حاوره : يونس شرقي يتحدث عبد المجيد مناصرة الوزير السابق و رئيس حزب جبهة التغير، في هذا الحوار عما يسميه مدرسة الشيخ محفوظ نحناح و عن تاريخ الحركة و مصيرها السياسي، و تحدث عن جهود الوحدة بين الإخوة الفرقاء، ثم تحدث عن موقف حزبه في المعارضة و رد على المشككين فيه، ثم برر خيار الورقة البيضاء التي انتهجها الحزب بسبب عدم التوصل لمرشح توافقي، كما تحدث عن المبادرات السياسية التي طُرحت على حزبه و تفاعله معها، ثم ختم بالموقف من الأزمة السورية بعد انفصالكم عن حركة مجتمع السلم، و تأسيس جبهة التغيير، هل كان هذا الانفصال يتعلق كذلك بالفكر السياسي للحركة، أم أنكم تعتبرون أنفسكم ورثة لفكر الشيخ محفوظ نحناح؟ أنا أفضل الحديث في الحاضر و المستقبل لا الماضي و لكن لا علينا، فجبهة التغيير تأسست عام 2012، و لها رؤية و برنامج سياسي و لها مؤسسات و مناضلون، و ليس هناك وريث للشيخ نحناح، و هو مدرسة يشترك فيها الكثيرون، و أعتقد أن الفكر لا يوَّرثُ، و لكن من يشتغل هو من يكون ممثلا حقيقيا لهذه المدرسة، وعلى رغم هذا فنحن نبذل جهدا مع كل الإخوة لتوحيد أبناء المدرسة الواحدة التي أسسها الشيخ محفوظ نحناح. طيب، كيف ترى الاختلاف بين الأحزاب المنسلخة عن حركة مجتمع السلم؟ لا يوجد أي اختلاف من حيث المنهج بين الأحزاب الثلاثة التي نشأت من فكر الشيخ نحناح، على الرغم من وجود نوع من الخلاف حول البرامج أو الأولويات أو في رؤية العلاقة مع الآخر، و أعتقد أن هذا لا يشكل عائقا لإعادة التوحيد، و منهجنا يبقى دوما واحدا و هو المنهج الذي يتجه نحو الفرد و المجتمع و الأسرة و الذي يهتم بالمشاركة لا المغالبة و ليس الفوضى و ليس السلبية و الانسحابية. إذن، أين وصلت جهود الوحدة؟ نعم الجهود متواصلة في سبيل ذلك، لكن علينا أن ندرك أنها وحدة تأتي بعد فرقة، و هذا الأمر يتطلب من بذل جهود أكبر. ألا تخشون أن تتكرر الأخطاء نفسها التي ترتبت عن جهود الوحدة في المرة السابقة، و أن يخرج الوسطاء بحزب جديد؟ نعم قد يكون ذلك، و لكن الأخطاء لن تثنينا عن الوحدة، فمادام لنا المصلحة و القناعة في الوحدة، فليس لدينا خوف من الفشل، و هذا ما يجعلنا نشتغل في هذا المسعى و نطلب من الإخوة كذلك العمل على هذا النحو. طيب ، و حينما نتحدث عن فكر الشيخ محفوظ نحناح و الذي يُعتبر رائد النهج الإخواني في الجزائر، هل نستطيع القول إن الشيخ نحناح قد نجح في جزأرة الفكرة الإخوانية؟ الشيخ نحناح ابن بيئته و ابن محيطه الجزائري، فقد تربى في الحركة الوطنية بدءًا من حزب الشعب و كذلك في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، و بما أن الفكر الإسلامي لا ينحصر في جغرافيا معينة، و هو ينتشر بطبيعته، و هو ما جعل الشيخ نحناح ينفتح على الأفكار المحيطة و التي كان الفكر الإخواني أهمها و الذي لم يكن بينه و بين الفكر الإصلاحي لجمعية العلماء تباعد كبير، و هو ما كان مساعدا لتكوين الشخصية الفكرية للشيخ نحناح بسلاسة. المعروف أن الشيخ نحناح كان يتبعه الكثير و هو ما شكل قاعدة شعبية معتبرة لحركته السياسية، اليوم و بعد انقسام الحركة إلى مجموعة أحزاب، ألا ترى أن هذه القاعدة قد تشتت و اندثرت من رصيد الحركة؟ الانقسام بالتأكيد يشتت و يُضعف، و الحركة التي كانت بالحجم الكبير الذي شاهدناه آنذاك لا يمكن أن تضيق على الأفكار و لا على الكفاءات، و إنما تضيق عندما يحاول البعض احتكارها، و بالرغم من وجود قنابل و مطبَّات التفرقة، إلا أن التربية التي تلقاها أبناء الحركة الواحدة تجعلنا نجرم بأن عوامل الجمع أكثر بكثير من عوامل التفرقة، و أرى أنه علينا السعي لتليين ما تبقى من الصعوبات التي تنتفي عند القواعد و المسؤولية تتحملها القيادات التي تتلكأ في الذهاب نحو الوحدة، و كذلك خصوم الحركة لا يريدون لها الوحدة، أتحدث عن الخصوم الفكريين و السياسيين حتى لا أسميهم أعداء، فهم يريدونها حركة واحدة ضعيفة أو مجموعة أحزاب متفرقة لأنهم لا يريدون لها صوتا مسموعا. ألا ترى أن الخيارات السياسية التي انتهجها ورثة الشيخ نحناح هي التي أسهمت في تشتيت القاعدة التاريخية للحركة؟ خاصة خيار المشاركة في الحكم؟ لا لا، هذه الخيارات اتخذت في عهد الشيخ نحناح، الخوف من الخيارات لما لا تكون توافقي، و لكن حينما تخرج عبر الشورى و قد شارك في اتخاذها الجميع فلا خوف على الحركة من أي خيارات، إذن ما يُطرح هو كيفية تطبيق هذه الخيارات و القيادة هي من تتحمل ذلك، علينا التساؤل هل نجحت القيادة في ذلك أم فشلت؟ و بالتالي أنا أجزم أن خيارات الحركة كانت صائبة و على من طبقها بتحمل مسؤوليته. بما أن هذه الخيارات قد كانت صائبة في رأيك، لماذا انتقل ورثة الشيخ نحناح مباشرة من الحكم إلى المعارضة الراديكالية في حمس و معارضة حوارية كجبهة التغيير، و كنتم تستحوذون على عدة حقائب وزارية في الحكومة؟ تقصد حركة مجتمع السلم؟ أقصد حتى حضرتكم حيث تحملتم حقائب وزارية ؟ نحن اخترنا المعارضة بعد التزوير الفاضح في تشريعيات 2012 و هو ما جعلنا نقاطع المحليات و نختار طريق المعارضة، و السلطة قامت بالتزوير أكثر ما تحتاج و كان ذلك بطريقة فجة جدا و كان ذلك بتدخل حتى من المؤسسة العسكرية، و كل هذا لأن هذه السلطة تخاف خوفا شديدا من التغيير يعني أنت ترى أن السلطة قد فوتت على نفسها و على الشعب فرصة الانتقال السلس و السلمي نحو الديمقراطية؟ طبعا طبعا، فما قامت به السلطة ستندم عليه ندما كبيرا، فكان عليها إجراء انتخابات حقيقية و ديمقراطية لا تقصي أحدا، و تعيد العمل السياسي من الاحتجاج في الشارع إلى المجالس المنتخبة، نحن نخسر أموالا كبيرة نتيجة عدم تطبيق الديمقراطية. و بالتالي نحن نرفض المعارضة التي تشوش، و معارضتنا تكون بالبديل، حين نرفض فكرة فلنا فكرة مقابلها و حين نرفض شخصا نقدم شخصا بديلا، إذن نحن نفرق بين المعارضة و بين المشاكسة، و يجب على الأحزاب أن لا تتعامل كحركات رافضة أو حركات احتجاج، نعم يمكن أن يكون لها موقف رافض أو موقف احتجاجي و لكن لا يجب أن تبقى طول الوقت على هذا النهج. معارضتنا هي للحكم و ليس للدولة، و هي معارضة تطرح البدائل و ليست معارضة سلبية. أما عن حركة مجتمع السلم فهم أحرار في اتخاذ ما يشاؤون من خيارات، و أنا أحدثك عن الفترة التي كنا ضمن هياكل الحركة. كيف ترون موقفكم الآن في المعارضة؟ خاصة مع اتهامات لكم بمهادنة السلطة؟ نحن أعضاء في هيئة التشاور و المتابعة و ليس لدينا علاقة بالتنسيقية و أعتقد أنه يحق لهم التعليق على خياراتنا، و فيما يخص كل أحزاب التنسيقية فأغلبها شاركت في الحكم ما عدا جاب الله، و مقاربتهم هذه خاطئة فليس لهم الحق في تحديد المعارضة الجادة من الزائفة، و أنا أذكرهم أنهم كانوا أبعد من موقفنا اليوم حينما كانوا هم في الحكم. لقد لاحظنا أنكم نظرتم بإيجابية لمبادرة جبهة القوى الاشتراكية، فإلى أين ستصل هذه المبادرة؟ من أولوياتنا نحن هو التوافق بين كل الجزائريين، و بالتالي ندعم أي مبادرة في هذا التوجه، و هو ما دفعنا للمشاركة في مبادرة مازفران، و كذلك حينما فتحت السلطة مشاورات حول الدستور شاركنا و مشاركتنا لا تعني أننا قد وافقنا و زكيّنا مخرجات هذه المبادرات، كذلك هو الأمر مع مبادرة الأفافاس فقد شجعناها و دعمناها. لكن أين هي النتيجة المرجوة من هذه المبادرة؟ لسنا مسؤولين عن نجاح أو فشل هذه المبادرة، بل أصحابها هم من المسؤولون عن هذا، المهم أننا لم نعرقل أو نعطل الحوار، و بالتالي نحن لا نرغب في أن يحتكر طرف ما المعارضة و ينصب نفسه وصيّا عليها، و نحن التقينا مع جبهات القُوى الاشتراكية مرتين، و قد دعونا لتأسيس فوج عمل و لم يكن ذلك لحد الآن. هدفنا هو مصلحة المواطن من الذهاب في طريق التوافق الوطني الذي لا خيار بديل عنه غير الفوضى. كان موقفكم في المحليات 2012 هو المقاطعة، و لكن موقفكم كان هو المشاركة بالورقة البيضاء في الرئاسيات الأخيرة، فما السبب إلى ذلك؟ لم نشارك في المحليات كان بسبب الصدمة من طريقة التزوير التي حصلت في التشريعيات، فكان خيار المناضلين هو عدم المشاركة، أما في الرئاسيات فقد بحثنا عن مرشح توافقي، لكن هذا لم يحدث، و هو ما جعلنا نتخذ هذا القرار. و ماذا عن المشاورات التي كانت مع المرشح علي بن فليس مرشحا توافقيا؟ بن فليس لم يحظ بتزكية أغلبية المعارضة، و لكنه نال دعم جزء محترم من ذلك، و بالتالي لم يكن يمتلك صفة المرشح التوافقي، و خيار الورقة البيضاء كان حلا لتفادي الدعوة للمقاطعة الانتخابات، و كانت رؤيتنا أن النتائج محسومة مسبقا، و قد لاحظنا تجاوبنا مع خيارنا الذي لا نزعم أنه نجاح لنا نحن فقط و قد تحصلت الورقة البيضاء على أكثر من مليون صوت. أنتم كجبهة التغيير، ماذا عن مواقفكم في السياسة الخارجي؟ سوريا مثلا نحن ندعم الشعوب للمطالبة بحريتها، و نحن ضد أي نظام استبدادي، و النظام السوري بالغ في استعمال القوة ضد الشعب، و اليوم تعقدت بعد أن تحول الأمر من ثورة إلى حرب، و رؤيتنا هي الحل عن طريق الحوار، صارت سوريا تحت رحمة جماعات إرهابية مخترقة من النظام، لأن الاستبداد يتغذى من العمل العُنفي و الإرهابي. هناك من يصف الربيع العربي بأنه ربيع إخواني، و أن التيارات الإسلامية تنكرت لدعمها من النظام السوري فما هو رأيكم؟ كنا ننظر باحترام للنظام السوري حينما كان يدعم المقاومة الفلسطينية، لكن لا يمكن دعمه ضد الشعب الأعزل، اليوم صارت سيئاته أكثر من حسناته و هو ما جعلنا نناهض هذا النظام. و ماذا عن الثورة في الجزائر؟ نحن لا نرغب في ثورة بالجزائر، لأننا نريد التغيير الآمن، و الثورة حين تندلع لا يمكن معرفة سببها الحقيقي و هو ما يمنع التحكم فيها سواء من النظام أو من المعارضة، و نحن متمسكون بالحوار على رغم التجاوب البطيء للسلطة و التي تفوت علينا الفرص نحو الانتقال الديمقراطي. في كلمة أخيرة لقراء جريدة الحوار؟ أتمنى أن تنتهج الجريدة الموضوعية ولي ثقة كبيرة في أهلها الذين يمتلكون خبرة كبيرة في الإعلام بما يسهل عليهم هذا النهج.