمل شاق وجهاد عظيم لا يستطيعه من الرجال إلا الأبطال الأطهار ولا من النساء إلا القانتات الأبرار {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران:17] قيام الليل دأب الصالحين قبلنا ومكفرة لسيئاتنا وقربة لنا إلى ربنا ومطردة للداء عن أجسادنا والنساء أيضًا ولم يقتصر الأمر بقيام الليل على الرجال فحسب وإنما أيضا دعيت إليه المسلمات فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء) [أبو داود بإسناد صحيح] وعنه قال: قال رسول الله: (إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا ركعتين جميعًا كُتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات) وذكر أن العبد إذا فعل ذلك أو فعلته امرأته ضحك الله من فعلهما وفي المسند: (إذا ضحك الله من عبد فلا حساب عليه) مقدار قيام الليل كان رسول الله يصلي من الليل أحد عشر ركعة أو ثلاث عشر ركعة ولا يزيد على ذلك وكان يقول: (صلاة الليل مثنى مثنى) وروت عنه السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (فصلى أربعًا لا تسل عن طولهنَّ وحسنهنَّ ثم صلى أربعًا لا تسل عن طولهنَّ وحسنهنَّ ثم أوتر بثلاث) هذا هديه صلوات الله وسلامه عليه وكل إنسان يفعل ما تيسر له قدر استطاعته والمقصود هو وجود قيام الليل وإحياء تلك السُّنَّة فيصلي العبد ما شاء ثم إذا تعب نام وفي الحديث: (ليصل أحدكم نشاطه فإذا كسل أو فتر فليرقد) وقال: (خذوا من الأعمال ما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا) [البخاري ومسلم] قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمرنا رسول الله بقيام الليل ورغب فيه حتى قال: (عليكم بصلاة الليل ولو ركعة) وقال رضي الله عنه: ذكرت قيام الليل فقال بعضهم: قال رسول الله: (نصفه ثلثه ربعه فواق حلب ناقة فواق حلب شاة) والفواق: هو مقدار ما يرفع الحالب يده عن الضرع ثم يعيدها إليه وقيل مدة الحلب والمقصود أنها مدة قصيرة وقال: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين) يعني الذين يوفون أجرهم بالقناطير