يكتبه كل سبت: رابح لونيسي حل علينا شهر رمضان المبارك، لكن يلاحظ ترديد نفس الخطاب الديني السائد تقريبا، لكن بشكل مكثف في هذا الشهر الفضيل، إلا أنه لايحدث تغييرا كبيرا في سلوكات الكثير منا، بالرغم من أنه شهر هدفه تربية النفس على التحمل والتعود على الخلق والسلوك القويم، وذلك بصوم كل جوارحنا، إضافة إلى الصوم عن الأكل، فشهر رمضان مدرسة للتربية النفسية والروحية التي نحتاجها اليوم فعلا، كما هو شهر الإكثار من التلاوة المتدبرة للقرآن الكريم، فتلاوته هي الوسيلة الفعالة والوحيدة لتقوية الإيمان، وليس الدروس الدينية التي هي تعبير عن آراء وتأويلات ملقيها، ومن المفروض أن تكون هذه الدروس مجرد ترجمة أو شرح مبسط لمعاني القرآن الكريم والأحاديث النبوية مادام هناك البعض منا لايعرفون القراءة، وتناسوا أن أول أمر قرآني هو "اقرأ" الذي جاء قبل الصلاة والصيام وغيرها من الأوامر الإلهية. إن إشارتنا لذلك تدفعنا إلى إعادة طرح مشكلة الالتزام بأخلاق الإسلام الرفيعة في مجتمعاتنا، نعتقد أنه منذ دخول حضارتنا الإسلامية عصور الانحطاط سيطرت علينا ظاهرة كثرة الكلام مقابل قلة الفعل في خطابنا الديني وغيره، وهو ما يحتاج إلى دراسة نفسية عميقة بطرح إشكالية هل كثرة الكلام يعوض الفعل، ويقلل منه؟، فمثلا نخبنا السياسية تتكلم كثيرا، وتخطب في الجماهير ساعات طوال تحت تصفيقاتهم، لكن في الأخير دون أي فعل، لكن المسؤول الغربي يتحدث قليلا، لكن يتبع ذلك بالفعل، أليس من المؤسف افتخار بعضنا بطول الخطب لبعض"الزعماء" الذي هو مصطلح لايستخدم إلا في منطقتنا، وينم عن عبادة الشخصية. نعتقد أن حل مشكلتنا أعمق من أن تكون مجرد تكثيف لدروس دينية، فقد طرح بن نبي المسألة بعمق، فاعتبر أن مشكلة المسلمين "ليست دينية بل حضارية"، فيرى أن المسلم لايحتاج إلى تعريفه بدينه وعقيدته، فهو مؤمن ويعرف دينه، بل يحتاج إلى كيفية تحويله إلى إنسان فعال في سلوكاته وممارساته مثل المسلمين الأوائل أو الإنسان الأوروبي اليوم، فنجده منضبطا ومتقنا لعمله ونزيها وغيرها من الأخلاق، ولم تتقدم أوروبا إلا بها. أما بشأن ثقافة الحلال والحرام السائدة بقوة في مجتمعاتنا اليوم، فإني أورد حكمة لإمام أحد مساجد قريتي الصغيرة التي أنحدر منها، فكان كثيرا ما يردد قبل وفاته مقولة تحمل عدة دلالات، وهو المعروف بتقواه وصوفيته، فيقول بأننا لسنا بحاجة لأعرفكم بالحلال والحرام، فالقط إذا أعطيته قطعة لحم أكلها أمامك، وإذا خطفها وسرقها هرب، لأنه يعلم أنه ارتكب حراما، وهل الإنسان العاقل والمتطور اليوم لايقدر على التمييز بينهما لوحده؟، ألم يقل سيدنا محمد (ص) أن الحلال بين والحرام بين؟، ألا يتفق ذلك مع توافقية بن رشد بين العقل والشريعة؟. فرمضان مبارك لكل المسلمين، وسلامنا لكل البشرية الذي نعطيه إياها كلما سلمنا في آخر الصلاة. [email protected]