إعلامي متألّق طاف بأكبر المنابر الإعلامية العالمية، فاكتسب تجربة جديرة بالتقدير، من "فرانس 24″ إلى "ال بي سي" التي صنعت منه نجما في عالم الإعلام، لكنه ورغم النجاحات التي حققها في منابر إعلامية أجنبية رائدة، مازال يحلم بالعودة إلى أحضان الوطن ليهديه خلاصة تجربته. وفي هذا الحوار الذي جمعه ب"الحوار"، تحدث سفيان ثابت عن تفاصيل مشواره الإعلامي في الغربة، عن آرائه وعن طموحاته المستقبلية. _في البداية نتعرف على أهم المحطات في مشوارك الإعلامي؟ باختصار شديد، غادرت مسقط رأسي قسنطينة في أواخر عام 2000 باتجاه العاصمة الفرنسية باريس، حيث حصلت على شهادة ماستير في العلوم السياسية وشهادة ليسانس في التاريخ من جامعة بانتيون–سوربون (باريس1)، ثم شهادة ثالثة من المعهد الأوروبي للصحافة IEJ. بعد تجارب في مؤسسات إعلامية فرنسية هنا وهناك، التحقت بإذاعة مونت–كارلو الدولية كسكرتير تحرير فمحرر فمذيع، في أولى تجاربي الإعلامية باللغة العربية، عملت كذلك كمحرر ومراسل صحفي بالقسم العربي لقناة "فرانس 24″. في العام 2012 التحقت بال"بي بي سي" في مقرها الرئيسي بلندن كمذيع صحفي، وكان لي هناك تجربة مفيدة مثلت نقلة في حياتي المهنية، فقد اكتسبت المزيد من الخبرة من خلال تقديم نشرات الأخبار التلفزيونية من جهة وتقديم وإعداد برنامج "بي بي سي اكسترا" الإذاعي المنوع من جهة أخرى، أما تعاوني مع قناة الغد العربي بمكتبها اللندني كمراسل ميداني ومذيع أخبار وبرامج سياسية (حصة مغاربية، ما وراء الحدث)، فيعتبر آخر تجربة لي هنا في لندن، وأشير إلى أنني أعمل أيضا كمعلّق أو"فويس أوفر" للإعلانات والبروموهات والوثائقيات. _ماذا قدّمت لك التجارب التي تخوضها في منابر إعلامية كبيرة في الخارج؟ في حال كانت المنابر كبيرة أوصغيرة، فكل المؤسسات التي مررت بها وكل التجارب التي خضتها بحلوها ومرها، ساهمت في إكسابي مهارات على الصعيدين المهني والإنساني، فالمؤسسات الإعلامية العربية منها والغربية هي مدارس حياتية تعلمك كيفية التعامل مع الجنسيات والعقليات المختلفة، أؤكد لك أن الأمر ليس سهلا دائما، ومن البديهي أن مرورك بصرح إعلامي كال"بي بي سي"، حيث تتمرن على أيدي مدربين وصحفيين بريطانيين كبار وتحتكّ بأسماء عربية معروفة، يمنح سيرتك بريقا ومشوارك عمقا ويزيدك ثقة، كما أنك تتعلم أصول الصحافة وتمارس فنونها المبنية على قواعد علمية وليس اعتمادا على الحدس والسليقة، أو خبط عشواء كما نقرأ ونسمع ونشاهد في كثير من وسائل الإعلام. _بعد 16 سنة قضيتها بعيدا عن الجزائر، كيف هو الحال مع الغربة؟ لدي رغبة في أن أجيبك بمطلع أغنية الرائع دحمان الحراشي "يا رايح وين مسافر تروح تعيا وتولي". كل المغتربين متفقون على أن تجربة الغربة رغم ثرائها، فإنك تجد فيها قسطا من المرارة لا محالة، فأنت تشعر بالوحدة والعزلة، أنت تعيش حياة ما كان يجب أن تكون حياتك الطبيعية. للغربة ثمن باهض، ومن الصعب أن تقضي أجمل فترة في حياتك تركض في كل الاتجاهات، بين التحصيل العلمي والشغل في الوقت نفسه، والإقامات والسعي وراء جواز السفر الأجنبي لتأمين مستقبلك، كل هذا دون دعم من أهلك البعيدين جغرافيا عنك، والأدهى أنك تعتاد على هذا الحال أو بالأحرى تستسلم له، لكن نحاول البقاء إيجابيين، فكم من شخص يحلم بأن يعيش عيشتنا، وأن يفعل ما يراه هو إنجازا حققناه، بعيدا عن هموم الوطن وإحباطاته. الحمد لله على كل حال، لقد بدأت طريقا، عاهدت نفسي على إكماله، لكن يبقى الأمل متقدا داخلي بالعودة بعد سنوات للعيش في الجزائر والإسهام بما لدي في مجال اختصاصي. _في حال تلقيك عروضا للعمل في الجزائر مستقبلا، هل ستوافق عليها؟ لم أعمل يوما في الجزائر لذلك يبقى الباب مفتوحا أمام أي عرض أراه مناسبا، رغم أن الكثيرين من الزملاء نصحوني بغير ذلك (يبتسم). أحب فكرة أن أساهم يوما –ولو قليلا– في رفع مستوى الأداء واقتراح وتنفيذ أفكار وبرامج وحتى أعمال فنية تفيد مجتمعي في كل المجالات الحيوية، وأن يستفيد البلد من أبنائه الذين اكتسبوا خبرة بمقاييس علمية وعالمية، لذلك يجب استدعاؤهم وتوفير المناخ المساعد على استغلال طاقاتهم من خلال تحقيق ذواتهم. _بصراحة، هل تتابع القنوات الجزائرية، وما رأيك فيما تقدمه من برامج؟ أتابع بشكل غير منتظم، وألاحظ كأي مواطن جزائري وليس كصحفي مغترب، أن المشهد الإعلامي المحلي لا يزال يعاني من مشاكل كثيرة ومن مستوى عام يتراوح بين المتواضع والمتدني، وهذا واقع، فنحن لم نرتق بعد إلى المستوى العالمي ولا العربي حتى، ولم نصل إلى المشرق والخليج مثلا، فيما قنواتهم وأخبارهم ولهجاتهم تغزونا، وهذا مشروع إعلامي وثقافي وفني وسياسي متكامل لابد من الإشراف عليه من قبل السلطات، ناهيك عن الكوارث اللغوية والضعف في طرح المواضيع ومناقشتها، وتقديم نسخ باهتة لبرامج ترفيهية أجنبية، وندرة الفقرات التثقيفية وتلك التي تُعنى بتهذيب الذوق العام وتقويم السلوكات الاجتماعية وتنمية حس المواطنة والانتماء…إلخ. الهدف من هذا الكلام ليس التثبيط وإنما التحفيز على المزيد من الجهد والعمل على تطوير الذات والخروج من دائرة الهواة إلى فضاء الحرفية. يجب التنويه هنا إلى أن مستوى القنوات الجزائرية متباين، وكذلك الحال بالنسبة للمذيعين والمحررين والتقنيين والمنتجين، الأمر واضح والشاشة تكشف العيوب، دعني أضيف أن هناك بعض الأسماء التي برزت في السنوات القليلة الماضية كوجوه إعلامية صاعدة لها إمكانيات لا أشك في ذلك، لكنني كمشاهد أرى نقصا في المهنية وارتباكا في الأداء شكلا ومضمونا وانعداما مفضوحا للموضوعية، وهذ أمر خطير قد يؤدي إلى إقالة المعنيين أمام وخلف الكاميرات، في مؤسسات عالمية كالتي عملتُ فيها، هذا طبعا وضع يمكن إسقاطه على القنوات العربية إجمالا، في وقت كثرت فيه الدكاكين الإعلامية واشتدت سطوة رجال الأعمال والسياسة عليها. _يسجل الإعلاميون الجزائريون وجودا مميزا في مؤسسات إعلامية عربية وغربية، ماهي الأسباب والعوامل التي ساهمت في تألقهم خارج الوطن برأيك؟ أعتقد أنها خلطة سحرية من الحظ الجيد والعلاقات النافذة والفرص المتاحة والاجتهاد الشخصي، والأهم هو عمل هذه المؤسسات على صقل المواهب بشكل دؤوب، ثم إن الإدارة الناجحة تصنع منك نجما في سماء الإعلام حتى وإن كانت إمكانياتك عادية ومحدودة، والأمثلة كثيرة، أما الإدارة الفاشلة التي تجهل أوتتجاهل أبسط فنون التعامل مع الموارد الإنسانية، فلن تبرُز مواهبك في كنفها، حتى وإن كنتَ صاحب ملَكات فذة، وأنا أتحدث هنا عن تجارب سابقة، إذ تجد نفسك محاصرا داخل دوامة من العقد النفسية والمشاكل التقليدية كالمحسوبية والمحاباة والفساد وتغليب المصالح الشخصية، وما إلى ذلك من العوامل الطاردة للكفاءات، وهذا طبعا موجود في بلدنا أيضا بكثرة لن ننكر ذلك، لكن أرفض التعميم. _عمل قمت به وتبقى تتفاخر أنّك أنجزته؟ عموما أنا فخور بمسيرتي حتى الآن، سواء بظهوري كواجهة إخبارية على الشاشات المختلفة أو تغطياتي الميدانية كتغطيتي للانتخابات التشريعية التركية الأخيرة وأحداث باريس قبل عام، أو الحوارات التي أجريتها مع السياسيين والمحللين والفنانين، وهي ثمرة جهد مستمر منذ أكثر من 15 عاما، لكن يبقى الأهم ومبعث الفخر الحقيقي في علم الغيب. أؤمن بأنني لا أزال في النصف الأول من الطريق، وعهد الحديث عن الإنجازات لم يحن بعد، وإن أردت إعطاء نسبة لما أظهرت من إمكاناتي حتى اللحظة، فلن تتجاوز 10%. _من هو مذيعك المفضل إذاعيا وتلفزيونيا؟ لا أحد يخطر ببالي، لكنني متأثر بشخص يدعى وحيد جلال، أعشق صوته وإحساسه وأداءه، وهو أحد عمالقة لبنان الذين تركوا بصمة لدينا منذ الطفولة. _ماذا عن طموحاتك الإعلامية؟ بشكل مطلق، الشعور بالرضا الوظيفي أو المهني في حال تركت عالم التوظيف وانطلقت بمفردي لتحقيق ذاتي، هذا هو مبتغاي. في هذه اللحظة أرى ذلك يتحقق ولو جزئيا في انضمامي لقناة كبيرة كمذيع ومعد برامج ترتقي بالإنسان العربي والجزائري في كل جوانب حياته، وليست الأفكار هي التي تنقصني في هذا المجال، لكن تنقصني الإمكانات المادية والعقول المغامرة لتحقيقها، كما أحب أن تتيح لي هذه المهنة فرص مقابلة أكبر عدد ممكن من الشخصيات النادرة والمبدعين المميزين في كل المجالات، فحياتهم مصدر إلهام لنا جميعا، وأطمح مثلهم لأن أترك خلفي شيئا نافعا ذا وقع، أو على الأقل ذكرى لطيفة. _كلمتك الأخيرة..؟ كلمة أوجهها ربما لكل القائمين على القنوات العربية الصغيرة منها والكبيرة: أن يعطوا الخبز لخبّازيه، فقد بات الإعلام فعلا شغل من لا شغل له، وصرنا نعاني مما يعاني منه الفنانون، عدد الدخلاء والوصوليين يكاد يفوق عدد المحترفين، الذين لم يختاروا الصحافة لأسباب سطحية، ولا يسعون إلى لفت الأنظار بأي ثمن وعلى حساب شرف المهنة. حاوره: سمير تملولت