صنعت يومها من ريش الشوق أجنحة وطرت بها إلى بيت أبوين عزيزين على قلب الجزائر وذاكرة شعبها، سبقتني خطواتي و لم أشعر إلا و أنا أدق جرس الباب، فيرقص قلبي فرحا و أنا أنصت إلى خطوات الأم الحبيبة والمجاهدة البطلة السيدة جميلة خمار، قادمة تفتح الباب بنفسها، استقبلتنا بفرحة كبيرة، وهي تردد بصوت دافئ "أهلين بيكم…تفضلوا ..تفضلوا". ياااااه و أخيرا نحن على عتبة لقاء الأب العزيز، شيخ الشعراء الجزائريين، السيد محمد بلقاسم خمار…ابن سكرة الجزائر (بسكرة). ركبنا كبسولة الزمن وعدنا إلى كلاسيكيات الزمن الجميل…هذا ما خيّل إلينا ونحن وسط قاعة الاستقبال، نجول بأعيننا في الديكور الفكتوري ذي الطابع العتيق، أناقة الأثاث البني الدافئ بمجموعة التماثيل المتفاوتة الأحجام والأضواء المشتعلة على استحياء تبعث في النفس حنينا إلى الماضي، وصمت حلو المذاق في حضور اللوحات المرسومة بأنامل أنثوية تحمل توقيع"جميلة‟، لا تنافسها سوى لوحة واحدة علّقت على يسار المدخل، كتب عليها بخط فني بيت شعري لمحمد العيد آل خليفة، وتوضح لنا فيما بعد أن "مؤنس" (نجل بلقاسم خمار)، كتبها حين أتقن فن الخط العربي في سوريا. حين رحبت بنا الأديبة "أم لؤي" كما تفعل الجزائرية الحرة بكوب ساخن من الشاي الأصيل، كنت أستشعر حجم الألم في:"كم أتمنى أن أنسى نسياني لأستريح..و لكن يبدو أن الجرح أعمق من أن يستوعب جرحا آخر فيه..!، عبارة التقطتها عيوني من كتاب "مذكرات نساي‟ الذي وضعت إلى جانبه مجموعة أخرى من المجلدات والكتب الشعرية، وماهي الا دقائق معدودات حتى هلّ علينا "عمي بلقاسم‟، وقفنا بكل احترام واستعداد لتحية شيخ الشعراء، وكان هذا أول لقاء فلم أشاهده سالفا إلا عبر الشاشة..وجدت الزمن قد سبقني إليه ولم يقصر المرض في أخذ حقه..إنه يعاني من ضعف البصر وضيق التنفس وأمراض أخرى اتعبت كاهله، إلا أن وهج الشباب في عينيه لم تتمكن النظارات السميكة من إخفائه، و روحه المرحة بمزيج من خفة الدم أشعرتني بأني أكبره بعدة سنوات، هذا ما قلته له، فردّ ضاحكا:(أنا عندي 85 سنة)، بيد أن ضحكته لم تخف استياءه من السلطات القائمة على شؤون الثقافة، حيث أخبرتنا زوجته: "أنه تم الاتصال بالهاتف الأرضي قبل أسبوع من عيد الثورة المجيدة، و لم يكن في المنزل ساعتها سوى مدبرة شؤون البيت، وتم ترك رسالة لعمي بلقاسم مفادها أنه سيتم تكريمه في الأول من نوفمبر وفقط من دون ترك عنوان مكان التكريم ولا الساعة التي سيقام بها‟، و إلى غاية الساعة لم يعاودوا الاتصال ولا كلّفوا أنفسهم إرسال دعوة محترمة إلى بريد البيت، أو حتى إرسال سيارة بسائق تصطحب عملاقا من عملاقة الشعر العربي الجزائري، هذه الحادثة حزّت كثيرا في نفس "أبو لؤي"، وقال بروح متأسفة:"لا خير في بلد يهمش مثقفيه‟. وبعد مضي وقت من الدردشة على الوضع الذي آلت إليه الثقافة، وعمي بلقاسم على مرأى من أعيننا يرتشف قهوته المسائية، بدأ الحوار : * عمي بلقاسم غاب ظلّك عنا على الشاشات التلفزيونية و على صفحات الجرائد، ظروف قاهرة، أم أنه عتب محبين؟ في الحقيقة أنا ألبي جميع الدعوات وأفرح بها كثيرا و لا أرد أحدا، اللهم إن كانت ظروف صحية قاهرة أو بُعد المسافة. الميلاد و الطفولة بكل تفاصيلها الجميلة؟مدينة قداشة كيف كانت؟ يتنهد ويقول: إيه قداشة!. أنا من مواليد 6 أفريل 1931 بقرية قداشة، وهي آخر قرية في قرى بسكرة، تحيطها غابات النخيل، وأغلب سكانها فلاحين، قد سكنها أجدادي وأسسوا بها زاوية بلخمار لتدريس القرآن و لديها مكتبةو مسجد كبير، أين دفن جدي الشيخ محمد خمار، كان فقيها و معروفا، يؤتى من كل حدب وصوب، و تولى شؤون الزاوية بعد وفاته والدي رحمة الله عليهم جميعا. و قد حفظت في حياته 32 حزبا من كتاب الله، ومرة طلب مني أن أأم بالمصلين في صلاة التراويح ففعلت وأنا ابن الرابعة عشر. و في حب قداشة قلت ذات مرة: ليت شعري، هل أبيتن ليلة بقداشة إني إذا لسعيد. بصمة العم الشاعر بلقاسم خمار في تسميتك؟ يوم ميلادي ذهب عمي رفقة أبي إلى البلدية وطلب من الوالد أن يضيف إلى جنب اسم محمد اسم بلقاسم، و عمي بلقاسم خمار كان وطنيا و شاعرا كبيرا يكتب باللغتين العربية والفرنسية، كتب مرة بالطباشير على حائط فندق روايال ببسكرةفرنسا قد أتى الأجل المسمى* فلا بحر يقيك و لا سفين. و كاد أن يقتل لأجله. برأيكم الشعر موهبة فطرية أو مكتسبة ؟ الموهبة وحدها لا تكفي، لابد من صقل الموهبة و تلقينها بالاكتساب والاجتهاد و الاحتكاك بذوي الخبرة، و عن نفسي لم أدرس علم العروض بل اكتسبت بالفطرة أذنا موسيقية حتى أني صححّت مرة وزن بيت شعري لأستاذي عبد الرحمن شيبان، وتنبأ بأني سأصبح شاعرا. آلة الناي والعود والكمان في حياة بلقاسم خمار (علاقتك بالموسيقى)؟، ومن الفنان الذي يطرب سمعك؟ تطربني كوكب الشرق أم كلثوم، فيروز، أسمهان، عبد الحليم حافظ، و كثيرا ما غنيت لعبد الوهاب، و كل من يسمعني يقول سبحان الله حنجرة عبد الوهاب، و والدي رحمة الله عليه كان يعزف "الجواق"، و أنا سرت على نحوه فعزفت الناي، و لما ارتحلت إلى سوريا عزفت "الكمان"، و هي أعقد آلة و لا يتعلمها الإنسان إلا بعد سنوات لأنها تمتلك أصواتا متعددة. مسيرتكم الدراسية انطلاقا من مرحلة الابتدائية إلى غاية تحصلكم على شهادة الليسانس بجامعة دمشق؟ التعليم الابتدائي بقداشة، حيث انتسبت إلى مدرسة تابعة لجمعية العلماء المسلمين، ثم انتقلت إلى معهد عبد الحميد ابن باديس بقسنطينة، وكنت ألقب انذاك بشاعر المعهد و اجتزت أنا وأقراني امتحان الأهلية بتونس، لأن المعهد وقتها كان تابعا لجامع الزيتونة، درست لسنتين بتونس من سنة 1951 و امتحنا مع اخواننا التونسيين بقاعة واحدة، وعام 1952 نشرت أول مقال في جريدة "المنار الجزائرية"، و في سنة 1953 انتقلت إلى حلب و تحصلت على شهادة التعليم من دار المعلمين بعد أربع سنوات من الجد و الاجتهاد. المحطات المهنية التي توقفتم عندها؟ بعد تحصلي على شهادة المعلمين بحلب، اشتغلت معلما لأربع سنوات، ونشرت خلالها عدة مقالات في الجرائد والمجلات، انخرطت كذلك في مكتب جبهة التحرير الوطني بدمشق، و كنت عضوا في اتحاد الطلاب المسلمين الجزائريين و رئيس رابطة طلاب المغرب العربي، و بعد استقلال الجزائر عدت إلى الوطن و قدمت ملفي الذي يضم أربع شهادات في علم النفس و الآداب و الفلسفة لوزارة التربية لكنه رُفض فشعرت بخيبة و انتكاسة كبيرة، و لم أرجع ذلك إلا لمرض في نفوسهم، لأني كنت جد متحمس للتدريس في وطني، وتوجهت بعدها للعمل كصحفي في جريدة "الشعب؛، و كنت أشجع الشباب المبدع من الشعراء أمثال سليمان جوادي في صفحة بعنوان في "رحاب الشعب"، و بعد سنة تقلدت منصب مستشار ثقافي في وزارة الشباب وبعدها مديرا ثقافيا إلى غاية تقاعدي سنة 1987، إلا أن قلمي لم يتوقف عن الكتابة. دمشق محطة تكررت في حياة الشاعر بلقاسم خمار، وحبك لمسقط رأسك يتجلى في حواراتك التلفزيونية ولقاءاتك الصحفية، فأي مدينة تسكنك، تلك التي أنجبتك، أم التي واصلتم فيها دراستكم و عملتم بها ؟ تتلألأ عيناه عند ذكر قداشة ودمشق، يقول: تسكنني مدينتان قداشة أين دفن والدي والذكريات، وهي الوطن الأم، ودمشق التي احتضنتني وبقيت فيها ردحا من الزمن. * موقف طريف حدث لك عندما كنت في مدرسة فرنسية، رسمت علم الجزائر وطردت وبالتالي حرمت من الدراسة، شعورك لما تتذكر ذلك الموقف؟ يبتسم: ربما وقتها كان يجب أن أكون أذكى، طردت من المدرسة الابتدائية و عمري 12 سنة، بعد أن طلبت منا المعلمة أن نرسم، فرسمت علم الجزائر، ثارت ثائرتها وأخبرت المدير وتم طردي. * الجزائر تحتفل بعيد الثورة المجيدة ال62، القصيدة الثورية كان لها نصيب الأسد في مسيرتكم الشعرية، و هي أداة تحببنا في التاريخ، تعليقكم حول هذا النوع الشعري وكيف له أن يخدم المجتمع أو التاريخ بتعبير أصح؟ انتسبت إلى حزب الشعب و عمري لا يتجاوز 13 عاما، وأقسمت اليمين على الاستقلال بالحرب أو الاستشهاد (كنت وطنيا متحمسا للثورة)، حضرت الاجتماعات السرية و كونت خلية بقداشة تابعة للحزب، وكان مصالي الحاج أول زعيم لي، و لما اندلعت ثورة نوفمبر كنت في سوريا، وحالما سمعت الخبر شعرت بفرحة كبيرة وحزن في الوقت نفسه لأني كنت بعيدا، فجاهدت بقلمي، إذ جل قصائدي ثورية، فأنا لم أتغزل بالمرأة كمخلوق جميل يشتهى لذاته، كانت الجزائر هي حبي الأعظم، و لم أخض غمار الرثاء إلا قليلا، كرّست عمري للثورة المسلحة وتابعت مسيرتها بأشعاري. * علاقتكم بالشاعر محمد العيد آل خليفة، و هو الذي خصكم بقصيدة شعرية منها: قم بفروض الشعر عني فإنني *كبرت و عاقتني عن الشعر أعذار محمد العيد آل خليفة تربطني به علاقة وطيدة، هو صديق أخي الكبير، و كان يحبني كثيرا و هو أستاذي و صديق صنعتي(الشعر)، ورثة عنه ملكة الشعر، و قد خصني بقصيدة مطولة وقام ابني "مؤنس" بكتابة بيت منها بالخط العربي. كما كتب عني عز الدين ميهوبي، محمد لخضر السائحي و كثير من الشعراء. * ما هو العذر الذي يحول بين الشاعر و قلمه، أو بالأحرى لم توقفت عن الكتابة؟ الجو العام، وخاصة عندما يهمش الشاعر، لمن أقرأ شعري عندما أكتب؟، فأنا لم أترك الشعر مختارا، لكن الأجواء لا تساعد، كما أن للكبر حق و للمرض حقه أيضا. من مؤلفاتك ديوان "حالات للتأمل و أخرى للصراخ"، عندما يتأمل عمي بلقاسم حال الأمة العربية و الإسلامية اليوم، ما الذي يستدعي التأمل، و ما الذي يستدعي الصراخ ؟ الأحداث الواقعة في الدول العربية..سوريا والعراق، و هو صراع خبيث، فالوطن العربي محارب من قديم الزمان، و ما استعمروا هذه البلدان لضعفهم و إنما لنعرة صليبية وحقد في قلوبهم فهم ضد الإسلام قبل أن يكونوا ضد العرب. من بين إصداراتكم الشعرية، بين وطن الغربة وهوية الاغتراب، متى شعر أو يشعر بالغربة بلقاسم الإنسان، وبلقاسم الشاعر؟ لقد تغربت بجسدي عن وطني أكثر من عشر سنوات، أما بفكري ووجداني فلم أغب عنه و لو ليوم، فالغربة المكانية لها تأثيرها بطبيعة الحال، إذ تركت والدي الصادق خمار و إخواتي الثلاث: فاطمة، الزهراء، و فاطمة الزهراء، وكنا ثلاثة ذكور سمانا والدي محمد وأحمد و محمد بلقاسم، خصنا والدي و حصرنا في اسم واحد لحبه الشديد لسيد المرسلين محمد و آله عليهم أفضل الصلاة و أزكى التسليم. سنة 1972 أسستم مجلة ألوان و بلغ توزيعها 80 ألف نسخة اعتمدت على النقد (مذكرة نساي و مطارق) والكاريكاتور، توقفت سنة 1986، لماذا توقفت؟ مجلة ألوان آنذاك، اعتبرت من المجلات الثقافية الناجحة، كانت تنشر مختلف الفنون الأدبية و النقدية و تهاجم الفساد، إلا أن أصحاب السلطة أمروا بإيقافها لأنهم كانوا ضد اللغة العربية والتعريب، و من أجل أن يبقى الشعب الجزائري أميا أو مفرنسا. * ما رأيكم في المشهد الثقافي في الجزائر، وماهو سبب الركود؟ الثقافة في الجزائر عرجاء و لا أساس تعتمد عليه، و الحركة الثقافية تشهد ركودا و هذا راجع إلى أعداء الثقافة ممن يتآمرون من أجل إبقاء الشعب الجزائري في الأمية، أضف إلى ذلك انعدام النوادي و مرافق اللقاءات و غياب الأمسيات الشعرية داخل ساحاتنا الوطنية و استنكاف وسائلنا الإعلامية وخاصة التلفزة عن الشعر و الشعراء و افتقارنا لمجلة فكرية أدبية قوية مع تبرؤ وتبرم شبه مطلق من قبل المسؤولين. شبكات التواصل، هل في رأيك عامل مساعد أم مثبط للمثقف و المبدع؟ قديما كان هناك تواصل اجتماعي و تواصل بين المثقفين. الإنترنت توفر التواصل العالمي ونحن نفتقد التواصل بين أبناء الوطن، انعدمت مظاهر الثقافة، فقديما كان اللباس والأكل والرسم، و كل ذلك من أبرز علامات الثقافة حتى أن لباس البرنوس من الوبر أو الصوف هو وقار لصاحبه، سواء أكان مثقفا أم شخصية عامة..شمس الثقافة لا تغطى بالغربال!. هل صحيح أن الأستاذ خمار يعاني من التهميش من قبل الفاعلين على الشأن الثقافي في الجزائر؟ لست محبوبا من قبل المسؤولين لأني صريح، و هم غير قائمين بواجبهم، لكنهم يكرهون الانتقاد لكي لا تمس مناصبهم. عز الدين ميهوبي ابن الدار، كان يتردد عليا كثيرا و والده صديق عزيز، لكنه منذ أن استلم منصب وزير انقطع عن زيارتي(ميهوبي يحب السلطة) و نسي وتقاعس عن واجبه في الاهتمام بالمثقفين و الشعراء المهمشين. * لا نستطيع مر مرور الكرام على نجلكم "مؤنس؛ خمار و هو الذي رفع رأس الجزائر بمهرجان اللؤلؤة السوداء بأبو ظبي، هل نستطيع القول إن حب الفن وراثة؟ أبنائي (حفظهم الله) كلهم يمتلكون الحس الفني و روح الابداع، و مؤنس شاب مبدع ينشط في مجال السينما والإخراج، لديه الكثير من الأفكار. هناك مشروع فيلم يتحدث عن الوالدة، كيف جاءت الفكرة؟ نعم هناك فيلم و هو في اللمسات الأخيرة حول الشهيد أحمد شطة، و هو مناضل و مجاهد، استشهد إلا أن قبره غير معروف لحد الساعة، و شاركت والدته جميلة كشاهد، و في الحقيقة هي فكرة العائلة منذ زمن. نهاية الحديث صفحة بيضاء، لك سيدي أن تملأها بما شئت؟ أشكركم على الزيارة التي أدخلت السرور على قلبي بعد أن كنت في عزلة. —————————————- * من هو بلقاسم خمار ؟ تطرق باب شيخ الشعراء محمد بلقاسم خمار إلا و أنت تطرق باب التاريخ، فتفتح بسكرةالمدينة السكرة بحلاوة تمورها و شموخ نخيلها و منبع الماء الصافي، لتحكي لنا عن عمي بلقاسم رجل ولد من رحم الحياة الريفية بقرية قداشة ببسكرة القديمة، حمل اسم عمه الشاعر بلقاسم خمار الذي عاش من أجل الوطن أياما حابلة بالوطنية تجلت في قصائده و أشعاره، حفظ القرآن و أمّ المصلين في صلاة التراويح و هو لا يزال صغيرا، كما أحب الموسيقى، فاستمع إلى كوكب الشرق "أم كلثوم"، فيروز، أسمهان، وعزف الناي و العود و الكمان، فحرك بها العواطف و أثار مكامن الشجن بحنجرة عبد الوهابو، صنعته الحياة، فساهم في صناعتها بقصائده التحررية الوطنية من أجل استرجاع وطن مفقود، تعرف عليه جيل السبعينيات على صفحات مقرر اللغة العربية، و منذ أن غاب شعره عن المنهج الدراسي، اصفرت أوراق الكتب و ذبلت. يقال لولا الثورة المباركة لبقينا نسيا منسيا. بدأ الكفاح و هو ابن الثالثة عشر، حين انتسب إلى حزب الشعب بزعامة مصالي الحاج، كما ساند الجزائر في أحلك أيامها، وعاش أحداث العشرية السوداء بجميع تفاصيلها المشؤومة، فعانى رعبها و أوذي فيها، تشهد على ذلك أوراقه الحبلى بأبهى أحلام الأمة العربية و أقسى انكساراتها. و رغم تغربه عن الوطن لأكثر من عشر سنوات، إلا أن جمرة العشق للجزائر في قلب شاعرنا لم تخمد و لا ليوم واحد بل ظل يؤلف فيها الدواوين و قلبه يعتصر من قساوة الغربة و مرارة الاغتراب، و على شفتيه ترتسم بسمة الأمل لمواصلة التحدي. تقلد عدة مناصب مهمة‚فاشتغل معلما بسوريا وفي نفس الوقت صحفيا في عدة جرائد و مجلات ‚ثم مسؤولا بمكتب جبهة التحرير الوطني الجزائريةبدمشق‚ و عند عودته للجزائر سنة 1963 ‚ تقدم بملف كامل لوزارة التربية يحمل في طياته اربعة شهادات في علم النفس‚علم الاجتماع‚الفلفسة و المنطق و الأدب العربي و كلها تصب في اطار التربية و التعليم‚الا أن الملف رفض‚فتوجه الى جريدة الشعب‚ حيث شجع من خلال صفتحه بعنوان في "رحاب الشعب‟‚الكثير من الشعراء الشباب من أمثال سليمان جوادي‚ لينصب بعدها مستشارا في وزارة الشباب الجزائرية‚ لينتقل أخيرا الى وزارة الثقافة حيث شغل منصب مدير الى أن نال التقاعد عام 1987. مسيرة أبو لؤي‚حافلة بالانجازات و لعل أهمها تأسيسه لمجلة ألوان‚ و التي بلغ توزيعها الى 80 ألف نسخة‚ و قد اعتمدت على النقد و الكاريكاتور و التهجم على الفساد من خلال مذكرة نساي‚مطارق. الى ان تم توقيفها سنة 1986‚ و دواوين شعرية منها‚ اول ديوان نشر سنة 1967 أوراق‚1969 ربيعي الجريح‚1970 ظلال و أصداء‚1979 الحرف و الضوء‚1981 ارهاصات سرابية و مجموعة من الاوسمة منها وسام الاستحقاق الثقافي الذي اقيم بالعلمة‚درع الاستحقاق من اتحاد الكتاب الجزائريين و غيرها. حاورته: أمال كول