هل استنفذت مقاربته أغراضها أم حان أوانها ؟؟ بقلم: الدكتور أيوب سالم حماد الجزء 01 بعد وفاة الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله عام 203 كتبت كتابا تحت عنوان "الشيخ الرئيس محفوظ نحناح.. الكلمة التي سبقت زمانها "استعرضت فيه تاريخه ومناقبه ومعالم فكره ومختلف المدارس التي تأثر بها وشرحت فيه المقاربة السياسية التي كانت تمثل بالنسبة إليه بوصلة السير نحو الهدف كما كان يحلو له رحمه الله أن يعرف ويرسخ ويعمق فكره عبر عموده القار في جريدة النبأ "معا نحو الهدف". وعندما سميته بالكلمة التي سبقت زمانها كنت أعني أن الشيخ محفوظ نحناح سبق بفكره ومقاربته زمانه حيث لم يفهمه حتى أنصاره الذين اختلفوا بعده ليس على مقاربته السياسية التي اعتبرها بعض المفكرين العالمين بتطور فكر الحركة الإسلامية أنها من الإضافات النادرة في السياق الإسلامي يومئذ، وإنما تركزت اهتماماتهم على من يخلف الشيخ في موقع القيادة وبعد مرور عشرية انقسمت الحركة بسبب القيادة وليس بسبب المقاربة. أي نعم لقد سبقت المقاربة السياسية للشيخ محفوظ نحناح أقرانه من قيادات الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي سواء الذين كفروه أو الذين قللوا من أهمية المسعى الذي انتهجه الشيخ وراحوا يلمزونه إن لم أقل يتهمونه في تصريحاتهم وكتاباتهم ومقالاتهم. ولكنه رجل صاحب رؤية ثاقبة في قراءة الأوضاع السياسية المحلية والدولية وكان بحق رجل الاستراتيجية بامتياز. قد يكون الشيخ نحناح ارتكب أخطاء في مسيرته بلا شك وهو شأن البشر على مستوى التكتيك السياسي بغرض تحقيق الأهداف وليس على مستوى الاستراتيجية على ما أعتقد، ولكني أزعم أن تقديره للوضع الداخلي والخارجي كان صحيحاً. كيف لا وهو من السياسيين القلائل الذين توقعوا مايحدث من تحولات في المنطقة بعشر سنوات حين دعا قيادات الحركة في الجامعة الصيفية لسنة 2001 ببومرداس إلى ضرورة الاستعداد للتحولات القادمة في سنة 2011. فرجل بهذا التركيز والتدقيق والاستشراف لاشك أنه كان يملك حاسة سادسة وتوفيق من الله سبحانه وتعالى وهي حاسة كانت تدله على فحص وقراءة المؤشرات القادمة وهو رجل مولع بما كان يصدره كبار الساسة والقادة الاستراتيجيين ولا سيما في المدرسة الانجلوسكسونية التي حولت علم المستقبليات إلى ساحة للتباري على من يصنع ويملك المستقبل بكل تضاريسه الجيوسياسية والجيوبوليتيكية أيضا. وعندما نتحدث عن المقاربة السياسية للشيخ محفوظ نحناح رحمه الله فإننا نتحدث عن الاقتراب(الطريق والمسلك ) الذي كان يفسر به الشيخ نحناح الظواهر السياسية وليس قراءة الأحداث فقط معزولة عن امتداداتها الداخلية والخارجية وأبعادها النفسية والاجتماعية. فالشيخ نحناح شخصية إسلامية عركتها التجربة وصنعتها الأحداث على عين الله حيث لم يكن الشيخ ينتمي إلى مدرسة ذهان الاستحالة ولا إلى مدرسة ذهان السهولة. من الذين تشكلت لديهم قوالب حكمية جاهزة على الأحداث والظواهر وإنما كان الشيخ صاحب رؤية تختلف معه فيها أو تتفق ولكنك ستحترم رأيه المغلف بثوب الصدق في التوجه. رؤية جعل لها محددات سياسية أصبحت اليوم عنوانا من عناوين التطوير في العلوم السياسية ولاسيما بخصوص مفردات العقلانية والرشادة والهندسة السياسية. ألم يختصر الشيخ نحناح وسائط التعريف بحركته السياسية التي جاءت بعد نقاش سياسي واسع داخل الحركة في أجواء صعود مدرسة سياسية أخرى في الجزائر إذا جازت تسمية مدرسة. واستطاع الشيخ ومن معه أن يكثف خطابه ويطوع اللغة في التعبير عن تميز الفكر الذي يحمله فكانت مفردة المرحلية في التغيير والواقعية في التحليل والموضوعية في الطرح محددات فكرية رئيسية في الفكر الجديد الذي يريد الشيخ تسويقه عن رؤياه ومقاربته وحدد لها وسائل فعرفت العينات الثلاث في شعار الحركة العلم والعمل والعدل وهي ثلاثية عميقة الجذور ليضيف إليها ثلاثية أخرى مرافقة عرفت بالغينات الثلاث الغرور والغلو والغفلة. وعندما نشير إلى هذه المعالم والمحددات السياسية والفكرية والأخلاقية للمقاربة فإننا نعود إلى أصول المقاربة التي صنعت فيما بعد منهجا سياسيا صارت تتميز به الحركة عند الرأي العام الداخلي والخارجي حيث حدد الشيخ نحناح الرواق الذي تنتمي إليه الحركة وبعد عقد من الزمن صار معروفاً من يخرج من الرواق وبوضوح وبلا لبس لذلك بقيت حركته منسجمة نضاليا رغم اختلافها قياديا فالمنهج معلوم والرواق معروف وإشارات البقاء أو الخروج معروفة أيضا. ولما كان المنهج والرواق معلوما كانت اليوم مخرجات سياسة كل مكونات مدرسة الشيخ نحناح رغم وجودها في أحزاب مستقلة "أربعة على الأقل "لاتخرج عن الرواق السيار الذي كان يمارس فيه السياسة ولعبة الكر والفر والمناورة السياسية التي الشيخ بارعا فيها باقتدار. فتجد اليوم تلاميذه يرفعون مبادرات سياسية متقاربة بل تكاد تقع في رواق واحد من اليمين إلى اليسار فمن الانتقال الديمقراطي إلى التوافق السياسي إلى الجدار الوطني كلها أفكار تنتمي إلى مدرسة واحدة فقاعدتها الأساسية إذا تجاوزنا النوايا التي لانملك الحكم عليها هي حل الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد بتحقيق مفردات التوافق السياسي وصناعة تيار جامع للجزائريين يجنب البلد المخاطر المحدقة بها ليجسدوا الوثبة الوطنية بدون إلغاء ولاإقصاء ولافوقية. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو هل ماتزال هذه المقاربة الكلية صالحة للتطبيق والتجسيد أم أنها استنفذت أغراضها ؟ وعلى تلاميذه رحمه الله أن يجددوا فيها بما يصلح لحالهم ووضعهم. لم فرصة التجديد قد فاتتهم جميعاً ؟ وبين منطق تقديس الأشخاص والجمود على القديم ومنطق إرادة التجديد ورفض كل قديم تقع مقاربتنا هذه التي تعتمد المنطق الوسطي الذي يراكم التجربة ويستفيد من الرصيد ويعطي المتغيرات والثوابت موقعها المناسب في معادلة التغيير والإصلاح. يتبع….